على الرغم من اعتراف الرئيس الأمريكي باراك أوباما فى بداية خطابه المنتظر بأن التغيير لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها, وأن خطاب واحد لا يمكن أن ُيزيل سنوات من انعدام الثقة, فإن خطابه الذى ألقاه من جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي يعتبر مسودة لخطة الإدارة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط, والتى من المفترض أن تتصدرها القضية الفلسطينية .
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي بأن "الحل الوحيد فى الشرق الأوسط هو تحقيق دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنبا إلى جنب فى سلام وأمان ", إلا أنه "وقع " خلال خطابه للعالم الإسلامي فى عدة أخطاء, أوضحت أن سياسة الإدارة الأمريكية لن تتغير كثيراً تجاه الصراع العربى الإسرائيلي, لأن الرئيس الأمريكي يدرك بأن علاقة أمريكا بإسرائيل علاقة "متينة", مستندة إلى "علاقات تاريخية وثقافية", فقد أعترف خلال مؤتمر صحفى فى القاهرة بأن أمريكا لا يمكنها أن ُتفرض حلاً, ولكنها طرف من أطراف عدة يجب أن تؤمن بالحل السلمي.
كما وقع الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى خطأ عندما صنّف الصراع العربى الإسرائيلى أو ما أسماه "بالموقف بين الإسرائيلين والفلسطينيين والعالم العربى " بالمصدر الأساسي الثاني للتوتر الحادث بين المسلمين وأمريكا, بعد المصدر الأول الذى وصفه " بالتطرف العنيف بكل أشكاله".
فالرئيس الأمريكى باراك أوباما لم يدرك بأن السبب الرئيسى للتوتر القائم بين العرب والمسلمين من جهة، والغرب وأمريكا من جهه أخرى ناتج عن الانحياز الصارخ من أمريكا ودول غربية للإسرائيليين في الصراع,وأنهم مصرون علي دعم الكيان المحتل بكل ما يديم هذا الاحتلال وما يمارسه بشكل منتظم من مذابح ضد الفلسطينيين والتهام المزيد من الأرض الفلسطينية والذي يتم بشكل شبه يومي وأن التطرف ناتج عن هذا الانحياز ليس غير ذلك .
ومع ذلك فقد استمر باراك أوباما فى زيادة العداء للأمريكيين عندما أعلن عن أن ارتباط أمريكا بإسرائيل معروف, ولا يمكن تحطيمة اوكسره, لأنه وبحسب رأيه مستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية عميقة.
كما أن دعوته للحركة الإسلامية "حماس", إلى إنهاء ما وصفه ب"العنف", دون الإشارة من قريب أو بعيد للمجازر الإسرائيلية التى ُارتكبت بحق الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من ستين عاماً, والتى كان آخرها مجزرة غزة يعكس الفهم المقلوب للقضية وغاب عنه ان القانون الدولي يعطي لمن احتلت ارضه حق المقاومة بشتي الوسائل فكيف يسمي المقاومة المشروعة عنفا ؟؟.
وعلي الرغم من أنه "وفى نفس الخطاب" وصف ما يتعرض له الأبرياء فى البوسنة, ودارفور, بأنه وصمة فى ضمير البشرية, وتذكيره بالمجازر التي تعرض لها اليهود فى أوروبا منذ عشرات السنين, ومنها بالطبع محرقة "الهولوكست", فإنه لم يصف ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين من مجازر بانها هولوكست وكأن الرئيس أوباما يحاول اقناعنا بأن الصراع العربى الإسرائيلي سببه هجمات حماس على الشعب الإسرائيلي الأعزل واحتلال الفلسطينيين للأراضي الإسرائيلية وحصارهم لحد التجويع للاسرائيلين !!
وبالطبع فإن عدم ذكر المجازر الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني جاء ليطمئن على الأقل اللوبى اليهودى فى أمريكا, خاصة أتباعه فى مجلس الشيوخ, الذين شددوا فى رسالة للرئيس باراك أوباما, بأنه يجب ألا ينسي عند التطرق إلى أزمة الصراع العربى الإسرائيلي, بأن أمن اسرائيل من أمن أمريكا وانهما لا ينفصلاًن !!
وخلال خطابه تطرق الرئيس الأمريكى إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تعتبر استمرار بناء المستوطنات فى "الأراضى الفلسطينية " امرا شرعياً, دون ذكر أن هذه المستوطنات هى فى الأساس غير شرعية وتقوض استمرار عملية السلام بين الطرفين, لأن استمرار بناء المستوطنات نتج عنه أكبر العقبات فى المفاوضات بين الإسرائيلين والفلسطينيين, ألا وهى قضية حق اللاجئين فى استرداد أراضيهم التى اغتصبها اليهود .
الخطير في تداعيات خطاب أوباما الأخير، أنه سيزيد من الخلافات البينية بين الأطراف العربية, على الجانب الفلسطيني بصفة خاصة , والعربى بصفة عامة, فمن المتوقع أن يتخذ الخلاف الفلسطيني الفلسطيني " بين حماس وفتح", منحى أكثر حدة وتوترا, قد تصل إلى حد الاقتتال, ونشوب حرباً أهلية فلسطينية, مما يؤثر على اجتماعات المصالحة الوطنية التى تستضيفها القاهرة.
وهو ما بدأت بوادره تظهر بالفعل، فقد ظهر اختلاف عميق حول رؤية الأطراف الفلسطينية لخطاب الرئيس الأمريكي, فمن جانبها قالت حركة حماس أن خطاب الرئيس الأمريكي به كثير من التناقضات على الرغم من أنه يحمل تغييرا ملموساً فى حديثه, ولكنها رأت أن الخطاب دغدغة للعواطف وملىء بالمجاملات, وأن الخطاب معنياً فى الأساس لتجميل وجه أمريكا أمام العالم ليس إلا.
أما الطرف الفلسطينى الآخر, وهو السلطة الفلسطينية "فتح", فقد رحبت بالخطاب، واعتبرته "بداية جيدة".وإشارة لبدء حملة تصفية ضد أعضاء حماس في الضفة باعتبار حماس تمارس العنف غير المبرر تجاه إسرائيل .وأنها عقبة في طريق السلام .
وقد جاءت "تداعيات الخطاب الأوبامى", والذى وصف فيه "ضمنياً " حركة حماس بأنها عقبة فى طريق السلام, سريعة للغاية فقد حدثت بالفعل قبل قدوم الرئيس الامريكي إلى القاهرة, والقاءه الخطاب, مواجهات مسلحة بين حركتى فتح وحماس, مما قد يدخل الطرفان فى اقتتال يؤدى إلى حرباً أهلية فلسطينية.
كما أن الإعلان "الضمني" للرئيس الأمريكي بأن "حماس" هى سبب رئيسى فى استمرار الصراع العربى الاسرائيلى, وعقبة فى طريق السلام, بعدم اعترافها بإسرائيل, فضلاً عن أعمال "العنف" التى تقوم بها تجاه الإسرائيليين، سيزيد ذلك من اتساع الفجوة بين ما يطلق عليها دول الاعتدال, التى تدعم حركة فتح , وتطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل, ودول الممانعة, والتي تؤيد حركة حماس فى استمرار المقاومة حتى النصر، مما سيزيد من حده الخلافات العربية البينية .
بل لا نبالغ إذا قلنا أنه سيزيد من الخلافات بين دول الاعتدال العربي من جهة, وإيران من جهة أخرى, على اعتبار أن الأخيرة الممول الأول لحركة حماس تجاه الاحتلال الإسرائيلي باعتراف الحمساويين أنفسهم.
كما أن مطالبة الرئيس الأمريكى الدول العربية باعتبار مبادرة السلام العربية بداية مهمة, ولكنها ليست نهاية مسؤلياتها, وألا يستخدم الصراع العربى الإسرائيلي لتحويل أنظار الأمم العربية عن المشاكل الأخرى, هذا المطلب يحمل بين طياته ضرورة أن يستمر العرب فى تقديم التنازلات, خاصة فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين, كما أن هذا المطلب يعطي مصداقية للتقارير التى أبرزت بأن هناك خطة أمريكية جديدة لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى, ومن المحتمل أن تكون هذه الخطة هى من صياغة اللوبى اليهودى فى أمريكا, يفرض من خلالها الرؤية اليهودية علي الصراع.
ورغم ماسبق, فإن خطاب أوباما وضع الإسرائيليين فى مأزق, خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات, مما زاد من حدة الخلافات بين الجانبين, فقد وصف الإسرائيليون أوباما بعد الخطاب بأنه رجل معاد للسامية, ويكره اليهود, ولا يحق له توجية إنذارات لإسرائيل, هذا الوصف جاء احتجاجاًً على تدخل أوباما فى سياسة إسرائيل الاستيطانية.التي تلتهم ما تبقي من أراضي ما يسمي بفلسطين !!