خيري منصور من حق أي نقيب سواء كان للفنانين أو الأطباء أو سائقي سيارات الأجرة أن يحافظ على ناخبيه، لأنهم ائتمنوه على أصواتهم، ونقيب الفنانين المصريين أشرف زكي لا يشذ عن هذه القاعدة، لو كانت مصر مجرد بلد صغير يعاني من تلبك وعسر هضم في معدته الديمغرافية وعمق ثقافته، وجاذبيته الخالدة للعرب.
ما قاله في مؤتمره الصحافي عن عدم السماح لأي فنان عربي بأن يشارك أكثر من مرة في العام ضمن الأنشطة المسرحية والسينمائية يليق بأي مكان آخر، غير مصر، فهي النداهة لا الفزاعة، وهي التي لا تخاف من ضيوفها لأن بيتها الكبير يتسع لها ولهم.
وهي قادرة على تمصير من يحل فيها.. والأمثلة لا تحصى، فهل أصاب فريد الأطرش مصر الخمسينات والستينات الذهبية بعسر هضم؟ وهل صدت قاهرة المعز عبدالرحمن الكواكبي أو رشيد رضا أو الأخوين تقلا أو جورج أبيض عندما لاذوا بها من مطاردات التتريك في بلاد الشام؟
لقد كانت القاهرة على امتداد تاريخها العريق حاضنة دافئة ورافعة ومجالاً بالغ الحيوية للعرب الذين يلوذون بها، وأحياناً لغير العرب أيضاً، فالشارع الذي يحمل اسم سليمان باشا في قلب القاهرة لا يتذكر الناس اليوم ان اسم سليمان هو لفرنسي أعلن مصريته، تماماً كما فعل ذلك اليوناني والإيطالي والتركي والشركسي، فهؤلاء حلوا ضيوفاً على مصر ثم أصبحوا من صلبها ومن عظام رقبتها، ولا أظن أن هناك من يعيد بيرم التونسي إلى تونس أو الشاعر الكبير فؤاد حداد إلى لبنان، لأن هؤلاء لبنانيون وتونسيون بقدر ما هم مصريون وعرب. والقاهرة من عواصم العالم التي توصف بأنها ذات معدة هاضمة، ودينامية ماصّة لا طاردة، فلماذا يسعى البعض إلى تضييقها وهي الأوسع من قارة وتصغيرها وهي الأعلى قامة من أهرامها ونخيلها وأبراجها؟
نعرف أن مناسبة هذا التخوف من بطالة فناني مصر هو أدوار البطولة التي قام بها فنانان سوريان في مسلسل درامي وفيلم سينمائي، لكن ما كان لأي فنان قادم إلى مصر أن يحقق حلمه إلا بأدوات من البيت الذي حلّ فيه، وما كان للأخوين تقلا أن يؤسسا “الأهرام" إلا بالقرب منها.
إن مصر التي طالما عرفت بعدم خوفها من الوافدين إليها لأنها قادرة على تمصيرهم، وصهرهم في بوتقة ثقافتها وحضارتها لن ترضى بأن يكون بابها ضيقاً أو موارباً، ولن تنام ملء جفونها إذا عاد اللائذ بها بخفيّ حنين.
إن قرناً من صناعة السينما الرائدة في مصر لن يضيره على الإطلاق تنويع أو إضافة شامية أو خليجية أو مغاربية، والعكس هو ما يحدث، وهو الاغتناء لا الاستغناء، والتناغم لا التنافر أو التدابُر.
إن من حق نقيب الفنانين في مصر أن يحرص على فرص العمل لناخبيه، لكن من حقهم عليه أيضاً أن يبقوا في نظره مصريين من أهل الكنانة وأم الدنيا.
وأرجح أن الكتاب الذي ألفه د. جلال أمين بعنوان “ما الذي حدث للمصريين؟" كان سيضيف إلى فصوله ملحقاً يتضمن المؤتمر الصحافي لنقيب الفنانين.
لأن مصر أوسع من كل هذا، وأدفأ من أن تكون فزاعة لمن دخلوا إليها من بواباتها في سلام آمنين. عن صحيفة الخليج الاماراتية 1/5/2008