عندما سئل الرئيس النيجيري، جودلاك جوناثان، مؤخرا إذا كانت إدارته تجري محادثات مع مسلحي جماعة "بوكو حرام" حول اختطاف عشرات التلميذات من ولاية بورنو (شمال شرق)، كان جوابه، بالنسبة للكثيرين صادما، إذ قال "الحكومة لا يمكنها التفاوض مع أشخاص مجهولي الهوية". ولكن بعض المحللين يعتقدون أن مثل هذه الحجة تكشف، بطريقة ما، "نفاق" الحكومة. وفي حديث لوكالة الأناضول، تساءل، "شيهو ساني"، أحد النشطاء البارزين في مجال الحقوق المدنية "كيف يقولون إن الجماعة مجهولة الهوية، في حين أنهم شكلوا بالفعل لجنتين للحوار معها؟". والعام الماضي، شكلت نيجيريا لجنة رئاسية للحوار مع جماعة "بوكو حرام"، لاقتراح سبل إنهاء حقبة الإرهاب التي بدأت إثر مقتل زعيم الجماعة الأيديولوجي ومؤسسها، محمد يوسف، عام 2009 أثناء احتجازه لدى الشرطة. وترأس هذه اللجنة التي قدمت تقريرها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وزير المهام الخاصة في نيجيريا كابيرو تانيمو توراكي. وفي مؤتمر صحفي عقده "توراكي" في أبوجا في يوليو/ تموز الماضي، قال إنه تحدث مع " نائب قائد (الجماعة) في بوكو حرام (لم يسمه)". وأضاف "أن هذا الشخص كان يتناقش معنا بمعرفة تامة وبرعاية زعيم بوكو حرام الإمام أبو بكر شيكاو". واستبعد "توراكي" أيضا احتمال أن لجنته ربما كانت تتعامل مع الأشخاص الخطأ. وصرح "توراكي" لوسائل الاعلام، آنذاك: "لقد تحققنا منه، مثلما تحققوا منا (عناصر الجماعة) أيضا، ولقد أدركنا أننا نتعامل مع الأشخاص الحقيقيين ومع القيادة الصحيحة للجماعة". ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من جانب "توراكي" على التطور الأخير الذي طرأ على الرواية الرسمية حول "بوكو حرام". غير أن "ساني"، الذي توسط ذات مرة في الحوار بين الحكومة، وجماعة "بوكو حرام" قبل فشله إثر اعتقال مندوبي الجماعة، لا يأخذ تلك المزاعم بشأن هوية "بوكو حرام" المجهولة على محمل الجد. وقال لوكالة الأناضول إن "هذه هي نفس الحكومة التي قالت إنها نفذت اعتقالات متكررة لأعضاء الجماعة، ووضعتهم قيد الاحتجاز". وأضاف ساخرا "من هؤلاء الذين يحتجزونهم؟ هل لديهم أشباح بوكو حرام هناك؟". ومضى ساني الذي أبدى استعداده للوساطة لبدء الحوار قائلا "نعم سأكون قادرا على القيام بذلك، ولكني سأطلب تدخل (وساطة) أشخاص على نفس القدر من الأهمية لهذه العملية". إلا أن ساني قال "أريد تدخل بعض رجال الدين في الشمال الذين سيساعدون في هذه العملية. لا أستطيع أن أفعل ذلك بمفردي، ولكن إذا طلبوا تدخلي (وساطتي)، سأفعل ذلك بالتأكيد". وفي المقابل، يعتقد المحلل السياسي النيجيري وخبير الشؤون العامة، دييغو أوكينيودو، أن حجة الحكومة بشأن الهوية المجهولة لبوكو حرام "متناقضة وفاشلة". وقال أوكينيودو لوكالة الأناضول "هذا لأنها (الحكومة) لديها بالفعل لجنة، ادعت أنها توصلت إلى نتائج في التفاوض مع بوكو حرام، وأعلنت أنها تحرز تقدما في المحادثات"، مضيفا أن "التذرع فجأة بالهوية المجهولة سيكون تناقضا". وأضاف "كيف يقولون إنهم مجهولي الهوية، بينما هناك عناصر من بوكو حرام محتجزين في عهدة الشرطة السرية ومختلف التشكيلات العسكرية، ما جعل وجودهم حقيقيا". ومضى قائلا "زعموا ذات مرة أنهم قتلوا أبو بكر شيكاو (زعيم بوكو حرام)، وهلم جرا، لذلك لا يمكنهم أن يزعموا أن بوكو حرام جماعة مجهولة الهوية". أما "ينوسا ياو"، وهو ناشط في مجال الحقوق المدنية وباحث في شؤون بوكو حرام، فيعتقد أن الجماعة والحكومة تبدوان ملتزمتان بالسلام. وقال في حديث لوكالة الأناضول، "أعتقد أن هناك مستويين لهذه القضية، الأول هو إذا كانت بوكو حرام مهتمة حقا بالتفاوض، من ثم كان ينبغي أن تشير بوضوح إلى قنوات اتصال مع الحكومة". واعتبر أنهم "إذا لم يفعلوا ذلك يبقون جماعة مجهولة الهوية". وقال "إذا التزمت الحكومة بالتفاوض، فيتحتم عليها إعداد آلياتها الخاصة، وأن تبحث كيف يمكنها التواصل مع الجماعة". وحث الحكومة على نشر تقارير لجنة "توراكي"، وتقرير سابق للجنة غالديماري. ورأى أنه "لاختبار مصداقية الحكومة بشأن ما تقول، فلنسمح لها أولا بنشر تقارير هذه اللجان"، على حد قوله. وأوضح أن "الشعب يحتاج إلى معرفة ما هي الأمور التي اكتشفتها اللجان أو كشفتها أو ما أوصت به، وعلى هذا الأساس يمكن مشاركة الحكومة". ومضى، ياو قائلا: "لكن كما هو عليه الآن، الأمر مجرد تكهنات بشأن ما قاله توراكي وآخرين، لأنه لم يجري الإعلان عن فحوى التقارير، ويبدو أن الحكومة لا تفهم حتى طبيعة ما تحاربه". واختتم قائلا: "أنت بحاجة إلى فهم طبيعة ما تقاتله حتى تكون قادرا على تطوير استراتيجية فعالة للتغلب عليه". وبلغة قبائل "الهوسا" المنتشرة في شمالي نيجيريا تعني "بوكو حرام" "التعليم الغربى حرام"، وهي جماعة نيجيرية مسلحة، تأسست في يناير/ كانون الثاني 2002، على يد محمد يوسف، وتقول إنها تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا، حتى الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية. وحافظت جماعة "بوكو حرام" على سلمية حملاتها -بالرغم من طابعها المتشدد- ضد ما تصفه ب"الحكم السيئ والفساد"، قبل أن تلجأ عام 2009 إلى العنف، إثر مقتل زعيمها محمد يوسف، أثناء احتجازه لدى الشرطة. أعده للنشرة العربية أحمد محمود