اعتنى الإسلام بالأخلاق والقيم عناية كبيرة، ورفعهما إلى مكانة عالية من الإجلال والتقدير والاهتمام، فالإسلام ارتفع بالفضائل إلى درجة كبيرة وحث عليها، في الوقت الذي حذر بشدة من الرذائل وعاقبتها الوخيمة، فالله تبارك وتعالى حينما أراد أن يثني على النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4)، والنبي حينما يريد أن يبين هدف رسالته يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، باعتبار أن حسن الخلق دليل على كمال إيمان العبد برسالة النبي صلى الله عليه وسلم. إن العقيدة الإسلامية اشتملت على مجموعة من القيم التي حرصت على إرسائها، وظهر ذلك من خلال النصوص القرآنية التي حثت على العدل ونهت عن الظلم، واعتبرت الكفر بكل أنواعه ظلمًا، والأحاديث النبوية ربطت بين الفضائل الأخلاقية والإيمان، حتى إنها جعلت الحياء من شعب الإيمان وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان. إن العبادات الإسلامية لم تخرج في مضمونها وجوهرها عن غاية أخلاقية، فهذه الصلاة التي كانت من ضمن غايتها أنها تهذب الضمير فيقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(العنكبوت: 45)، ومثلها الصيام الذي يدرب النفس على التغلب على شهواتها وضبط أخلاقها، والزكاة التي جعل الإسلام إحدى وسائل تطهير النفس والمال مما يصبها من أمراض، والحج هذه الرحلة الإيمانية التي يتدرب المرء من خلالها الترفع عن كل ما يصيب النفس، هذه الرحلة التي هي أشبه بيوم الحشر حيث تسقط الرتب والألقاب ويتساوى الناس في الشكل والهيئة والرغبة في نيل المغفرة من الله عز وجل، في دعوة إلى إعلاء قيم الزهد التواضع والتذلل لله تعالى والبعد عن الكبر والتعالي. لم يكن الإسلام بعيدًا عن التعاملات التجارية، بل أرسى لها القواعد التي تحافظ على حقوق كل الأطراف، وأيضًا علم الإسلام المسلمين سلوكيات ينبغي أن يلتزموا بها في بيعهم وشرائهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا لرجل بالرحمة بقوله: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"، والذي يحض على أن يتحلى الرجل بالسماحة في معاملاته، متصفًا بمعالي الأخلاق، ويترك المشاحنة والتضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم، وتتجلى صور السماحة في إنظار المعسر، أو التجاوز عن القرض أو عن جزء منه أو رد القرض بما هو أحسن منه، وأيضًا إعلاء قيمة السماحة بين الشريكين، وعدم إيقاع الناس في الحرج. كما أن الإسلام ركز في المعاملات التجارية على تقديم مصلحة العباد على المصلحة المادية، ولم يغلب المكسب المادي على خسارة العباد وضررهم، انطلاقًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"، كما نهى عن احتكار السلع والغش "من غشنا فليس منا"، وأيضًا ضبط علمية الاستهلاك فيما يضر بالمجتمع والآخرين. وفي مجال السياسة لم يقدم الإسلام الغاية على حساب الوسيلة، بل اشترط للغاية النبيلة وسيلة نبيلة، وهذا ما نصت عليه الشريعة الإسلامية في الحياة السياسية في التعاملات الداخلية والخارجية، ووضع مجموعة من القيم تحكم السياسة