نقل الأعضاء.. اعتداء قانوني على حرمة الإنسان أشرف أحمد عطية الله يشهد البرلمان المصري، في هذه الآونة، نقاشات محتدمة حول تشريع قانون جديد قديم ظل يتخبط بين أروقة الطب والتشريع والبرلمان منذ عدة سنوات دون أن يصل فقهاء القانون إلى حسم الأمر فيه. ومحور القانون الخلافي يتركز في جواز نقل الأعضاء من أحياء إلى أحياء أو من موتى إكلينيكيا إلى أحياء. وإن كان نواب الشعب قد اتفقوا على النصف الأول من القانون، وهو نقل الأعضاء من الأحياء إلى الأحياء، إلا أن الخلاف على أشده حول تمرير مادة نقل الأعضاء من الموتى إلى الأحياء، وداعي الخلاف في هذه النقطة هو الفيصل في تحديد الوفاة، وهل موت جذع المخ يعد موتا أبديا للإنسان أم انه يمكن أن يكون عارضا مؤقتا يفيق منه الإنسان لاحقا؟! بداية نعرض لأهم آراء الفقهاء وعلماء الدين حول هذه القضية: إن قضية نقل الأعضاء ليست قضية مستحدثة أو جديدة على المجتمعات الإسلامية، إذ أنها ظهرت في عصور الإسلام الأولى، وأدلى فيها الفقهاء بدلوهم، ومن هؤلاء الإمام محمد أبوالحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، والإمام الجويني إمام الحرمين على المذهب الشافعي، والإمام النووي، وقد اتفق هؤلاء على تحريم هذا الأمر، الذى أطلقوا عليه «الانتفاع»، إذ أنه يجعل الإنسان في موضع خطر ويهدد حياته، لذا فقد أفتوا بالمنع. أما علماء العصر المعارضين، فيأتي على رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله والشيخ عبدالله بن صديق الغماري والشيخ نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق والشيخ علي جمعة مفتيها الحالي. ثم صدرت آراء وفتاوى مؤيدة للنقل، ومبيحة له، ومنها ما هي فتاوى فردية ومنها ما هي فتاوى جماعية، حيث أفتى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي، والشيخ إبراهيم اليعقوبي رحمهما الله بالإباحة، كما صدرت الفتاوى الجماعية بالإباحة عن مؤتمرات ومجامع فقهية كبرى، منها المؤتمر الإسلامي الدولي بماليزيا سنة 1969، ومجمع الفقه الإسلامي بمكة سنة 1985، ومجلس هيئة كبار العلماء بالسعودية في أوائل الثمانينيات. ولا أود في مقالي هذا أن أناقش الخلاف حول قضية موت جذع المخ، وهل هو يعد موتا كاملا للإنسان أم لا، إذ أن لهذا الخلاف مختصيه من علماء الطب واساتذته، وأهل مكة أدرى بشعابها. ولكن ما أود الحديث عنه والكتابة فيه هو القضية الأساسية، نقل جزء من إنسان ووضعه في إنسان آخر، ومناقشة هذا الأمر تستدعي الإجابة عن عدة أسئلة: أولاً: من الذي أعطى للإنسان الحق في أن يتصرف في ملك لله سبحانه وتعالى؟ إن اجسادنا وأرواحنا ملك لله، والله تعالى بحكمته أعطى لكل جسد حاجته، فعلى سبيل المثال، هو يعلم أن الإنسان في حياته يحتاج كليتين، فمنحهما له، ولو كان يمكن للإنسان أن يحيا بكلى واحدة حياة طبيعية لما منحه الله اثنتين، فكيف يأتي الإنسان ليجرد إنساناً آخر من جزء من جسمه ليضعه في جسم آخر؟! ثانيا: عند إجراء عملية نقل عضو من إنسان إلى آخر، من الذي يضمن أن يعيش الشخصان؟ وهل إذا عاشا سيعيشان حياة طبيعية كسائر البشر؟ إننا بهذا نكون اشبه بمن يُقسِّم الموت على اثنين بدلا من أن يحاول منح حياة لأحدهما. ثالثا: الموت والحياة والصحة والمرض من نواميس الحياة، ومن حكم الخالق عز وجل، ومن الأمور الغيبية التي غابت عنا معرفة مواعيدها، وعليه، فلا يجوز لنا كبشر محاولة التدخل في نواميس إلهية غيبية، إلا بما أباحه الله من محاولات طبية علاجية تكون سبباً في تخفيف آلام إنسان دون أن تتسبب في إيذاء إنسان آخر. رابعاً: هذه القضية أثارت جدلا واسعا بين العلماء والفقهاء، والخلاف رحمة ولكن.. أليس من الأجدر بنا أن نلجأ إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»؟ وإذا كان في هذا الأمر شبهة، أيا كانت، ألم يأمرنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه باجتناب الشبهات؟! في رأيي.. إن تشريع هذا القانون في هذه الآونة، أو مناقشته، سوف تفتح بابا واسعاً للاعتداء على حقوق الإنسان وآدميته، وإذا كان العلماء والباحثون يعكفون حاليا في أبحاثهم حول توليد الأعضاء البشرية من الخلايا الجذعية، التي تستمد من الأجنة التي لم تدب فيها الحياة بعد، وحول استخلاص الخلايا من الحبل السري الذي يقطع عقب الولادة فلا ضير أن ننتظر بضع سنوات لنرى نتائج تلك الأبحاث التي قد تحقق المطلوب دون الحاجة إلى قتل إنسان وفيه ولو شبهة حياة تتردد بحجة موت إكلينكي. وأخيراً.. يكفي أن نعلم كما أشارت الكاتبة المصرية مها عبدالفتاح في أحد مقالاتها أن نسبة كبيرة من الأسر في أوروبا وأميركا ما عادت تقبل التبرع بانتزاع أعضاء من مرضاها، بل إن المعارضة المتصاعدة مصدرها الأطباء أنفسهم والعاملون في المستشفيات ممن يعلنون صراحة عدم قبولهم لهذا المفهوم. أليس هذا سببا آخر لإعادة النظر في مواقفنا من هذه القضية قبل التسرع في قضية جدلية مثل هذه القضية، والتنبه فجأة على كوارث تترتب على تطبيقها، لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى، القضية مازالت مطروحة، والسجال دائر حولها في مجلس الشعب المصري، والأيام القادمة ستحسم النقاش. عن صحيفة الوطن القطرية 13/2/2008