في مراحل النهضة الشاملة التي فجرتها ثورة 1919 كان الشعار الهاتف: الاستقلال التام أو الموت الزؤام. اليوم نحتاج ان نستلهم ذلك الشعار في ظروف قهر وتبعية وبيع لم تر مصر له مثيلاً بإجماع النخبة الثقافية والسياسية المعارضة. إذا كانت التضحية اليوم قد لا تكون بالدماء شكلا إلا أنها تمثل نوعاً آخر من التضحية يرقي إلي ضريبة الدم. إنه الدفاع عن الاستقلال الاقتصادي في أعز صورة وأصعبها منالا.
ان الوطنيين الذين ينادون برفض بيع بنك القاهرة والداعين الي المشاركة في اكتتاب وطني لإنقاذ البنك من الوقوع في يد الأجانب إنما يخوضون معركة باسلة رغم اليأس المطبق.
لهذا ورغم ضراوة الرفض الحكومي نري شعاعا من الأمل في دعوة رئيس حزب الوفد الأستاذ »محمود أباظة« من أجل وقف البيع والدعوة إلي اكتتاب وطني عام لامتلاك المصريين بنك القاهرة.
لماذا يطلب من المصريين ان يتطوعوا لشراء بنك القاهرة؟ لان الذي يضيع ويبدد هو أجزاء من تراثنا.. الذي يخترق هو اقتصادنا .. الذي يباع هو صروحنا الوطنية الحامية للشعب.
كان الأثرياء قبل الثورة يدفعون أموالهم لبناء الجامعات والبنوك الوطنية والفنون العظيمة. اليوم تتجدد الدعوة بمشاركة وطنية من كل الاتجاهات ان يسهم الشعب في بقاء ممتلكاته ورصيده من كفاح الأجداد.
التضحية هي صانعة النهضة الوطنية لا سبيل غيرها حتي تُنال الأهداف الغالية.
إن أبناء المدرسة القانونية من قادة الوفد العريق يقدمون أحد أطواق النجاة بالسعي الي الاستقلال الاقتصادي ما وجدوا إليه سبيلا. هي خطوة وطنية صائبة ومحرجة ومحركة حتي وإن أجهضت مؤقتا بفعل الصلف الحكومي المغرض.
نقرأ لوطنيين مخلصين من شتي أطياف الاتجاهات السياسية وهم يرفضون ويستصرخون من أجل وقف بيع البنك لمستثمر استراتيجي أجنبي. نسمع في نفس الوقت أصواتا ترفض التغطية علي من أغرقوه وأفشلوه وأفسدوه.. أصواتاً تضج في شجاعة رافضة لان مصر ينبغي لها ان تكف عن كونها »لقطة« كما وصفها المناضل والصديق الكريم د. إبراهيم أباظة رحمه الله.
اليوم ونحن نشهد في كمد استمرار فصول المأساة ببيع الأصول التي يحتمي بها الشعب سندا لبقائه ولا نقول نموه أو نهضته. يطرح السؤال: هل يمكن أن يكون أسلوب البيع هو الوسيلة الوحيدة لسد العجز حتي لو كانت مصر كلها؟ بالطبع لا.. هل بيع الممتلكات والأصول، وهي سياسة ثابتة كما قال الأستاذ أمين هويدي، هل البيع يمكن أن ينقذ حتي علي مدي خمس سنوات فقط أو الحكومة الحالية؟ الجواب: لا.. لقد صرنا نهرول الي عمليات ترقيع قصيرة النظر تهدم ولا تفيد حتي القائمين عليها. نحن مع تصرفات خرقاء ضارة تبيع دون أن تسهم في حل أي مشكلة شعبية أو حتي حكومية!!
من هنا لابد ان يستدعي الشعب رغم ضعفه الذي تسببوا فيه.. أن يدخل الشعب المعادلة التي أغلقوها علي أنفسهم. تلك كانت البذرة التي ألقاها رئيس حزب الوفد.
إنه الشعب الذي حرم بفعل سياساتهم الفاشلة من الخبز والماء والعمل والأمان.. هذا الشعب هو الأقوي والأقدر. هذا ما صار يقينا في الضمير العام.