نجحنا بلم شمل مئات الشباب الضائع وسط أمواج الاستقطاب أسلوب التعليم الحالي "جريمة أمن قومي" الإعلام المصري يفتقد الضمير .. والانحلال الأخلاقي أولى الثمار تمويلنا ذاتي .. ووزير سابق نصحنا بالعمل خارج مظلة الدولة خدعوك فقالوا : نهضة الأمم يعوقها التعدد الإثني أو الديني أو الفكري نصيحتي لوزير الثقافة : لن تنجح بدون مجتمع مدني وسياسة ثقافية فعالة لتنوير العقول السياسة عطلت أبوالفتوح عن إحياء تراث الكواكبي وقبره روشتة لقراءة فعالة في شهر رمضان يقول أحد الحكماء : من تفرد بالعلم لم توحشه خلوة ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة ومن آنسه قراءة القرآن لم توحشه مفارق الإخوان ومن خلال مبادرات "نعرف لنحيا" ، "استرجل واقرأ " ، "قوة القراءة" و"ارتقاء" .. انطلقت حملة "ثقافة للحياة" لتشجيع الشباب على القراءة، ويذكرنا باسم الجنوبي مؤسس الحملة بأن أول كلمة وجهها الله لأمتنا في كتابه العزيز كانت "اقرأ" كما يسترشد بمنهج العلامة الكواكبي الذي رأى أن المعرفة بوجه عام هي سلاح الشعوب لانتزاع كرامتها وحريتها من ربقة أي مستبد ، ووسيلة وحيدة للنهوض من التخلف الذي يملأ علينا حياتنا بالعالم الثالث. وفي حوار ل"محيط" يتحدث الباحث والإعلامي عن حملته التي نشأت في ختام عام 2010 بقوله : منذ أن كنت أدرس بكلية التربية، وأنا أحتك بالطلاب من مختلف التوجهات، خاصة بحكم كوني أمينا للجنة الثقافية باتحاد طلاب مصر آنذاك، وقد كان يؤلمني أن أجد شريحة واسعة بين الطلاب لا يكتسبون معرفة حقيقية من خلال المناهج التعليمية التلقينية، وهذا حال تعليمنا الأساسي والجامعي، والنتيجة حملة شهادات عليا ولكنهم جهلة في الحقيقة، لا يقرأون ولا يحبون الكتاب، وربما لذلك اعتبرت أن طريقة التعليم الحالية هي جريمة أمن قومي . وتكتمل المنظومة لو نظرنا للإعلام التغييبي الذي يشبه مقولة جوبلز الشهيرة : "اعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي"؛ فقد عمق الإعلام من حالة الاستقطاب الحادة والانحلال الخلقي لدى قطاع واسع من المصريين. . لذا فقد صار وجود حملات متخصصة في التوعية بأهمية القراءة كفعل حياتي قادر على تغيير حياتنا، ضرورة حتمية . سألناه عن أعضاء الحملة وأدوارهم التطوعية ؟ وأجاب : هناك مئات المتطوعين بالحملة حتى الآن من مصر وفلسطين والجزائر وألمانيا وأمريكا وغيرها من البلاد، وهؤلاء يعرفون بنشاطاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي دشنا صفحة عليها باسم الحملة، أو من خلال التواصل الشخصي للمتطوعين الأساسيين مع أصدقائهم. ويتأكد دور المتطوع بالحملة من قدرته على تشجيع الشباب على القراءة، بدون فرض اتجاهات بعينها، وربما تلك من أهم ميزات الحملة التي تجمع الشباب على اختلاف رؤاهم السياسية وتذيب حالة الاستقطاب بينهم ، من خلال حالة التعاون التي تنشأ بينهم والعمل بروح الفريق لجذب المجتمع للقراءة. وأذكر أن الحملة أقامت عشرات المبادرات التي أفيد منها نحو 20 ألف شاب بصورة مباشرة عبر المحاضرات أو المسابقات أو عبر الإنترنت. وما هي المهارات التي يكتسبها المستفيدون من الحملة ؟ مهارات اختيار الكتاب، وسرعة القراءة، وفعاليتها، والقدرة على مناقشة مضامين الكتب التي نقرأها ونشر الوعي في المجتمع المحيط خاصة وأن نسبة الأمية ببلادنا تخطت ال35% وهذه كارثة بحد ذاتها . وهناك مهارات أخرى تتعلق بممارسة العمل التطوعي بشكل عام . دعنا نتحدث بصراحة : لماذا اخترتم الاستقلال مؤقتا عن مظلة الدولة، وماذا عن مصادر تمويل نشاطكم؟ - لقد نصحنا أحد المثقفين والوزراء البارزين بألا نخضع حاليا لأي مظلة رسمية، فلازالت الدولة تعمل بنفس الأسلوب القديم المتبع مع منظمات المجتمع المدني، وتضيق الخناق حول أنشطتها لتضمن أنها لن تخرج عن السياق الذي ترسمه السلطة منفردة، وهذا على الرغم من تغير الدستور والقوانين بالتالي التي تتيح حرية إطلاق التجمعات المدنية بمجرد الإخطار وحرية ممارستها لأنشطتها في العلن بدون قيود وشروط مسبقة أو تهديدات بسحب التراخيص وهي الأسباب التي جعلت المجتمع المدني في مصر مجرد هياكل هشة لا جدوى منها ، خاصة مع عزوف الناس عنها . وقد اخترنا منذ اليوم الأول أن يكون تمويلنا ذاتي، بعيدا عن أي تبرعات أجنبية أو محلية، وإن كنا نسعى حاليا لكسب ثقة عدد من الرعاة للنشاط الثقافي . إذا توقفنا عند مبادرة "ارتقاء" .. هل نجحتم في لم شمل المتطوعين المختلفين أيديولوجيا وسياسيا حقا ؟ نعم إلى درجة كبيرة جدا، لأن الهدف كان واضحا هو القراءة بدون تحيزات مسبقة، وبالفعل أصبحت الثقة أكبر بين هؤلاء الشباب ويصعب أن يصدق أحدهم شائعة تتعلق برفاقه لأنه صار يعلمهم عن قرب، وأتساءل : لماذا لا نفعل ذلك ونحن لدينا قرآن عظيم جاء في محكم آياته "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" وفي سورة أخرى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" . كما أن لدينا ميراثا من تجارب الأمم التي نجحت في النهوض برغم احتوائها على تقسيمات اثنية وأيديولوجية أعمق كثيرا من تلك التي نشاهدها على الساحة المصرية ومنها ماليزيا وإندونيسيا . لننتقل لوزارة الثقافة ، كيف تتعامل مع المبادرات الثقافية بحكم تجربتك ؟ لا نجد حتى الآن من يمد يد العون للمجتمع المدني بشكل عام، ومبادرات الثقافة بشكل أخص، بالرغم من أن مطالبنا بسيطة للغاية، منها توفير أماكن للنشاطات بمحافظات مصر المختلفة ولدينا قصور الثقافة يمكن استغلالها في توعية المصريين بطريقة فعالة، بعيدا عن الأنشطة التي يعزف عنها الجمهور ولا يحضرها سوى المتحدثين وذويهم . من واجب وزارة الثقافة البحث عن نشطاء المجتمع المدني ودعمهم لسد باب الشر المفترض في الدعم الأجنبي. وهناك أفكار كثيرة منها مبادرة لتجميع ألف فكرة للنهوض ولا تجد دعما من الدولة. ووزارة الثقافة بشكل عام تحتاج للخروج للشارع ، والاحتكاك بالناس في الشوارع، فالثقافة لا يستقيم أمرها في الغرف المغلقة ، بل من واجب أي وزير ثقافة أن يجعل المسرح واللوحة والكتاب مشهدا معتادا لرجل الشارع العادي. من جهة أخرى أنصح وزير الثقافة بوضع خريطة واضحة للسياسة الثقافية، فنعرف ماذا تنشر الهيئة العامة للكتاب، ولمن، ونعرف كيف نوصل الثقافة للقرى والنجوع والمناطق النائية المنتشرة بربوع مصر عبر قصور الثقافة، وفكرة المكتبة المتنقلة التي ينبغي أن تعود، وتشجيع القراءة عند ذوي الاحتياجات الخاصة وهم بالملايين، والتشبيك مع الوزارات المعنية بالعقل بشكل عام، كوزارات الأوقاف والتعليم بشقيه والشباب والرياضة وأجهزة الإعلام ، لأن ما تبنيه المدرسة في عام يمكن أن يهدمه فيلم في ساعة واحدة. ما هي قراءاتك هذا العام في رمضان ، ونصيحتك للقراء في هذا الشهر؟ بالطبع البدء والمنتهى مع كتاب الله ، ثم بعض التفسيرات ، وكتب السيرة النبوية، فأنصح كل عام بمراجعة سيرة جديدة للنبي وصحابته رضي الله عنهم جميعا، ثم كتب فقه السنة الميسرة . أما القراءات الثقافية فكنت قد نويت القراءة لأحمد العمري وخالد أبوشادي ومجدي الهلالي ، إضافة لكتب علي عزت بيجوفيتش ومصطفى محمود . قلت أن زواجك من باحثة فلسطينية كان "مع سبق النية" كيف ؟ كنت في فلسطين أقوم بالتدريب على مهارات القراءة، وأعجبت إعجابا شديدا بهذا المجتمع المحافظ، والذي يشبه نشأتي وتكويني بالقرية المصرية، فأنت في السوق لا تسمع لفظا خادشا ولا تسمع إلا نادرا عن التعرض بأذى لامرأة، ومن هنا أحببت أن تكون زوجتي من هذا المجتمع ، وبالطبع المصريين أهل خير لكني لا أخفي قلقي على المجتمع من تفشي بعض مظاهر الانحلال الأخلاقي. وقد من الله علي إذ أكرمني بزوجة باحثة صحفية فلسطينية لديها وعي بالحياة وبالقضية العربية بشكل عام، وإحدى المتخصصات القلائل في شئون اللاجئين الفلسطينيين. هل تعدد لنا خمسة من الكتاب تأثرت بأعمالهم ؟ الكواكبي، محمد سليم العوا ، عبدالوهاب المسيري، طارق البشري وفهمي هويدي احتفلتم مؤخرا بذكرى العلامة الكواكبي الذي تعتبره الأب الروحي للحملة .. ما الرسالة التي طرحتموها ؟ أردن تأكيد فكرة "ثورة الوعي" التي نادى بها الكواكبي صاحب رائعة "طبائع الاستبداد" حيث ذكرنا أن الإطاحة بالأنظمة السياسية لا تُجدي نفعاً إلا إذا توازت مع الإطاحة بأنظمة الجهل واللاوعي والإنحطاط ، وقد دفع الكواكبي ثمن مطالبته لحرية الشعوب باهظا ؛ إذ تم ترحيله لبلاد شتى واستقر بمصر ثم قتل غدرا وصودرت كتاباته، وكانت كتاباته تحارب الظلم والاستبداد بوعي سابق لعصره، ووصل الظلم لأن نهب قبره ثم ترتضي الدولة المصرية أن يتحول لمقهى شعبي ! وقد قام الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح بلقاء حفيدة الكواكبي بمصر ، حين كان أمينا لاتحاد الأطباء العرب، وبالفعل تفاعل مع مطلبها بناء مؤسسة ثقافية باسم الكواكبي لحفظ تراثه الهام، ولكن التنفيذ الفعلي للمشروع توقف بسبب الأحداث السياسية . أخيرا .. روشتة لقرائك عن القراءة الفعالة وكيفية اختيار الكتاب الملائم . مسألة القراءة الفعالة تعتمد على تنمية مهارتك في القراءة السريعة غير المملة أو النمطية، والقراءة بإمعان يجعلك تستقبل المعاني بقلبك ، كما يقول البرتو مانويل، اختر كتابا في مجال محبب لنفسك قدر استطاعتك وقد قال جلبرت كيث " هناك فرق عظيم بين شخص متشوق يريد أن يقرأ كتاباً ، وشخص متعب يريد كتاباً ليقراه"، ويجب عليك أن تتدرج في اختيار الكتاب من البسيط للعميق بحسب درجتك في المعرفة، لأن متعة إنجاز القراءة تكون حافزا لمواصلة المزيد من القراءات، والعكس صحيح. علينا أن نجمع استشارات مستمرة من أصدقائنا عن أفضل الكتب ، وفي حالة اقتناء كتاب يجب قراءة افتتاحيته بتمعن وكذلك الفهرست وبعض الفقرات المنتقاة عشوائيا من صفحاته للتأكد من احتفاظ الكتاب بالأسلوب الجذاب، لأن الكتاب لا يظهر دائما من عنوانه ، فالعناوين في الغالب تكون مخادعة ، وهذا الأمر مفيد للوصول للمراجع الرئيسية التي تكون قراءتها مفيدة غالبا. وأذكر الأصدقاء بأن "أمة تقرأ..أمة تُقدّر ماضيها و تحسن إستثمار حاضرها وتعرف طريقها للمستقبل" .. أتمنى أن يأتى اليوم الذى يتنافس فيه الشباب على تذاكر معارض الكتب والمكتبات والندوات الثقافية مثلما يتنافسون على دور السينما والمسارح ومشاهدة المباريات..