بدأت ملامح حلم إقامة خطّ حديدي يربط بين نيامي (عاصمة النيجر) وكوتونو (العاصمة الاقتصادية للبنين) تتشكل تدريجيا، بعد انطلاق الأعمال التحضيرية الشهر الماضي، لتحيي مجددا الآمال بتحقيق حلم أكبر يعود لأكثر من 80 عاما، ويتعلق بإنشاء خط للسكك الحديدية بطول القارة السمراء ينطلق من مدينة "كاب تاون" في جنوب افريقيا وصولا إلى العاصمة المصرية القاهرة، ويرتبط بخطوط حديدية اخرى تصل لكافة البلدان الإفريقية.. هذا الحلم، البريطاني المنشأ، يجب أن يتحول اليوم إلى مشروع استراتيجي لكل إفريقيا، حسبما صرح للاناضول الخبير الاستراتيجي البنيني "إيمانويل سيديغان". ومثّل إطلاق أشغال الخط الحديدي نيامي-كوتونو، يومي 7 و 8 أبريل/نيسان 2014 الماضي بحضور "بوني يايي" رئيس البنين و "محمود إيسوفو" رئيس النيجر، مناسبة للتطرق إلى التداعيات الإيجابية لهذا المشروع الذي وصف بأنه "واعد"، فيما يعتبر الخبراء خط نيامي-كوتونو والذي من المنتظر أن يمتد في مرحلة لاحقة ليربط واغادوغو (بوركينافاسو) بأبيدجان (كوت ديفوار) فيما يشبه الحلقة الحديدية، "حجرة أساس" لتحقيق "اندماج إقليمي حقيقي" في منطقتي الساحل وغرب إفريقيا. ويقدر "سيديغان" تكلفة المشروع الإجمالية ب 700 مليار فرنك إفريقي (1.46 مليار دولار)، وهو سيمثل حلّاً أولياً لمعضلة "السكك الحديدية للنيجر التي أصابها الاهتراء". وسبق أن صرح الوزير النيجيري للتهيئة الترابية "أمادو بوباكار سيسي" في هذا الاتجاه قائلا: "هذا القطار سيمكن من تخفيض تكاليف النقل والصيانة وسيمكن من تأمين التصديرات والاسترادات عبر تنويع المسالك و دعم استغلال الموارد المنجمية". "سيديغان" من جهته، قال معددا فوائد ما أسماه ب "الإنجاز الإفريقي": " الخط الحديدي الذي سيربط نيامي بميناء كوتونو سيمكّن النيجر من تنويع القنوات التي تخرج منها صادراته، وخصوصا الأورانيوم، نحو الغرب". ويشير الخبير إلى أن كلا البلدين سيتمكنان من الاستفادة من ذلك: " النيجر عبر تصدير إنتاجها من الأورانيوم، خاصة انه ليس لها منفذ بحري، والبنين بالحصول على المستحقات المرتبطة بعمليات المرور عبر مينائها" المطل على المحيط الاطلنطي. في المقابل، لن يكون الخط الحديدي "نيامي-كوتونو" بمثابة نهر طويل لا يعكر صفو مساره شيء. فللإنجاز بعض الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، والتي ينبغي أخذ احتياطات بشانها بحسب "سيديغان". إذ يلفت الخبير إلى أن "نقل مواد مثل الأورانيوم هي عملية لا تخلو من المخاطر . قد يتسبب حادث قطار ناقل لليورانيوم في أضرار كبيرة كون هذه المادة الكيميائية تحوي إشعاعات يتمتد تأثيرها على آلاف الكيلومترات". ويشير "سيديغان" على الصعيد ذاته إلى أن "القاطنين على مقربة من السكة الحديدة من الذين قد يعثرون على هذه المادة (في حال وقوع حادث) يدركون قيمتها المادية ولن يترددوا في حملها إلى بيوتهم ما سيتسبب حتما في موت عدة أشخاص" ويقول "إيمانويل سيديغان": "الأنكى من ذلك أن البلدان التي يعبر منها القطار ستكون هدفا للإرهاب العالمي، لأغراض صنع قنبلة نووية، لذا يتعين على الجميع أخذ الاحتياطات اللازمة والتنسيق على عدة مستويات لتلافي حصول هذه الأمور". على صعيد آخر، أعرب الخبير البينيني عن أسفه لاختيار رجل أعمال فرنسي لإنجاز هذا المشروع على حساب مستثمرين من البينين والنيجر ورجال الأعمال الأفارقة بصفة عامة. وقال "كنت أفضل رؤية رجال أعمال من البينين او النيجر أو آخرين من الأفارقة للإشراف على هذا المشروع. أبناء القارة أجدر من غيرهم للاعتناء بذلك. الأفارقة أولا، يأتي بعدهم الآخرون". وإذا كان حلم خط حديدي بين نيامي وكوتونو على وشك ان يتحقق، فإن حلما أكبر منه كان يراود قبل اكثر من ثمانية عقود البريطاني "سيسيل رودس (رئيس حكومة كاب تاون في جنوب إفريقيا خلال سنوات ال 1880 ومنشئ "بريتش ساوث أفريكا كومباني" وشركة الألماس "دي بيرس" والمتمثل في خط حديدي يربط كاب تاون بالقاهرة. يعلق الخبير "إيمانويل سيديغان" على هذه الفكرة قائلا إن هدف "رودس" من وراء هذا المشروع لم يكن خدمة الشعوب الإفريقية بل إنه يصب في مصلحة المستعمر (نقل السلع والمواد الاولية للقارة نحو أوروبا عبر الموانئ). في المقابل عندما "يتكفل أفارقة وطنيون بالأمر، يمكن لهذا الحلم أن يتحقق ويخدم التنمية الشاملة للقارة" بحسب رأيه. ويقول "سيديغان" :اليوم وقد "ارتفع مستوى الوعي واكتسب المسؤولون الأفارقة فطنة أكبر، سيكون للخط بين كاب تاون والقاهرة فوائد اقتصادية واجتماعية لا يرقى إليها الشك"، في المقابل لا يجب التغاضي عن الصعوبات التي أعاقت تهيئة الخط الحديدي بين كاب تاون والقاهرة، اولها مناخ المناطق التي يمر عبرها الخط (الصحراء والغابات الاستوائية) ، ثم العدائية التي قد يتسم بها الأهالي القاطنون على طول سكة الحديد. "سيديغان" يأمل أن يتمكن الأفارقة اليوم من تجاوز جميع هذه المعضلات وجمع التمويلات الضرورية لهذا المشروع الاستراتيجي من اجل تحقيق حلم رؤية الأفارقة يتنقلون بيسر عبر أدغال القارة السمراء.