متحف لحذاء هوجو .. وزهور شكسبير .. وقمامة وشيشة فوق قبر الكواكبي! الكواكبي : الثورة بدون بديل مزيفة .. والفقهاء أكثر من عاون الظالمين تحذير : قد تتحول العبودية لاختيار عند الشعوب !! المستبد يشجع حفظة المتون ويحارب المتنورين ويتخذ المنافقين "سماسرة" خشية الطاغية من شعبه أشد من خشيتهم له مدير مركز الرشد لمحيط : نشيد الحرية يبدأ بالوعي الذي يجمع ولا يفرق باسم الجنوبي : ثورة معرفية قريبة .. والتحرش نتاج طبيعي للتجهيل العام "المستبد يجرب أحيانا في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضا اغترارا منه بأنه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشكل الذي يريد، فيكونوا له أعوانا خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثم هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو يُنكل بهم، ولهذا لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله" ويعد العلامة السوري عبدالرحمن الكواكبي، قائل هذه العبارة في رائعته الخالدة "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" هو الأب الروحي لحملة "ثقافة للحياة" والذي ترسم من نبعه طريقها، وقد أقامت أمس حفلا لتدبر أفكاره الثورية بذكرى رحيله ال112، وللمرة الأولى في مصر، بمشاركة عدد من القراء والكتاب، فيما غابت حفيدة الراحل لحادث طارئ تعرضت له . وكشف مؤسس الحملة، الباحث باسم الجنوبي، عن الحالة المزرية التي يتعرض لها قبر الكواكبي بمنطقة باب الوزير بالمقطم؛ حيث يتوسطه مقهى شعبي، ويتجول الزبائن حول المقبرة بل ويلقون فضلاتهم فوقها ما أدى لتعفن بجوانب من الجدار. وتم التطرق خلال الأمسية لجهود بذلت مؤخرا لإنقاذ المقبرة كمحاولة ترميمها من قبل وزير الثقافة السابق والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح؛ حيث أقيم نصب تذكاري وأعلن عن مركز ثقافي سيدشن قريبا إلى جواره، وتم تجهيز كل شيء لكن العمل توقف بعد التقلبات السياسية التي عصفت بالحياة في مصر بعد 30 يونيو. وقارن "الجنوبي" هذا الحال، بحالة مقبرة شكسبير في بريطانيا، وهي المحاطة بأنواع الزهور التي كان يوردها بأعماله المسرحية، أو حالة متحف "حذاء" فيكتور هوجو بفرنسا، والذي عين عليه حارس يتكلم بلغات عدة ، يشرح بها للجمهور كيف صاحب الحذاء قدم المبدع العالمي الراحل!! معروف أن الكواكبي مات بسم تجرعه في قهوته في القاهرة، عام 1902، مخلفا عدد من العلامات المضيئة في سماء الفكر العربي النهضوي وخاصة عمليه "طبائع الاستبداد" وروايته "أم القرى" . وهو من مواليد سوريا 1855 لعائلة معروفة بالعلم والفقه ، لقب بأبي الضعفاء حيث كان يدافع عن المظلومين مجانا في حلب ، وهي الولاية التي قام عليها فترة من الزمن، كما عرف الكواكبي كمناضل رافض للاستبداد ، واكتسبت أفكاره أهمية وصيتا بعد أن أذاعها في صحيفتي "الشهباء" و"الاعتدال" اللتان أسسهما، ولكنهما تعرضتا للإغلاق من قبل السلطان عبدالحميد والذي ظل يضيق عليه بالسجن والأحكام بالإعدام وصار يتبع من يلاحقه في كل بلد يرتحل إليه في الهند والصين وسواحل إفريقيا ومصر. وفي الحفل الذي استضافته مكتبة "البلد" بوسط القاهرة ، توسطت حكمة الكواكبي الخالدة " يقل الاستبداد كلما زادت الشعوب معرفة" وهو ما أكده المفكر العالمي جورج أورويل "لن يثوروا حتى يعوا" . وبشر باسم الجنوبي بثورة معرفية قادمة ، فهناك فرق تنوير بالمغرب العربي والشام وحتى الخليج رغم التضييقات. واستطرد : ظواهر التحرش التي نعاني منها في شوارع مصر نتاج طبيعي لعملية التجهيل الممنهجة بوسائل الإعلام والتعليم . طبائع الاستبداد المستبد يخشى الكلمة والكتاب، كما ينقل الدكتور حسان عبدالله مدير مركز "رشد" للدراسات التنموية، عن العلامة الكواكبي، والذي تم تجاهله عن عمد بين مئات الأسماء النابغة التي سطرت مباديء النهضة الحديثة، ومنهم الإمام محمد عبده والأفغاني ومالك بن نبي وإسماعيل الفاروقي، على الرغم من أن الغرب يستدعي أفكار الرواد من أجل النهضة، وسبق كل ذلك أمر إلهي في القرآن الكريم "اقرأ" ليكون منهاج لعمل هذه الأمة، فهي بلا وعي تفنى حتما. ومن الأعمال الهامة للكواكبي، يذكر الدكتور حسان : "ما أصابنا وكيف السلامة" ،"أحسن ما كان في أحوال العمران" ،"صحائف قريش" ،"العظمة لله" ومذكراته التي خطها ليلة وفاته ولم يعثر عليها. لقد اختار الكواكبي أن يناضل بالكلمة في أهم وسيلة إعلامية وهي "الصحف" ، ولم يكتف بالكتب فحسب، فقد كتب في "المؤيد" و"العمران" و"القاهرة" إلى جانب صحفيتين أسسهما، ويعد السفر الذي تركه "طبائع الاستبداد " هو الثاني في هذا المجال بعد كتاب دي لابوسيه "العبودية المختارة" ويركز فيهما على طبائع المستبد والشعب المستبد به والنخبة التي تعين الحاكم على الاستبداد، ويطبق ذلك على الحالة الإسلامية . والكواكبي اتهموه بأنه علماني متطرف، يجعل الفقهاء أعوانا للمستبد، لكنه لم يكن كذلك ،بل كان فقيها قلبه عامر بالإيمان، وقد شخص حال الأمة بصدق، فكثير من الفقهاء يعملون لحساب السلاطين منذ صدر العصر الإسلامي، وهم الذين شاهدناهم يحرمون الثورة على الطاغية ويفتون بحرمة الخروج عليه حتى لو جلد ظهورهم، ورأينا فتاوى شاذة أخرى – والحديث للدكتور أحمد عبدالله الاستشاري النفسي- تقول بأن يترك الرجل زوجته لمن يغتصبها ! وفي النقطة ذاتها تحدث الدكتور حسان عن أن الكواكبي تطرق للحالة الدينية ككل، وليست الإسلامية فقط، فقد كانت الكنيسة مسيطرة على مجريات الحياة في أوروبا بالعصور الوسطى، وكان الاضطهاد يجري على أشده للمعارضين في الرأي، مهما كانت عدالة آرائهم، وبشاعة ما تقوم به السلطات من تمييز ، وجرى ذلك في عصور الحكم الإسلامي أيضا بلا شك، خاصة أننا لو نظرنا للخلافة العثمانية في نهايتها سنجدها دولة متهاوية تماما. ولأن المستبد يعلم أن حمق رعيته هو السبيل لاستقرار ملكه، فإنه يحب فقط تلك العلوم التي تعين على الاستبداد، فلو جلست بالمسجد وحفظت المتون والشروح لن يضير ذلك المستبد شيئا، ولكن العلوم التي تحض على خلافة البشر في الأرض وتعرفه مسئوليته التي عليه القيام بها فلا يجب برأيه أن تدوم وتنتشر. والنتيجة تطبيقا على مصر أن 45% من شعبنا أمي، ناهيك عن الأمية الاجتماعية والثقافية. وخلال اللقاء تم التطرق لمفهوم "العوام" عن الكواكبي كقوة كبيرة لو تم توعيتها، فهم مناط التغيير، حتى الأنبياء لا يملكون سوى البلاغ لكن الناس عليها الفعل، لكن الحقيقة أن "خوف المستبد من بطش رعيته أكثر من خوفهم من بأسه" ، فخوفه ناشئ عن حقيقة وخوفهم ناتج عن توهم وجهل بقوته الواهية، وهو يخاف على حياته وسلطانه وخوفهم على لقيمات وحياة تعيسة فقط . ويتحدث الكواكبي عن المثقفين الخائنين لأوطانهم ، وهم حالة "المتفكر المتعهد" عند علي شريعتي، وحالة المتزلف عند مالك بن نبي، والمتمجد أداة لخداع العامة وقلب الحقائق والتبرير لأفعال المستبد وتكريس تغييب الوعي، والمتمجدون أداة للمداراة على ظلم المستبد ولذلك فهم أعداء العدل وأنصار للجور والظلم لا دين ولا رحمة ولا شرف لهؤلاء، المثقفين الخائنين لأوطانهم، ولذلك يسعى الطاغية للإكثار منهم ليتمكن بواسطتهم من التغرير بالأمة، وهو يتخذهم بتعبير الكواكبي "سماسرة" لتغيير الأمة باسم الدين أو حب الوطن أو تحصيل منافع عامة. ويستدعي الدكتور حسان الحالة التي رسمها الكواكبي في "طبائعه" حين يرى أن الأمة بالتدريج تعتاد الاستبداد حتى أنك لو ألزمتها بالحرية تشقى وربما تفنى كالبهائم الأهلية، وعندئذ يكون الاستبداد كالعلق الذي يمتص دم الأمة . لكن الكواكبي يطرح طريقا لرفع حالة الاستبداد والطغيان ويقول : نوال الحرية ورفع الاستبداد له متطلبات : يجب أن تشعر الأمة كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد ، والمعرفة والوعي طريق ليشعر الجميع بهذه الآلام، ويجب أن توجد خطة معرفية واضحة تحل محل مشروع الاستبداد، وهي خطة يعرفها المجتمع ليصير الجميع عازفين لنشيد الحرية. وردا على تساؤل "محيط" حول الفئة المنوط بها وضع خارطة الطريق ، قال د. حسان أن الكواكبي اقترح تكوين جمعية معرفية وهي على قلتها لها تأثير كبير، وهي جمعية تنبذ الخلافات الأيديولوجية من أجل نبذ الاستبداد . ويتطرق الكواكبي في كتابه الهام لحالة الاستبداد التي تبدل القيم، فترى الحمية حماقة والصلاح تشددا وهكذا، كما يتطرق إلى أن الله حين أمر عباده بأن يغيروا من أنفسهم ،قصد بذلك النفس الجماعية للأمة، وهنا يشير "باسم الجنوبي" إلى أن التغيير يبدأ بالفرد ولكنه ينبغي أن يمر بالمجموع كي يكون مؤثرا، مشيرا إلى أهمية وجود جمعيات مدنية للتنوير لا تعاني تضييق السلطة وتقوم بنشر الأفكار الإصلاحية المستمدة من قيم المجتمع الحقيقية . الكواكبي لفت إلى سقطة خطيرة ترتكبها الشعوب الثائرة حين تسعى لاجتثاث السلطة الباغية ولا تحدث البديل، فتعد ثورة زائفة . دين ضد الدين الدكتور احمد عبدالله، استشاري الطب النفسي، تذكر لقطة من فيلم "مملكة السماء" ويعرض لتاريخ الحملات الصليبية، وتتحدث أميرة عن أن الدين المسيحي يوجه للحب والسلام لكن العرب برأيها برابرة والتوجيه الأساسي لهم هو "الطاعة والإذعان" بالرغم من أننا أمة اقرأ ، وفعل القراءة يهم الناشطين وليس الخاملين، وتحدث عن كيفية الخروج بقراءة مختلفة للدين الإسلامي تكون فيه أفكار الكواكبي علامة رئيسية كالعز بن عبدالسلام وغيره. دين لأمة واعية تقرأ، وهو يختلف عن كتاب علي شريعتي "دين ضد الدين" وكتب الصادق النيهومي "إسلام ضد الإسلام" لأنه دين يقدم وجها مختلفا عن حقيقة الدين الإسلامي. ودعا الدكتور أحمد لربط الشباب بمنافذ تفريغ طاقته الخلاقة، وأبدى دهشته من غياب التواصل البشري بقوله : كل منا يجلس مع "حديدته" أي "تليفونه أو الأي باد" ويترك أصدقاءه وأسرته، لكن الله دعانا للتلاقي والتواصل والتعارف، ويجب أن نزيل مفاهيم خاطئة بأن المسجد مكان للعبادة فقط، لأن الحقيقة أنه مكان للتجمع والتشاور بين المسلمين، وهذا ما فعله المسيحيون في عهد "لاهوت التحرير" حين اجتمعوا بكنيستهم يتبادلون الآراء في مشكلاتهم وينشرون تعاليم الكتاب المقدس بشكل مستنير . تخلل الحفل توزيع جوائز المقال بمسابقة الكواكبي، وختم مؤسس حملة "ثقافة للحياة " بأن حياة الكواكبي تعطينا دروسا هامة، كيف تصنع البدائل حين يضيق عليك، وكيف تعيش بعزة بلا ذل، وكيف تكون حياتك مصداقا لقول الشاعر : "فز بعلم تعش به أبدا فالناس موتى وأهل العلم أحياء". .. يقول الكواكبي : يا قومي أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد، فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين، وأجلكم من ألا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون، فهذه أمم أوروبا وأميركا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري... دعونا ندبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم الآخرة .. دعونا نجتمع على كلمات سواء، ألا وهي فلتحيا الأمة، فليحيا الوطن، فلنحيا طلقاء أعزاء