التفاف الشركات الأجنبية لرفع سعر الغاز د. حسين عبدالله أدلي وزير البترول بحديث للأهرام يوم2007/8/29 وفيما يلي ما نراه يستحق التعليق أو التوضيح: (1) يعتزم قطاع البترول بعد ان تم تحرير أسعار الطاقة في السوق المحلية السماح للشركات الأجنبية العاملة في مصر بتسويق جانب من حصتها في الغاز مباشرة للمصانع. وكان القطاع قد استجاب عام1994 دون مبرر لما طلبته الشركات لزيادة اسعار الغاز الذي تشتريه مصر من أنصبتها لأغراض الاستهلاك المحلي. وبرغم تحذيرنا بأهرام12 يناير1994 فقد عدلت12 اتفاقية سبق صدورها بقوانين وزيد السعر من1,80 دولار لكل مليون وحدة حرارية الي2,50 دولار. بل جاءت تلك الزيادة خلافا لنص بالاتفاقيات يحول دون زيادة حقوق الشريك الأجنبي عن المتفق عليه وقت ابرامها. وقد استمرت الزيادة سبع سنوات وكبدت مصر خسارة ثلاثة ملايين جنيه يوميا, الي ان عدلت عام2000 بوضع2,65 دولار كحد أعلي لسعر الغاز, وهو ما تحاول الشركات في الوقت الحاضر تعديله بالزيادة. واذ لا يجوز زيادة السعر دون موافقة مجلس الشعب فقد تفتقت الحيلة للالتفاف حول التعديل بالسماح للشركات الأجنبية ببيع جانب من نصيبها مباشرة في السوق المحلية, وهو ما يثير الملاحظات الأتية: أولا: لأن الاتفاقية ترخص لقطاع البترول بشراء ما يلزم لاحتياجات السوق المحلية من غاز الشريك الأجنبي بسعر محدد فيها. ومن ثم تضم تلك المشتروات الي النصيب الوطني ويتم تسويقها للقطاعات المنزلية والتجارية والصناعية والنقل, في اطار منظومة منسقة وبأسعار تتفاوت وفقا لاعتبارات اقتصادية واجتماعية. ثانيا: نظرا للطبيعة الاحتكارية للغاز مثل الكهرباء والمياه فإن اجازة تعامل الشريك الأجنبي مباشرة مع المستهلك المصري تتيح للشريك الأجنبي فرض شروط تعسفية. وحتي اذا أخضعت تلك العلاقة لأجهزة رقابية فمعناه اضافة تكلفة زائدة, فضلا عن عدم فاعلية تلك الأجهزة كما حدث في حالة العبارة. وثالثا: قد تري الدولة تزويد الغاز لبعض القطاعات بسعر يتجاوز سعر مشترياتها من غاز الشريك الأجنبي وذلك ترشيدا للاستهلاك, وهو ما قد يتخذ ذريعة لرفع أسعار الشريك الأجنبي فوق ما هو محدد بالاتفاقيات لمبيعاته لقطاع البترول. ولا تقتصر المخاطر علي السعر, بل تفتح المجال لمشاكل أخري مثل سيطرة الشركات الأجنبية علي حجم ومواعيد تسليم احتياجات المستهلك المصري. (2) والقول بأن سعر تصدير الغاز يتم تحديده طبقا لعناصر تكلفة الإنتاج والنقل والتوزيع وهوامش الربح, يغفل الطبيعة الناضبة للثروة البترولية, اذ تكتسب الاحتياطيات قيمة مادية قابلة للتداول بين الشركات بمجرد تأكيد وجودها وتحديد حجمها في باطن الأرض كما يقوم بعض الشركات التي حققت بالتنقيب احتياطيات بترولية ببيعها لشركات أخري. وتوجد أمثلة مصرية لمنح حقوق التنقيب في مناطق واعدة لرجال أعمال مصريين ثم قاموا بالتنازل عنها( أي بيعها) حتي قبل قيامهم بالتنقيب فيها. الخلاصة ان تكلفة الانتاج لا تعكس القيمة الحقيقية للبترول أو للغاز, وانما ينبغي ان يضاف اليها قيمة الثروة الطبيعية التي تنضب بالاستخراج. ويتحدد نصيب الدولة المضيفة بما تحصل عليه كنصيب في الانتاج وبما تفرضه من اتاوات وضرائب علي الشريك الأجنبي. وهنا ندعو الدولة لفرض ضريبة استثنائية علي الأرباح الجزافية التي تنفرد بها الشركات الأجنبية نتيجة للارتفاع المفاجيء في الأسعار العالمية والتي قفزت خلال السنوات الأخيرة من15 دولارا الي62 دولارا في المتوسط للبرميل. وتستهدف الضريبة الاستثنائية الحفاظ علي توازن العلاقة بين الدولة وبين الشركات العالمية في أراضيها وذلك بإعادتها الي ما كانت عليه عند إبرام الاتفاقية. (3) ليس صحيحا ان جميع عقود تصدير الغاز تتضمن بندا بعدم إعلان سعر الغاز حتي يستطيع كل من الطرفين ان يتفاوض مستقبلا بلا قيود أو حدود للأسعار مع أطراف آخرين والحصول علي أكبر عائد أو مكسب. وكمثال, فإن أسعار الغاز الروسي الذي تتزود به أوروبا معلنة ويتم تعديلها تبعا لتقلبات سعر النفط. كذلك تتمتع أسعار الغاز في الولاياتالمتحدة بشفافية مطلقة وتعلن في بورصة نيويورك, كما تعلن اليابان الأسس المحددة لأسعار وارداتها من الغاز المسال. وفي رأينا ان التعتيم علي سعر تصدير الغاز المصري لن يساعدها في الحصول علي سعر أعلي في عقود تالية لأن الشركات العالمية كما يعرف الخبراء المتخصصون تتبادل المعلومات وتعلم كل شركة وهي تتفاوض مع الجانب المصري كل الشروط التجارية للعقود التي سبق ابرامها. وبالنسبة للغاز الذي يضخ عبر خط الأنابيب الي الأردن, فإن مصر لا تستطيع الحصول عند ضخه لسوريا ولبنان علي سعر يتجاوز سعر الأردن الا بمقدار فروق النقل, وهل يظن قطاع البترول ان تلك الأسعار تخفي علي إسرائيل اذا تم تصدير الغز المصري اليها؟ ولعل الأخطر في تصدير الغاز ان سعره, حتي اذا واكب الأسعار العالمية, فانه لا يتجاوز ثلث سعر تصدير البترول. ومن هنا يجمع الخبراء المتخصصون علي ان الف باء اقتصاديات الغاز تؤكد استخدامه محليا وليس اهداره بالتصدير, فضلا عن تفوقه علي البترول من حيث نظافته بيئيا وعدم احتياجه للتكرير. (4) أما المباهاة بارتفاع معدل نمو انتاج الغاز فهو في حقيقته نذير شؤم بالنسبة لاحتياجات الأجيال القادمة اذ مؤاده نضوب الغاز خلال فترة قصيرة. فقد قفز هذا الانتاج من23 مليون طن2005 الي39 مليونا2006 والي45 مليون2007, أي بمعدل نمو96% في عامين وليس14% سنويا كما ذكر. وإذا استمرت تلك القفزات نتيجة للتوسع في التصدير فإن احتياطيات الغاز والتي يخضع تقديرها لقدر كبير من اللا يقين لن تعمر طويلا. واذ يتوقع ان يرتفع الاستهلاك المحلي من البترول والغاز من52 مليون طن2006 الي103 أطنان بحلول2020, كما يرتفع سعر البترول العالمي من60 دولارا الي90 دولارا بحلول2020, فإن فاتورة استيراد المواد البترولية اذا ما تحولت مصر الي مستورد للطاقة كما هو متوقع قد لا تقل عن65 مليار دولار سنويا. فكيف يمكن تدبير هذا المبلغ وماذا يمكن ان يحدث اذا لم تتوفر الطاقة المطلوبة؟ هذا سؤال لم يتلق اجابة منذ ان طرحته قبل عشر سنوات. (5) والقول ان قيمة صادرات مصر من المنتجات البترولية والغازات بلغت العام الماضي أكثر من عشرة مليارات دولار يثير التساؤل: كم كان نصيب الشركات الأجنبية, وكم منها دخل الخزانة المصرية بعد سداد مديونية القطاع للشركات الأجنبية مقابل مشترياته منها, ولماذا لجأت ممصر للاستدانة بضمان( أي رهن) بترول المستقبل, وكم تبلغ المديونية الصافية لقطاع البترول؟ ان الايحاء بالوفرة البترولية علي غير الحقيقة يجهض محاولات الحكومة لترشيد الاستهلاك برفع الأسعار وال}دي اقناع المستهلكين بخطورة موقف الطاقة. فنحن لسنا في مجال المفاخرة بالانجازات وانما ينبغي المصارحة بالحقائق تلبية لدعوة الرئيس مبارك. عن صحيفة الاهرام المصرية 3/9/2007