كبرى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، زينب بنت محمد بن عبد الله خاتم النبيين وأشرف المرسلين، وابنة سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد، وهي الأولى لشقيقاتها رقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن جميعا. ولدت رضي الله عنها في السنة الثلاثين من عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحبها حبا شديدا وغمرت السعادة قلبه وقلب زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، فقد كانت زينب تشبه أمها في طفولتها وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يراقبها وتحركاتها وإدراكها للعالم المحيط بها ويتأملها. زواجها المبارك كبرت الصغيرة المدللة وتقدم لخطبتها أبو العاص بن الربيع بن خالتها هالة بنت خويلد، سرت أم المؤمنين خديجة بهذا النبأ فقد كبرت صغيرتها وأصبحت سن الزواج، كما كان لأبي العاص مكانة خاصة لها تعزه وتقدره بالإضافة إلى أمانته، وعندما تقدم بأهله قال عنه رسول الله "إنه نعم السهر الكفء". وعندما سأل النبي ابنته عن أمر أبي العاص أطرقت برأسها في حياء وكان سكوتها علامة للرضا بهذا الزواج، وذاع خبر الخطبة وتم الزواج في احتفالات وسرور وأقيمت الولائم على شرف الزفاف، وعاشت في بيت زوجها هنيئة كريمة مطيعة لزوجها، حتى رزقهم الله بولدين هما علي بن أبي العاص، وأمامة بنت أبي العاص وهي التي تزوجها على بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة رضي الله عنهم أجمعين. نزول الوحي بعد نزول الوحي على خاتم المرسلين اجتمعت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ببناتها الأربعة تخبرهن بنزول الوحي على والدهم بالرسالة ودين الإسلام، فأسلمن دون تردد وشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في ذلك الوقت كان زوجها على سفر، وعندما عاد وسمع ما تقوله قريش أخبر زينب بما سمعه، لكنها وقفت وأخبرته بإسلامها وعن أمر الوحي ودعته للإسلام. "أو قد فعلت يا زينب".. "ما كنت لأكذب أبي وإنه لكما عرفت هو الصادق الأمين" هكذا أكدت السيدة زينب رضي الله عنها لزوجها إسلامها ودارت نقاشات بينهم لعدة أيام فقال لها ذات مرة "والله ما أبوك عندي بمتهم وليس أحب إلي من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد ولكني أكره لك أن يقال إن زوجك خذل قومه وكفر بآبائه إرضاء لامرأته". التحول المرير بعد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وهجرة النبي وأخوات زينب ضاقت بها مكة وما زاد عليها عدم هداية زوجها للإسلام وتحولت حياتها إلى جحيم وكانت تتضرع إلى الله، وعندما نشبت معركة بدر بين المسلمين والكفار شارك زوجها لمحاربة المسلمين فوقع أسيرا، فقامت هي بالافتداء له ليفك أسره وبعدها طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أبي العاص أن يخلي سبيل زوجته إليه ويجعلها تلحق بأبيها إلى المدينة، وعندما عاد أمرها باللحاق بأبيها في المدينة. وهي تودع زوجها، تمنت أن يمن الله عليه بالإسلام، لكن خلال سفرها أرهبها هبار بن الأسود ومعه آخر من قريش برمحه، ووقعت على إثره من فوق بعيرها على صخرة وأسقطت جنينها فعاد بها كنانة بن الربيع إلى بيتها في مكة لترتاح قليلا، وعندما علم الرسول بذلك غضب وأمر بإحراقهم، وهاجرت بعدها بأيام إلى أبيها في المدينة وعاشت السيدة زينب مع طفليها في رعاية والدهما حتى العام السابع من الهجرة. استجابة الدعاء بعد ست سنوات من سفرها وعيشتها في كنف أبيها انشرح صدر زوجها للإسلام وهاجرا إلى المدينة وأعلن شهادته أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفرحت زينب بذلك قائلة "مرحبا بابن الخالة، مرحبا بك أبا على وأمامة"، واجتمع شملهما مرة أخرى بعد فراق طويل. ولكن بعد عام واحد افترقا مرة أخرى بوفاة زينب رضي الله عنها، حيث أسلمت روحها للباري في السنة الثامنة من الهجرة، وتركت أثرا موجعا في نفس زوجها وأبيها الذي أمر بتغسيلها فقال للنسوة "اغسلنها وترا، ثلاثا أو خمسا واجعلن في الآخرة كافورا"، وتم تجهيز جثمانها كما أمر النبي فصلى عليها وشيعت إلى مثواها الأخير.