التليفون يرن.. صوته يتردد في صالة المنزل الكبيرة.. صداه يملأ الحجرات الباردة في عز حر الأيام.. البرودة هنا ليست نابعة من الفراغ الذي يشغل كل المكان.. صمت مفروض علي كل هواء هذه الشقة.. ستائر ثقيلة مزدوجة أسدلت علي كل المنافذ والنوافذ.. لون الهواء داخل الشقة غريب.. ينبئ عن الوحدة والكآبة.. وصوت رنين التليفون في هذا الجو.. يشعرك بالوحدة ويبعث في الجسد فشعريرة.. لم نألفها!! هناك في ركن الصالة.. عيون ترقب.. وآذان تسمع.. بلا حركة.. فقد اعتادت أن تجلس هكذا.. وحيدة.. بعيدة.. معتزلة العالم.. لم تشأ أن ترفع سماعة التليفون.. أو ترفع فيشة التليفون.. فرنين التليفون هو الشيء الوحيد الذي يربطها بالزمن الحالي.. ويصمت التليفون.. وتتحول نظراتها الي جهاز التليفزيون الذي تجلس أمامه طوال الوقت الذي لا تعرف مواعيده.. أفلام لها.. تراها علي تلك الشاشة الصغيرة من خلال جهاز الفيديو.. انها تري كل لحظة من لحظات عمرها الماضي.. أمامها الآن.. بكل الحيوية.. بكل النبض بكل الاضاءة الكاملة.. بكل الحياة التي حرمت منها الآن.. تتأمل أبطالا مروا في حياتها علي شريط سينمائي.. هذا النجم كان يقف أمامها في فيلم غنائي هز عالم السينما.. هذا الآخر.. في فيلم كانت حكايته من واقع الحياة.. هذه الأغنية كان لها صدي تردد علي كل الأسماع.. هي.. أمام نفسها الآن.. تراها بشكل مختلف.. فالتي تراها علي الشاشة غير تلك الجالسة أمام الشاشة.. فرق السنين أضاع الشباب.. فرق العمر هد الكيان.. خوف المواجهة فرض الكآبه والوحدة.. وتمتلئ العيون بالدموع.. وتتساقط ساخنة.. حارقة علي الخدود. وهي لا ترغب حتي في مسح دموعها.. ويدق جرس التليفون مرة ثانية.. وتلتفت النجمة الحزينة بعيون زائغة الي مصدر الصوت.. والدموع هذه المرة تجعل الرؤية ضبابية. تقدمي أيتها العزيزة.. ارفعي سماعة التليفون.. اسمعي صوت الناس أنت مازلت بيننا.. غناء وتمثيلا.. صوتك يملأ الاذاعة.. وأفلامك تشع بريقا رائعا علي شاشة التليفزيون.. ان جمهورك قد زاد آلاف المرات عن زمان.. أجيال جديدة تردد أغنياتك.. نبض حياتك مازال يعيش بيننا.. عيشي أمجادك التي صنعها عمرك الفني الكبير.. ارفعي الستائر الغليظة من فوق المنافذ والنوافذ.. اسمحي للشمس أن تضيء المكان.. اجمعي بقايا الشموع المحترقة وألقيها في قرص الشمس تمتص بكبرياء مجدك الذي مازال يعيش.. لا تفرضي علي نفسك نهاية وأنت تعيشين معنا.. لا تخافي السنين.. ولا تخشي العجز.. فشبابك مازال يعيش أمامك.. خذيه سنا.. وقوة.. وتقدمي.. تحركي أيتها النجمة الرائعة.. وارفعي سماعة التليفون.. واسمعي أصوات الحاضر.. ماذا يقول لك. أرجوكي يا نجمتي العزيزة ارفعي السماعة.. آلو.. آلو.. لم ترد.. ولم ترفع سماعة التليفون.. وفضلت أن تبقي وحيدة.!!