د.أحمد سيد مصطفي عندما يوفق طرف في قضية معينة يجب الإشادة بذلك من جانب باقي الأطراف المجتمعية مثل وسائل الإعلام ومجلس الشعب وجمعيات المجتمع المدني, لحفزه علي مزيد من الممارسات الموفقة. لقد أصابت الحكومة عندما قرر وزير التجارة والصناعة إحالة تسع من شركات الأسمنت إلي النائب العام لاتفاقها المخطط علي رفع الأسعار. وهكذا بدت الحكومة جادة في تحقيق رسالتها في ضبط إيقاع السوق وإتاحة ظروف المنافسة العادلة والشريفة, وحماية المستهلك في اقتصاد السوق الحرة. لقد اتفقت شركات الأسمنت موضع قرار الوزير علي إحداث زيادات متتالية في الأسعار برغم أن خامات الأسمنت محلية ولم ترتفع أسعارها وبرغم أن الحكومة كانت سخية في حوافز الاستثمار إذ هيأت لهذه الشركات الطاقة المحركة بأسعار مدعمة. هذه الأسعار التي جذبت مستثمرين كثيرين لشراء شركات أسمنت مصرية ولإنشاء مشروعات صناعية كثيفة في استهلاكها للطاقة, لقد حققت شركات الأسمنت العاملة في مصر أرباحا كبيرة للغاية تفوق بكثير هامش الربح في صناعات عديدة. حققت وفورات كبيرة في تكلفة التشغيل. بينما توالت الزيادة العالمية في أسعار البترول ومن ثم تزايدت أسعار الطاقة بالخارج دون أن ترفع الحكومة أسعار الطاقة مع كل ارتفاع عالمي في هذه الأسعار. وبرغم أن شركات الأسمنت العاملة بمصر تصدر بالأسعار العالمية إلا أن الحكومة لم تكن تعاملها بأسعار الطاقة العالمية. إن أي اتفاق بين منتجين علي التحكم في المعروض من السلعة( تعطيش السوق) وزيادة الأسعار دون مبرر منطقي يعد اختراقا لقانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار. ولما حدث مايشير لذلك وفق تقارير جهاز حماية المنافسة بوزارة التجارة والصناعة, فقد كان تدخل الوزارة لازما تطبيقا لرسالتها في تنظيم السوق وحماية المستهلك. علي أن إحالة الأمر للنائب العام لايعني اتهاما وإدانة لهذه الشركات. فهذا رهن بالتحقيقات, لكن ما يعنيني هنا هو يقظة وايجابية وزارة التجارة والصناعة. ومع الاتجاه المحمود أيضا لمنح تراخيص لمصانع أسمنت جديدة فإن تحالفا مخططا لشركات أسمنت لخفض الأسعار لمدة معينة( حرب أسعار) لدفع الشركات الوليد علي البيع بأسعار لاتغطي تكلفتها, سيؤثر سلبا علي الشركات الوليد ويلوث مناخ المنافسة. أضيف لذلك أن الشركات الحالية قد أفادت من أسعار رخيصة للطاقة قد لايتاح للشركات الجديدة الإفادة منها. ومن ثم فإن إدراك الشركات المتحالفة لرفع أو لخفض الأسعار لأن الدولة جادة في ضبط حركة السوق وكفالة ظروف المنافسة العادلة, يمكن أن يكبح جماح الاتجاهات العدائية في المنافسة بصناعة الأسمنت وغيرها. قد يكون الاتجاه لرفع أسعار الأسمنت بنسب عالية( حول50%) موخرا هو ردا أخيرا من الشركات علي الحكومة لدفعها للتراجع عن المواجهة, أو سعيا منها للحفاظ علي نفس هامش الربح الذي كان يتحقق قبل رفع الدولة لأسعار الطاقة المحركة. وأيا كان الأمر فإن التدخل الحكومي في الوقت المناسب هو أمر جوهري لطمأنة السوق وكفالة ظروف المنافسة العدالة. إن توجهات وزارة التجارة والصناعة في مجال صناعة الأسمنت لضبط السوق وترويض أسعار الأسمنت لايمكن تجاهلها. فمن فرض رسوم علي التصدير سعيا لزيادة المعروض محليا وخفض الأسعار, إلي إنشاء جهاز لتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار, إلي دور نشيط لهذا الجهاز تجلي في مجال صناعة الأسمنت. صحيح أن الدولة يجب أن تهيئ حوافز جاذبة للاستثمار مثل دعمها للطاقة. لكن هذا الدعم يجب ألا يساوي بين الصناعات الكثيفة في استهلاكها للطاقة المحركة( مثل الأسمنت والألومنيوم والبتروكيماويات وحديد التسليح والأسمدة الأزوتية) وبين غيرها من الصناعات المعتدلة في استهلاك الطاقة. إن الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة تستهلك ما يفوق65% من المعروض من الطاقة الغازية والكهربائية بمصر. ومن ثم فإن اتجاه الدولة نحو زيادة محسوبة في سعر الطاقة لتلك الصناعات الكثيفة في استهلاكها كان أيضا تدخلا محمودا. لاسيما أن مصانع الأسمنت كانت تشتري الطاقة بأسعار مدعومة وتبيع محليا بأسعار عالية كما تصدر بالأسعار العالمية. إن المسئولية المجتمعية لهذه الشركات تدعوها لأخذ المصلحة القومية في الاعتبار عندما تشتري مستلزماتها وعندما تبيع منتجاتها. والله الموفق. عن صحيفة الاهرام المصرية 31/10/2007