الصحفي والشاعر: أزمة تيار استقلال نقابة الصحفيين! سليم عزوز إذا لم يحدث في الأمور أمور، فإن فتح باب الترشيح لانتخابات نقابة الصحفيين المصريين سيكون يوم السبت المقبل، علي أن تجري الانتخابات يوم السابع عشر من نوفمبر، وقد بدا الحزب الحاكم في حيص بيص، لعدم قدرته علي تقديم مرشحين أكفاء، سواء علي موقع النقيب، او لعضوية مجلس النقابة، ليتحقق له هدف السيطرة، بعد أن جعل من الانتخابات هذه المرة معركة حياة أو موت، وهو يريد ان ينتزع النقابة من تيار الاستقلال النقابي، ليديرها الرائد متقاعد صفوت الشريف، ويتصرف فيها تصرف المالك فيما يملك، ويتعامل علي أنه النقيب الفعلي، ومعلوم ان الرائد أعلي رتبة من النقيب!. تأجيل الانتخابات أمر وارد، وقد بدأ البعض في التفكير في رفع دعاوي من أجل وقفها، لاسيما الذين حصلوا علي العضوية بأحكام قضائية، وترفض النقابة قيدهم، وقد نجحوا قبل أربع سنوات في عملية الوقف، وتم قيدهم قيدا صوريا، وأجريت الانتخابات. وقد يتم استغلال موقفهم هذه المرة لذات السبب، لأن الحكومة لم تستعد للمعركة بمرشحين يمكن لهم أن يحققوا لها أمنيتها الغالية في تأميم النقابة، وعلي وجه التحديد تأميم سلالمها ، التي أصبحت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، أشهر من حديقة هايد بارك البريطانية، الأمر الذي جعل مرشح الحكومة لموقع النقيب مكرم محمد أحمد يختصر برنامجه الانتخابي في السلالم، فلن يأتي للصحفيين بأسود أو بأبيض، ولكنه جاء لمهمة مقدسة، وهي إزالة آثار العدوان علي سلم النقابة ، وفاته أن هذا لن يحدث إلا إذا أعطي أوامره بصفته، لقوات الأمن باجتياح النقابة. فالسلالم باتت قدرا، لا يستطيع النقيب أو المجلس طرد المتظاهرين منها. وقد سبق للزملاء في صحف العالم اليوم ، و نهضة مصر و المال ان احتشدوا عليها وهتفوا ضد القرار الجائر من مجلس النقابة بعدم قيدهم في جداول النقابة، وقالوا في النقيب والمجلس ما قال مالك في الخمر، ولم يستطع أحد منعهم من الوقوف، ضعف الطالب والمطلوب!. ومن هنا فإن مكرم محمد أحمد (الألقاب محفوظة) يحلم عندما يتصور أن بإمكانه أن يؤمم السلالم، فلا يسمع أهل الحكم من يندد عليها بالتوريث، والتمديد، والاستبداد، ليعيشوا بعد ذلك عيشة راضية، لا يسمعون فيها لا غية!. لقد بدا ترشيح السلطة لمكرم تعبيرا عن أزمة، فالرجل بلغ من الكبر عتيا، وقد لُصق به وصف المحلل لإبراهيم نافع، فإذا كان القانون ينص علي ان مدة ولاية النقيب دورتان، لا يجوز له أن يترشح دورة تالية الا بمحلل، فقد كان الحاصل أن نافع يترشح دورتين، ويترك مكرم يحصل علي دورتين، الي أن جري ما جري للأخير في آخر مرة له، فقد كان من حقه دورة، فقيل له: اخلع بعد الدورة الأولي لترشيح نافع، وهو ما سبب له مرارة، عبر عنها قبل أربع سنوات بأن الذي بينه وبين نقابة الصحفيين هو كارنيه العضوية سيمزقه، وذلك ردا علي طلب دفعه للترشيح لمنصب النقيب بعد أن حكم القضاء بعدم جواز ترشيح إبراهيم نافع لدورة ثالثة، كان قد فكر في سرقتها، لولا الدعاوي القضائية التي أقيمت ضده، ولو حكم القضاء الذي أوقف مخطط السرقة!. وقد كان تنازل مكرم عن ترشيح نفسه بعد دورة واحدة سببا في إطلاق صفة المحلل عليه، الأمر الذي يجعل من ترشيحه مغامرة حكومية، والذي زاد وغطي أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية نصبت له زفة بلدي بمناسبة هذا الترشيح، باعتباره رجل التطبيع الأول في الصحافة المصرية، وعندما جاء ليدافع عن نفسه إزاء هذه الزفة التي تفقد الثقة والاعتبار، كان كمن جاء ليكحلها فأعماها، وأدخلنا في لجاجة حول مفهوم التطبيع، مع أن قرارات الجمعية العمومية المتتالية للصحفيين الرافضة للتطبيع واضحة!. زد علي هذا أن الرجل تلبسته حالة من التعالي، فظروفه الصحية لا تسمح له بالترشيح، ولولا أنه لم يجد من يصلح للترشيح غيره، لما فعل. وظهر كما لو كان قد ضحي براحته الأبدية، وهدوئه النفسي، وصفائه الذهني، من أجل الصحفيين، الذين لم يجدوا أحدا غيره يصلح للترشيح، علي الرغم من أن عدد من يحق لهم الترشيح قانونا، أكثر من ثلاثة آلاف عضو. ولأنه تعامل علي انه ليمونة في بلد قرفانة، فقد صاح بصوت جهير أنه لن يأت بمكاسب مادية للصحفيين، ولأنه مكرم محمد أحمد فإنه يرفض أن يطالبه أحد بذلك. والذي يسمعه يتكلم بهذه اللغة، ربما لن يصدق أنه هو هو، من أدخل مبدأ الرشوة الانتخابية، فيما عرف ببدل التدريب والتكنولوجيا في أول مرة خاض فيها الانتخابات، ومن يومها، أصبح عرفا أن يقوم المرشح الحكومي بالحصول من الحكومة علي مبلغ إضافي لهذا البدل الشهري. وفي الانتخابات التي أجريت قبل أربع سنوات اتفق صلاح منتصر مع رئيس الوزراء علي أربعين جنيها، ومع هذا سقط، ليقوم جلال عارف بصرفها، ثم حصل علي سبعين جنيها أخري، مع أنه لم يتفق في الأولي، ولم يعد في الثانية، لكن ربك لما يريد. وقد فهم الصحفيون الفولة ، فالحكومة مضطرة للتعامل مع النقيب الناجح، ولو كان من تورا بورا!. شعار الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد في هذه الانتخابات إذن، هو انتخبوني واشكروني، فضلا عن هذا فإنه، وإن كان في المرات الثلاث الماضية ترشح علي أرضية مهنية، وكانت له مواقف منحازة لكرامة الصحفيين لا ينكرها أحد، ولا يخصم منها إلا عصبيته الزائدة عن الحد، فإنه هذه المرة جاء مرشحا علي أرضية أمنية، بحديثه الممل عن سلالم النقابة وضرورة تطهيرها من أعداء الوطن، المنددين بالاستبداد السلطوي، والرافضين لمبدأ الحكم لآخر نفس، ومحاولة التدشين للتوريث بعد عمر طويل!. ينام المرشح الحكومي لموقع نقيب الصحفيين ويقوم علي السلالم، لدرجة أنني فكرت في اصطحاب جماعة من بلدياتنا الصعايدة بالفؤوس وتسويتها بالأرض، وتثبيت سلم خشبي لاستخدامه في دخول النقابة والخروج منها، وذلك بهدف واحد، وهو أن أقول للرجل قل لنا برنامجك بعد أن انتهي أمر السلم، ومؤكد انه سيضرب لخمة!. وهي لخمة ضربها من رشحوه، ويريدون أن يستولوا به علي نقابة الصحفيين، لتصبح يدهم التي يبطشون بها بمن يقترب من رحابهم الطاهرة، وضربوا لخمة أيضا في اختيار المرشحين لعضوية المجلس، والذين يمكن أن يدفعوا بهم للنجاح، ليقوموا بمهمة التأميم، ليكون الرائد سالف الذكر هو الآمر الناهي في النقابة، ربما تمهيدا له لأن يكون هو الخيار الاستراتيجي، إذا ما فشل خيار التوريث. معلوم أنه سبق وأن دفع بجنرالاته من اجل إفساد دعوة احتجاب الصحف الخاصة والحزبية، احتجاجا علي أحكام حبس خمسة من رؤساء التحرير دفعة واحدة، وقد أفسدت المخطط واحدة بطولها، هي الزميلة نور الهدي زكي الصحفية بجريدة العربي، عندما واجهتهم، فانقلب بعضهم الي بعض يتلاومون، وإذا ما ظلوا يخططون له يبدو كعهن منفوش، او كفعل ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتي!. وإذا كان القوم في حوسة سواء في اختياراتهم لموقع النقيب، او لعضوية المجلس، فإن تيار الاستقلال النقابي لم تواجهه مشكلة في الثانية، بيد أنه غرق في ماء البطيخ في اختيار مرشحه لموقع النقيب، ليس لعدم وجود مرشحين لديهم القدرة لخوض المعركة، فهناك عدد لا بأس به ممن يصلحون للمنصب لخوض معركة استقلال النقابة في مواجهة من يريد تأميمها لصالح أمانة المهنيين بالحزب الحاكم، لكن المشكلة في أن الأمر تم وضعه في يد من لا يحسنون التقدير، ومن يتعاملون بمنطق كله عند العرب صابون، وكان أن اختاروا الشاعر الكبير فاروق جويدة، لمعركة بهذا الحجم، في حين لو التفتوا بجانبهم لوجدوا أن الرجل المناسب لهذه المعركة اقرب إليهم من حبل الوريد!. فاروق جويدة شاعر كبير ومحترم، وقبل الضغوط التي مارسها عليه أحد وكلاء النيابة أثناء التحقيق معه في قضية نشر، ونتج عنها أنه انتقل الي مستشفي دار الفؤاد، لم أكن أعرف أنه صحفي، وأنه عضو في نقابة الصحفيين.. العتب علي النظر ولا شك. وكان واضحا أن النيابة كانت تميل الي نفس اعتقادي، ولهذا فإنها لم تخاطبه عبر النقابة، كما هو متبع، ومن الواضح أنه كان هو الآخر ناسيا صفته الصحفية، فلم يصطحب معه عضوا بمجلس نقابة الصحفيين كما ينص القانون، فذهب فردا، ليقع في يد من لم يعرف قدره، واستفرد به، وأزعج مشاعره الرقيقة، فطب مريضا!. قد أحسد الشعراء علي رقة مشاعرهم، لكن معركة نقيب الصحفيين تحتاج الي نقابي، وليس إلي شاعر، أو مجرد صحفي يتمتع بالنزاهة. لقد قال فاروق جويدة إنه يفكر ويفكر، وعندما تنشر هذه السطور ربما يكون قد وافق علي الترشيح، وربما تكون الموافقة بهدف إحراج تيار الاستقلال النقابي وإضعاف موقفه، وقد يندفع الرجل بحسن نية وسلامة طوية الي هذا الطريق، بحكم كونه شاعرا رقيق المشاعر، لكن مكمن الخطورة هنا أنه إذا كان هو المرشح المختار، فإنه يمكن إذا أغلق باب الترشيح أن يتنازل، ويجعل وجوهنا في الحائط، ليخوض المرشح الحكومي الانتخابات بدون منافسة من أحد، ولا يستطيع أحد أن يلومه فهو شاعر يتحرك بعواطفه، وقتها سيكون علينا أن نلوم أنفسنا!. لقد سعدت عندما علمت بأن الاختيار وقع علي رجائي الميرغني، ولم تكن تائهة ووجدناها، فقد كان بجوارنا، وهو المؤهل لهذه المعركة، لأنه صاحب خبرة نقابية عظيمة، ولأنه يستوعب النقابة بتاريخها، وقانونها، ولوائحها، وبكل ركن فيها. وقد يختلف المرء معه كثيرا، خلافا يختلط فيه الخاص بالعام، لكنه يظل النقابي الذي يمكن أن تستأمنه الجمعية العمومية علي النقابة، فيكون نعم من استأمنت.. إنه القوي الأمين.. بالطبع مع احتفاظي بحق الخلاف. رجائي الميرغني حمي نقابة الصحفيين من خطر التفجير، عندما وجد المؤامرة تطل برأسها رافعة شعارات حق يراد بها باطل، فهناك الآلاف قد حرموا من عضوية النقابة، علي الرغم من ممارستهم للمهنة، في حين أن الجداول زاخرة بغير الممارسين لها، وكان التفكير قد بدا جديا في تشكيل نقابة موازية لم يسيء الي فكرتها سوي تبني شخص من الشارع لها، كان مدفوعا لذلك من آخرين لا تعلمونهم الله يعلمهم، وكانت الفكرة لها وجاهتها القانونية والواقعية، ومن ثم كان التفكير في فتح جدول المنتسبين المغلق علي البابا شنودة، وهذا الجدول وإن كان لا يشترط احتراف المهنة في أعضائه من المصريين، فقد اشترط صاحبنا أن يكون المتقدم قد مر عليه اكثر من خمس سنوات يعمل في مهنة الصحافة بشكل منتظم، ويقدم ما يثبت ذلك، وهو شرط لا يتطلبه حتي القيد في جدول المشتغلين، لكن مشكلة هؤلاء في عقد التعيين، وهو أمر ليس مطلوبا قانونا للقيد في جدول تحت التمرين وما يليه، وأن كان طلبه قد تم عرفا!. وفي الواقع أن صاحبنا باع لهؤلاء التروماي فليس لهم الحق في أية امتيازات، فلا يترشحون، ولا يصوتون، ولا يحصلون علي معاش او بدل، والميزة الوحيدة هي أن يسمح لهم بمقتضي هذه العضوية أن يدخلوا من باب النقابة ويجلسوا في الكافتيريا ويشربوا قهوة، هي في الواقع تشبه القهوة. انتخبوا رجائي الميرغني.. واستمعوا واقرأوا لشاعرنا الكبير فاروق جويدة، فكل إنسان ميسر لما خلق له. عن صحيفة الراية القطرية 24/10/2007