مفيد فوزي شبابنا يسألون وربما في الحيرة يسقطون, هل يتفاءلون, هل يتشاءمون, هل من ضباب الصورة يتعذبون هل لكلام الحكومة يصغون, هل لصراخ المعارضة يتسابقون, هل يسكتون وعن الرأي يصومون, ويسحبون أغطيتهم. وينامون, لكنهم لا ينامون وماضون.. يسألون! هل مجلس الشعب يمثل كل الشعب؟ قلت: دستوريا, هذا هو المفروض, وواقعيا, يتفاوت الأمر ويتوقف علي استنارة العضو أو اعتباره( كمالة عدد), قد يمثل الناس تحت القبة لقضايا حياتية, وقد يمثل عليهم ويتحول الي واحد من الوجهاء. نقرأ صحف الحكومة فنحلم معها بالأمل, نقرأ صحف المعارضة والصحف الخاصة فينطفئ هذا الأمل.. أيهما نصدق...؟ قلت: لكم عقول تغربل ما تقرأ ولكم عيون تري وتفحص ولكم أجهزة وعي في رءوسكم, لا تصدقوا( عمياني), الكلام سهل والأماني أكثر سهولة, والشتيمة سهلة والشائعات أكثر سهولة, اتبعوا بوصلة العقل. تتهموننا بالتسطيح وبالاستسهال وبالتواكل, هل ولدنا هكذا؟ قلت: أعلم أن هذه نتيجة طبيعية وثمرة لتعليم مسلوق وتربية غائبة وبيت مشغول بالرزق وأمية متعلمين كارثة. تقولون عنا جيل الموبايل والتفاهة والكليبات, هل هناك نشاط آخر يأخذنا ترضون عنه؟ قلت: إن في البلد جهازا للشباب وجهازا للرياضة والأندية فلكية الاشتراكات, والكتاب مهجور والاسهام السياسي محظور في الجامعات والساحات الشعبية ملغاة, والشوارع والنواصي موطنكم الطبيعي. نحن جيل ضائع, مستقبلنا غامض.. نتعلم ولا نعرف علي أي شاطئ سنرسو, علي شاطئ عمل نحبه ونهواه أم سنموت غرقا علي الشواطئ الأوروبية؟ قلت: اصنع مستقبلك بنفسك, ذهب زمن( الميري والتمرغ في ترابه) العمل قيمة, أيا كان نوعه, ذهب زمن الأفندي ومكتب في الحكومة, لست أؤمن بأن في البلد بطالة كما نصورها ونضخمها, اذا اخترت الغرق علي الشواطئ الأوروبية فأنت الجاني والمجني عليك! نحن صنفان من الشباب, أولاد سوبر وأولاد غير سوبر, ومشكلات الأولاد السوبر محلولة بفلوس ونفوذ بابي واتصالات مامي كيف نتزوج وازاي( نعمر بيت)؟ قلت: لم يكن والدي من أصحاب الفلوس والنفوذ وكانت أمي والطرحة السوداء فوق رأسها حبيسة البيت, جالسة علي الكنبة البلدي أغلب ساعات النهار, وتزوجت متأخرا يوم كان مرتبي22 جنيها واشترت( خطيبتي) الدبل الذهبية واشتركنا سويا في دفع خلو لشقتنا بفلوس جمعيات منزلية وكنت أدفع قسط سجادة خمسة جنيهات واتعثر بقية الشهر, لكن الكفاح المضني كان منهجي وصبرت وتحملت ولم يكن لي ظهر استند عليه, كنت طموحا لا طماعا, وصعدت خطوة خطوة وكف الله فوق كتفي وتزوجت وانجبت وعمرت بيتا, غاب عنه أهم أضلاعه. احنا بنات في الجامعة وعندنا حريات ويمكن نكون مغتربات أو مغتربات داخل بيوتنا, وزميلاتنا بتيجي الواحدة منهن لابسة اللي علي الحبال كلها تركن عربيتها وتتمخطر والكل يحييها وتعظيم سلام ياجدع, فقررنا نلبس( ونستقطع) واحد مليان مصري خليجي هندي, المهم يقوم بالواجب ونلبس ونتفسح ونقب علي ضهر الدنيا. قلت: أنا أنعي غياب الوجبة الروحية وأؤمن أن الأرزاق متفاوتة والأربعة وعشرين قيراطا موزعة بحكمة ولا أحد يأخذ في هذه الدنيا أكثر من نصيبه( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) والاستقطاع مسرحية عبثية لها نهاية لا أحد يتنبأ بها, الفقر ليس عيبا, والتكيف مع الواقع المعاش فلسفة العقلاء, الطموح شئ والطمع شئ آخر. نفتقد( القدوة)!! قلت: نعم, انها قضية حيوية في مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل, في مجتمع صار( المال) فيه سيدا يشتري كل شئ, الشرف والذمم, في مجتمع يتسيد فيه( النفوذ) فوق اليابس والماء, في مجتمع ماتت فيه بالسكتة القلبية( البطولات الصامتة) القدوة, بطولات صامتة لنجاح منسوج من جهد سنين, لا يسعي أصحابه للضوء, بطولات صامتة بلا أوسمة تأوي كل مساء لخيمة القناعة, والسماحة والرضا, بطولات صامتة صمت النهر وعطاؤه لا يعرف أبجدية الشهرة ولا الوجوه الحليقة والعيون الزجاجية, بطولات صامتة لا تسرق الربيع من السواعد السمراء التي تبني وطنا. عن صحيفة الاهرام المصرية 19/1/2008