إسرائيل تسرق قصص الكيلاني للطفل .. ونجله: لا ضرر ! محيط – السيد حامد رشاد كيلاني قرصنة إسرائيلية جديدة على تراث العرب؛ حيث أعلن مؤخرا عن مركز دراسات في تل أبيب باسم رائد أدب الطفل الراحل كامل الكيلاني، بزعم أنه من اليهود الذين عاشوا في مصر بحي عابدين، وهو محض تزوير بحق أول من فكر في الكتابة للطفل والذي استقى معاني قصصه الشهيرة من التراث العربي والإسلامي .. في السطور التالية لقاء أجراه "محيط" مع "رشاد" نجل الكاتب للوقوف على أغراض المركز وكذا سر اختيار الكيلاني والذي سبق وترجمت كافة قصصه للعبرية ! محيط: ما حقيقة المركز الإسرائيلي؟ - بالمصادفة عثر ابن أخي أمين، والذي يدير مكتبة الكيلاني في وسط البلد, على موقع مركز إسرائيلي لقصص الكيلاني للأطفال، وخاف أن تستولي على تراث والدانا الراحل, فتحدث مع الكاتب بلال فضل مقدم برنامج "عصير الكتب" لينقل للرأي العام هذا الخبر خاصة أن إسرائيل زعمت في الآونة الأخيرة أن الكيلاني يهودي يعيش في حي عابدين, وهو حي كان يسكنه اليهود . وقد اختاروا كامل الكيلاني لأن قصصه نالت إعجاب النشء الصغير عندهم، فترجموا قصصه للغة العبرية قديما ضمن محاولة إحياء هذه اللغة التي كانت مهجورة .. لكني لا أخشي من المركز أو ترجمة الكتب للعبرية. محيط : ما سر عدم خوفك من ترجمة القصص بإسرائيل؟ - لأنني أرغب في أن يعرف العالم كله تراث الكيلاني، بما في ذلك إسرائيل، وقد سبق وترجمت دول عدة قصص والدي وأقامت ليبيا مركزا خصيصا لكتبه. محيط: لكن ليبيا دولة شقيقة وإسرائيل عدو؟
- لا أرى أن هناك ضررا من أن تترجم إسرائيل القصص، فهي دولة تترجم 15 مرة ضعف الدول العربية مجتمعة، واليهود عموما أذكياء يعلمون ما يقدمون عليه بدقة ويعرفون كيف يحصلون على المال، وقديما كان يكفي أن تفتح دكانا أو مكتبه لتجد اليهود قد وضعوا فيها بضاعة بمائة ألف جنيه, ويكون مكسبك من فارق السعر, وكأنك تعمل لديهم. من أعمال الكيلاني محيط: هل كتب الكيلاني محصورة في الطفل؟ - لا بالطبع، فقد كتب للكبار أيضا، وجال في ميادين الأدب, وقد كتب عن محنة الإسلام في الأندلس، وهو أول من حقق ديوان "بن زيدون"، وفي مقدمته استعار أبيات لشوقي يقول فيها: يا ابن زيدون مرحبا قد أطلت التغيبا/ أنت في القول كله أجمل الناس مذهبا/ شاعرا أم مصورا كنت، أم كنت مطربا؟/ ترسل اللحن كله مبدعا فيه مغربا محيط: متى اتجه الكيلاني للكتابة للطفل؟ - حينما كان عمره 6 سنوات، كانت القصص يشعر أنها تافهة سطحية وليس لها قيمة أدبية، فضاق بها ذرعا, وقال له أحد الزملاء يوما متندرا " اذهب فألف مثلها ؟!" , فرد الكيلاني: عندما أكبر سأكتب أفضل منها . وقد حقق ما قال , وساعده على ذلك خياله الخلاق ؛ حيث استفاد من القصص التي كان يرويها له بائع البسبوسة الذي كان يقف على أول شارع بيته, كما انتفع أيضا من مربية يونانية كانت تحكي له حكايات وأساطير يونانية. وحينما بلغ الكيلاني سن الثالثة عشر, قرأ قصة "سيف بن ذي يزن" , فأعجب بها واختار منها فصلا من الفصول وأخرجه في شكل قصة بعنوان "سيرة الأمير صفوان وما حصل له بالتمام" , وذهب بقصته مع صديق إلي صاحب مكتبة تجارية , وكان رجل عظيم ينشر للعقاد وطه حسين , وعندما قرأ القصة نالت إعجابه وسأل عن مؤلفها , فقال الكيلاني : أنا .. فنظر إليه صاحب المكتبة باستغراب لأن الكيلاني كان قصير القامة , وصفه أحمد بك شوقي بأنه "مثل عقرب الثواني .. قصير لكنه منتج .. سريع الخطي يأتي بدقائق الأمور". محيط: كم عدد القصص التي كتبها الكيلاني ؟ - ما يقارب 200 قصة ، وأذكر هنا أن "الدجاجة الحمراء" هي أول قصة للكيلاني أصدرها له إلياس أنطوني, صاحب "القاموس العصري". وعندما مر الكيلاني على مكتبات الفجالة, وجد أن أصحاب المكتبات لا يعرفون شيئا اسمه قصص أطفال, وإنما يعرفون شئ أسمه كتاب مدرسي، فعرض فكرة كتابة قصص للأطفال على الياس الذي اقتنع بالفكرة وأخرج للكيلاني أربعة قصص :"الدجاجة الحمراء" , "أم الشعر الذهبي" , "بدر البدور" و "العلبة المسحورة "، وكل مجلد يشتمل على عدد من القصص التي تتراوح ما بين 7 أو 10 بالصور الملونة , تبذل فيها جهد خارق. محيط : هل التفتت وزارة التربية والتعليم لأدب الكيلاني؟ - أعتقد أن قصة واحدة هي التي تم تدريسها وهي " حبيب الشعب", وأتذكر أن الوزارة طلبت من والدي تخفيف أسلوب القصة لكنه رفض؛ فقد كان معتزا بأسلوبه, فطلبت منه أنا قبل وفاته القيام بتبسيطها لتلائم أطفال المرحلة الابتدائية. محيط : بماذا تفسر أن قصة واحدة هي التي تم تدريسها؟ - في حديث أجري مع الكيلاني قام به الصحفي إسماعيل الحبروك قبل رحيل والدي بثلاثة أيام فقط ، وهو منشور بنصه في كتاب "كامل الكيلاني في مرآة التاريخ" ، قال الكيلاني أنه لم ينل جائزة واحدة في حياته , لأنه كان جادا في بلد لا يكرم العلم والعلماء والأدباء , وأنه لو كان مهرجا لنال التكريم. محيط: هل كان ذلك يحزنه؟ كامل الكيلاني - لم يشعر بالحزن, بل على العكس كان ذلك يولد فيه طاقة للإنتاج، رغم أن صحته كانت ضعيفة ، وقد كان مهموما باللغة العربية وحاول إحيائها، وقد أخرج "ألف ليلة وليلة" ونقاها من الكلام الفاحش والجنسي، وقد اعتاد أن يضيف للقصص التي يختارها ما يسمي ب"الإكسير الكيلاني" ؛ يحذف أشياء , ويضع أشياء تصلح للطفل. في قصة "ألف ليلة" تقول القصة الأصلية بأن شهريار خرج إلي رحلة صيد , فلما عاد فجأة وجد زوجته في حضن عبد أسود، أما الكيلاني فكتب : زوجة شهريار اسمها " بهرمة " أي زهر الجمال , ولم يكن اسمها مطابقا لأخلاقها ؛ فقد أبي عليها لؤم طبعها وخبث سريرتها إلا أن تغدر بزوجها ، لم يذكر الكيلاني أي شئ عن الخيانة والعبد الأسود لطفل صغير. وكان الكيلاني واسع الإطلاع يقرأ كل ما يصدر، وقد اختار من الأدب الهندي خمس قصص قصيرة إلي جانب أعظم ملحمتين , هما " الرامايانا" , نسبة إلي راما البطل الهندي المعروفة , وحولها إلي قصة "صراع الشياطين" , وملحمة " المهابهاراتا "وحولها إلي قصة صراع الأخوين ، وقد عربهما بصورة لائقة بالطفل وحذف الكلمات التي تخدش الحياء ، ويجري حاليا العمل لإخراجهما بلغات عالمية. وبالمناسبة لم يكن الكيلاني يجيد اللغة الهندية, ولذا قرأ ترجمة القصص باللغتين الإنجليزية والألمانية اللتين كان يجيدهما . محيط: كيف كانت طريقة الكيلاني في التأليف ؟ كان يقرأ ترجمة القصة باللغة التي يعرفها, أو يطلب ترجمتها إذا كانت بلغة لا يعرفها، ويفاضل بعدها بين ترجمات القصة ثم يضيف عليها الطابع الكيلاني وهو ما عمله في أحد اهم الكتب العالمية مثل "جليفر في بلاد الأقزام" وغيرها . وعندما ترجم شكسبير , لم يجد في "أوديب" أو "عطيل" أو غيرهما من أعمال الكاتب الإنجليزي ما يصلح أن يعرضه على الطفل , فاختار أربع قصص بعينها هي : "الملك لير , تاجر البندقية , يوليوس قيصر , العاصفة"، وأجرى على تلك القصص عملية تهذيب وتنقيح ، حتى أن خليل مطران كتب ذات مرة : "إنك لا تدرك ما يبذله الكيلاني من جهد إلا حينما تطلع على أعمال شكسبير التي ترجمها , حيث ستجد جهده في الترجمة والتقديم والعرض يوازي جهد شكسبير ".
ولما أحسن عرض قصة "العاصفة" اختارتها محطة الإذاعة البريطانية في الخمسينات لتترجمها، وكان الكيلاني يطمح في ترجمة قصصه الأخرى، ونقلت هذه الرغبة منذ 10 سنوات إلي الدكتورة ثريا ابنة الأستاذ مهدي علام أستاذ الأدب العربي، فقالت : هل سنبيع المياه في حارة السقاءين ؟، فقلت : نعم ؛ لأن ماء الكيلاني سلسبيل لا يبتغي بها إلا الإصلاح ، وبعد ثلاث سنوات قررت ترجمتها حينما تأكدت أنه يخرج اللفظ الخارج من قصصه، وقالت : تصور أن شخصية "كليبان" في قصة العاصفة , يقول عليها شكسبير أنه ابن زني , لكن الكيلاني يقول عنه انه "متبني " وأنت تعرف يا حاج رشاد أن الأدب الإيطالي يعد المصدر الأول لثقافة شكسبير , وهذا الأدب كله ملئ بالبذاءات . محيط : هل ترجمت كتب الكيلاني في حياته ؟ - ترجمت بالفعل إلي لغات عدة, فقد كان يطلع الغرب على ما يفعله في القصة من عملية تنقيح . محيط : متي تنبهت وزارة التعليم إلى كتب الكيلاني ؟ - بعد وفاته بفترة قررت الوزارة بعض قصصه على طلاب المرحلة الابتدائية ومنها قصة "شجرة الحياة , الأمير المسحور , بساط الريح , مغامرات لولو .. وكان آخرها قصة علاء الدين والتي قررت من 1991 وحتى 1996 , وفي كل سنة كانت تطبع مليون ونصف المليون نسخة. وقصة "حبيب الشعب" تم تدريسها لمدة 12 سنة , وكل عام تطبع نصف مليون نسخة، ولكن بعد ذلك هل يصدق أحد أن مجموع المكافأة التي حصلنا عليها من 6 مليون نسخة كانت 200 جنيه !! تم خصم 48 جنيه منها ضرائب , فحصلنا على 152 جنيه !!! محيط: لماذا هذا الظلم ؟ - ما حدث معنا يبين لماذا تأخرت الثقافة في مصر؛ ففي عهد الملك فاروق , كانت هناك لجنة تقوم بتقييم الكتاب الذي يقع عليه الاختيار لتدريسه على طلبة المدارس , وتقرر اللجنة أن كل خمسة قروش يكون هناك 3 قروش للمؤلف والناشر . أي تقريبا 60 % من التكلفة الأصلية للكتاب , ولهذا السبب كان "على حسن" , شيخ الناشرين وصاحب مكتبة الآداب يحصل على ربح من الكتاب واحد أكثر من 10 آلاف جنيه في العام. لكن لما جاءت الثورة , تباري "الشطار" في إيذاء الناشرين , حتى عزف الناشرون عن النشر والابتكار . ففي عهد الملك كانت المكتبات تنافس وتبتكر , لكن لما هاجمت الثورة الرأسمالية هاجمتها أيضا في الثقافة , حتى أن وزير المالية أصدر قرارا جائرا للمطابع , قرار رقم 1 لسنة 1967, والذي قضي بحظر الطبع في مطابع القطاع الخاص ثم عدل ليضعها في ذيل القائمة، واليوم في زمن بطرس غالي أصبحنا أيضا نعاني, حيث أصبح المطلوب منا أن نورد الكتاب كاملا لوزارة التربية والتعليم , "ثم ينشف ريقك" حتى تحصل على شيء من مستحقاتك .