منذ أن تم الإعلان عن وقوع المنتخبين المصري والجزائري جنباً إلى جنب في المجموعة الثالثة المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا، وتأكد بعد فترة أن الصراع على بطاقة الصعود انحصر بينهما، ونحن نتابع بشغف تفاصيل "معركة" إعلامية صبيانية ومثيرة للسخرية انغمس فيها الصحفيون في البلدين الشقيقين أصحاب اللغة والتقاليد والدين والتاريخ الوطني الواحد، وانتابني شعوراً غريباً باننا هنا في مصر لا نتعامل مع منافسين بل "إرهابين" أو "مخربين"، تعمدنا الصاق كل التهم بهم ونزهنا أنفسنا من كل خطأ، فظهرنا وكأننا "ملائكة" نمشي على أرض نحارب " شياطين" كل غايتهم هو إثارة الفتنة والتخريب والتدمير.
ووسط حالة الرفض التي أشعر بها لمثل تلك الأمور الصبيانية وتعامل بعض الإعلاميين مع الحدث بكثير من السطحية بتطرقهم لثوابت وتاريخ الشعب الجزائري، ومعايرته بكلام ساذج عن تعليم شعبه أو التضحية من أجل الثورة الجزائرية أو الحديث عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد وبث لقطات من الفيلم الذي تناول قصتها، وسط كل ذلك منحتني الأقدار الفرصة للتاكد من صدق رؤيتي عبر مقابلة جمعتني بالصدفة مع عدد من الزملاء الصحفيين في الجزائر ينتمون لأشهر الصحف هناك وأكثرها إنتشاراً على شاكلة "الهداف" و"الشروق"، وذلك على الرغم من أن تلك الأخيرة تعد من الصحف "المغضوب عليها" في الوسط الكروي المصري.
فعلى هامش تواجدي في أسوان لمتابعة معسكر المنتخب المصري هناك استعداداً للجزائر وتغطية اللقاء الودي الذي خاضه أمام تنزانيا، التقيت بصديقي شعيب من صحيفة "الهداف" والياس من "الشروق"، اللذين كانا يؤديان نفس المهمة ويتابعان كل صغيرة وكبيرة عن "الفراعنة" هناك.
وكانت البداية "مضحكة" للغاية عندما استرجعنا في بداية جلستنا بعد تعارف قصير أزمة "السيفون" الشهيرة، والتي بدأت من أحد المنتديات المصرية ونقلتها الصحف في بلادنا، ثم نقلتها صحيفة جزائرية واحدة فقط ليست ضمن الصحف المنتشرة هناك.
وعندما بدأنا نتحدث عن الأزمة والتصريحات التي نسبت للرئيس الفرنسي ساركوزي عن عدم رغبته في تأهل الجزائر للنهائيات بسبب أعمال الشغب التي يقوم بها مواطنيها في فرنسا عقب كل انتصار، وجدت صحافتنا وقد وقعت بنقل الخبر في خطأ كبير لم استطع الدفاع عنه، في الوقت الذي تعاملوا هم فيه مع الأزمة ببساطة شديدة، مؤكدين أن من نقل الخبر لا يرغب سوى في الفتنة ولا يراعي شرف مهنته، وبالتالي لا يستحق أن يتحدث أحد عنه، فتحصلوا على أول نقطة حسبت لصالحهم في ناقشنا المتزن والهاديء عن المنافسة بين منتخبينا.
وأثناء جولتنا التي قضيناها سيراً على الأقدام لاحظ الصحفيون الجزائريون اكتساء مدينة أسوان بألوان العلم المصري وتابعوا نظرات القلق والحيرة وشعور التوتر المسيطر على الجميع مع اقتراب موعد اللقاء، فتوقعت منهم تعليقاً على ذلك ولكنني لم أعلن ذلك واحتفظت به في نفسي، حتى صدقت توقعاتي ووجدت تعليقاً يخرج من أحدهم قال خلاله "كم أقدر تلك الأحسايس والمشاعر والنظرات المليئة بالأمل، والتي طالما رأيتها في أعين الجزائريين في بلادي .. وصدقوني فانني أتمنى تأهل منتخب بلادي وفي حال فازت مصر وتأهلت فانها تستحق ذلك، وفي النهاية كلنا فائز"، فحصلوا على نقطة إضافية أسعدني بشدة أن أخسرها.
وبعد أن شعرنا بالجوع الشديد ذهبنا لتناول الطعام، وأكلنا من نفس الطبق ونحن في ذروة نقاشنا الذي وصل بنا للحديث عن العلاقات التاريخية بين البلدين، وعن مدى حبهم للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كما وجدتهم يتحدثون عن المسلسلات المصرية وأندهشت عندما رأيتهم يعرفون الجديد منها أكثر مني، وانبهرت بحبهم الشديد ل "الزعيم" عادل إمام ويتذكرون قفشاته وعباراته ويقلدون حركاته بشكل طريف للغاية، جعلني أشعر إنني بين اصدقائي المصريين وليس زملاء من بلد عربي شقيق.
ووسط حديثنا الشيق التقت أفكارنا من جديد عندما سخرنا من الحديث المتكرر للمسئولين والإعلاميين في البلدين عن اللقاء الفاصل الذي يعد إحتمالا من ضمن عدة إحتمالات كثيرة قد تنتهي إليها نتيجة اللقاء القادم في القاهرة، وعلى الرغم من ذلك تعامل معه البعض على إنه الأقرب للحدوث، واختلف الجميع في تحديد الدولة التي ستستضيفه في موقف جديد يوضح قصور شديد لدى بعض الإعلاميين ومبالغتهم في التعامل مع بعض الاحداث هنا أو هناك.
ولم أفوت بدوري الفرصة من دون أن أسأل عن اشياء تشغل المصريين كثيراً عند رؤيتهم للقاءات الجزائر أو التدريبات بين أنديتها، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ والشماريخ وولع الجماهير الجزائرية باستخدامها، حيث أكد أصدقائي الجدد أن جماهير بلادهم تعشق كرة القدم وتعشق أخبارها وأسرارها وإثارتها وحتى تقلبها، واستخدام تلك الاشياء ما هو إلا حالة احتفال متكررة بكل لقاء في كرة القدم تشهده البلاد.
حديثي مع أصدقائي الجدد إنتهى في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وقبل الوداع حرصت كما فعلوا هم تماماً على تبادل ارقام هواتفنا وحددنا وسائل الإتصال التي ستربط بيننا خلال الفترة القادمة، كما حصلت على دعوة لزيارة الجزائر وقضاء عدة أيام هناك وسط هذا الشعب الطيب، فيما عرضت عليهم في المقابل المساعدة في تذليل العقبات التي قد تواجههم في بلادي خلال فترة زيارتهم لمصر.
وبعد يوم طويل تيقنت من أن اللقاء الذي جمع بيني وبين اثنين من أفضل الصحفيين في الجزائر الشقيقة لم يكن سوى دليل جديد على إننا نتعامل مع أشقاء وأصحاب مهنة محترمة جمعهم تنافس رياضي وليس كما صوره إعلامنا شياطين أو أناس فرز ثاني !!،
انهم يخطئون أحياناً كما نخطيء، ويفعلون الصواب في أحيان أخرى كما نفعل نحن أيضاً، لديهم من يهوى إثارة الفتن وإشعال الأمور ولديهم الصحفي المتعقل والفاهم والمتزن كما لدينا .. أما أنا فلم أهتم للنقاط الكثيرة التي خسرتها لصالحهم طوال حوارنا العاقل لأنني اكتشفت إنني كنت الفائز الأكبر عندما اكتسبت أصدقاء جدد وعشت يوماً كاملاً مع ممثلين رائعين للشعب الجزائري الطيب.
وأكدت وجهة نظري بان قيادة الرأي العام للطريق الصحيح أمر غاية في الصعوبة يحتاج لإعلاميين وصحفيين يدركون مدى أهمية الكلمة ويحترمون شرف المهنة، في الوقت الذي لا يحتاج فيه اشعال الفتنة وإثارة الجماهير سوى لمن يجيد التصرفات الصبيانية ويدرك جيداً مفردات "الردح" الإعلامي الذي لامبرر له اطلاقا ، وما أكثرهؤلاء .