وقفة من قضية المهدي.. ومثيلاتها د. محمد عبدالفضيل القوصي في وقت تشتد فيه حاجة الأمة الاسلامية إلي خطاب ديني رشيد تتفاعل فيه مع مشكلاتها ومعضلاتها, وتعيش من خلاله بنبض الحياة المعاصرة استهدافا للتقدم والخيرية فانا نفاجأ بين آونة واخري بمن يرتد بهذا الخطاب الي الوراء وكأن الامة قد فرغت من جميع شواغلها المصيرية والحاسمة ولم يتبق لها إلا الحديث عن قضايا هامشية مصطنعة كانت في الآونة الاخيرة مثار دهشة الناس واستنكارهم بل سخريتهم وتندرهم!! وكلما علت نبرة الجدال اللاذع واشتدت جدته: كان المشفقون المخلصون يضرعون الي الله تعالي سرا وعلانية ان تهدأ دوامة الصخب التي نالت من صورة الإسلام مانالت, وأحدثت من الاهتزاز والبلبلة ما أحدثت!! في وقفة هادئة يستطيع المستقرئ للتراث الفكري الذي ورثته الامة الاسلامية خلال تاريخها المتطاول ان يميز في هذا التراث بين ثلاثة روافد فهناك القطعيات الأصول التي احاطها علماء الامة خلال تلك العصور بسياج منيع من الصيانة والمهابة والاحترام وهناك الظنياتالتي تختلف حولها الآراء وفقا للمنهج العلمي الرصين, بل لقد اختلف حولها أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم أنفسهم, وهناك في نهاية المطاف مايسمي ب الأغاليط تلك الأغاليط التي قال عنها الامام الأوزاعي في القرن الثاني الهجري( اذا اراد الله تعالي ان يحرم عبده بركة العلم ألقي علي لسانه بالأغاليط). في سلة الأغاليط هذه تقبع أصناف عدة من فروع العلم وشوارده, فهناك مايمكن تسميته غرائب التراث وهناك ما يمكن تسميته خلافيات التراث وفي كل منها ما يثير لدي الناس الفتنة والتنازع والاختلاف ومن أجل ذلك فقد حذر منها كثير من العلماء المحققين بما لايتسع المقام للافاضة فيه. بيد أن الامة قد ابتليت في بعض عصور ضعفها بمن لايطيب له الحديث إلا عن تلك الاغاليط غرائبها وخلافياتها دون اكثراث بما يؤدي اليه هذا الحديث من انصراف الامة عن الاهتمام بمشكلاتها وقضاياها وتحويل هذا الاهتمام الي مسارب فرعية مشتبهة تستنفد طاقاتها وتستفرغ جهدها وتعرقل مسيرتها ومايؤدي اليه هذا الحديث ايضا من تشويه مؤسف لصورة الاسلام نفسه, وتعكير لصفحته الناصعة وانتقاص من بهائها وقدسيتها!! آخر الامثلة علي ذلك وقد سبقته في الماضي القريب أمثلة صارخة لاتزال ماثلة في الاذهان مانشر موخرا في مقال عن المهدي وعلامات ظهوره, ومن المعلوم ان قضية المهدي ليست من العقائد الأصول التي هي أركان الايمان الاساسية ومن المعلوم ايضا ان تلك القضية قضية خلافية, اختلفت فيها وجهات النظر, وقد كان لابن خلدون, ثم للشيخ رشيد رضا: موقف معروف منها, وتبعهما في ذلك كثيرون, ثم هي فوق هذا وذاك: قضية لها حساسيتها المفرطة بين الشيعة وأهل السنة, من أجل ذلك وغيره فلن نخوض غمار هذه القضية, إثباتا أو إنكارا, إحقاقا او ابطالا, فليس هذا زمانها المناسب ولا مكانها الملائم.. بيد أننا نتساءل عن الفائدة المبتغاة من وراء إثارة هذه القضية ومثيلاتها من القضايا الشائكة الملتبسة التي أصاب رذاذها صورة الإسلام لدي العامة والخاصة؟ ما الفائدة من النبش عن الغرائب القابعة في الزوايا القصية من التراث, والتي تصرف اهتمام الأمة عن شواغلها الضاغطة؟ ما الفائدة من صب وقود الفتنة وضرامها علي الخلافيات وهي خلافيات أحسن مايقال عنها ما قاله كثير من المحققين ان الجهل بها لايضر والعلم بها لاينفع؟ ألا يكفي الأمة ما تعانيه من ازماتها الراهنة التي تقض المضاجع؟ ألا يكفي الأمة مايمسك بخناقها من الفتن المتلاحقة كقطع الليل المظلم؟ ألا يكفي الأمة مافاتها من أشواط التقدم الحضاري والعلمي والفكري, ذلك التقدم الذي هو أوجب واجباتها وأهم مهماتها؟!! فليحذر الجميع من اللهاث وراء القضايا التي تثير البلبة وتضرم لهيب الفتنة, وليحذر الجميع من أن تتخذ إشكاليات التراث مادة للابهار والإدهاش وإثارة اهتمام الأمة بالغرائب التي تصرفهم عن الجاد من القول, والنافع من العمل ففي ذلك الخطر المحدق بحاضر الأمة ومستقبلها فياليت قومي يعلمون!! عن صحيفة الاهرام المصرية 7/11/2007