العرب ليسوا بحاجة ل"رقيب الكتب" .. والفضائيات تحتاج لوقفة محيط – رهام محمود سلوى اللوباني " أنت تفكر .. إذن أنت كافر!" كتاب جديد يحمل عنوانا صادما ، عبرت مؤلفته الصحفية الأردنية سلوى اللوباني عن شيوع ظاهرة أسمتها ب"التطرف والإرهاب الفكري" بحق المبدعين والكتاب العرب والذي يصل إلى تكفيرهم أو إهدار دمهم ، بدلا من مناقشة أعمالهم بموضوعية والرد على الفكر بالفكر . والكتاب بمجمله يحوي مقابلات للمؤلفة مع كتاب ومبدعين تطرقت لقضايا ثقافية حيوية ، منها مسألة تحول بعض الكتاب لنجوم وبعض الكتب قليلة القيمة للأكثر رواجا ومبيعا بفضل آلة الإعلام والدعاية ، ظاهرة تناول الجنس في الرواية السعودية ، قضية الرقيب الغائب عن الفضائيات الحاضر في كل ما يخص الكتاب ، وأزمة حرية التعبير ، كما تطرقت لريادة مصر الثقافية وهل هي مازالت حقيقة أم لا .. وتحمل السطور التالية آراء المؤلفة فيما تضمنه كتابها في حوار أجرته معها شبكة الإعلام العربية "محيط". محيط : ما الذي دفعك لتقديم كتاب عن مشكلات المبدعين العرب؟ ناقشت مشكلات المبدعين العرب على مدى سنوات من خلال كتابة بعض المقالات، التحقيقات أو الاستطلاعات التي أجريتها، وجمعتها في كتاب حرصا مني أن لا يضيع هذا الجهد وينتشر بنطاق أوسع ويتم تفعليه أكثر. وعندما بدأت بمناقشة مشاكل المبدع العربي كان قد كثر عدد المتهمين بالكفر من المثقفين والمبدعين المصريين والعرب، مما اضطر البعض إلى ترك وطنهم والإقامة في المنفى، هرباً من التطرف والإرهاب الفكري الذي يمارس ضد إبداعهم وضدهم شخصياً بالدرجة الأولى. إضافة إلى مشكلته الثانية وهي الرقيب الذي خلخل الموازين فكبل إبداعه ولجم حريته في التعبير عن آرائه مقارنة بغياب الرقيب على الفن الرديء الذي تمتلئ به شاشاتنا! محيط: ما ملامح حرية التعبير التي تنشدينها بالكتاب ؟ كل ما من شانه أن يعيد للمبدع العربي مكانته في المجتمع، كل ما من شأنه أن يلغي دوره كمشاهد ويعود كمؤثر في المجتمع، تناولت في مشكلة الكتاب الأولى التكفير، ثم الرقيب، وتسول العلاج لمرضه، تعرضه للسجن أو الاعتقال، غياب دور الإعلام العربي بالترويج له بطريقة صحيحة فعالة، مساعدته للوصول للعالمية من خلال نصوصه الأدبية وهذا يحتاج إلى دعم حكومي ومؤسساتي مشترك وغيرها من الأمور. محيط: هل هناك كتابات يمكنها حقا تدمير بنية المجتمع الدينية أو القيمية ؟ أقول دائما بأن الأدب قيمة جمالية، وليست منشورا سياسيا أو دينيا، الأدب بكل أنواعه يرتفع بالذوق العام للمجتمع، هناك وسائل أخرى تساعد في تدمير بنية المجتمع الدينية أو القيمية، هناك بعض الخطب في المساجد تشجع على الطائفية والعنصرية وإلغاء الآخر، وكأننا أفضل من غيرنا بكل شيء، كما هناك محطات فضائية متخصصة في التشجيع على العنف والتفجير، وأخرى على الطائفية، وغيرها على بث الفن المبتذل الرديء. الغلاف محيط: كثيرا ما يكون الرقيب مدعوما من الرأي العام حينما يتعلق الأمر بحماية القيم .. كيف تنظرين لذلك ؟ عزيزتي سؤالي هو: من هو هذا الرقيب الذي تقوم الناس بدعمه؟؟ يقال بأن هناك لجنة من المتخصصين في كل وزارة إعلام أو ثقافة في كل بلد عربي مسئولة عن قرار منع الكتب، وأن كل رقيب في هذه اللجنة له تخصص مختلف- أدبي، سياسي، ديني، إعلامي وغيره!- ولكن أليس من الأفضل لو تعرفنا على هؤلاء الأشخاص وعلى تخصصاتهم! وما هو مستوى تعليمهم وثقافتهم بكل فروعها! ومن الذي قرر تعيينهم وبناء على ماذا؟ وما هي المعايير التي يستندون إليها عند منع كتاب! وهل من المحرمات مناقشة هذا الرقيب في قراراته؟ سؤالي الثاني: هل المجتمع قاصر ويحتاج إلى رقيب له لحماية دينه وقيمه؟ محيط: كيف نضمن الحياة الكريمة للمبدعين والمثقفين العرب ؟ بدلا من أن تخصص وزارة الثقافة أو إتحاد الكتاب في أي دولة عربية أموالاً طائلة على المؤتمرات والندوات والجوائز التي لا حصر لها ولا نفع منها، لماذا لا تهتم بموضوع علاج الأدباء أولاً، وخصوصاً من الذين أثروا الساحة الأدبية بإبداعاتهم لسنوات طوال. بالإمكان تخصيص صندوق مالي خاص لعلاجهم، صندوق يشترك بتأسيسه رجال الأعمال والمؤسسات الثقافية، تسن له القوانين والأنظمة حتى لا تتكرر حملات جمع التبرعات أو مناشدة رئيس لعلاج أديب بسبب عدم قدرته على دفع تكاليف العلاج، هذه الحملات والتي تأخذ وقتاً طويلاً لجمع تبرعات تكلفة عملية، وأيضا دعم المبدع من خلال منح التفرغ، فكلنا نعلم بأن الكتابة لا تعد مصدر رزق ولا يمكن للكاتب الاعتماد عليها، أما بالنسبة لدور المبدعين أنفسهم عليهم أن يقوموا بفعل جاد، بمبادرة جادة للحصول على هذه الحقوق. محيط: تحدث إليك مثقفون بالكتاب حول تراجع ريادة مصر الثقافية .. ما معالم هذا التراجع ؟ طرحت السؤال على مجموعة من المثقفين في مصر وخارجها حيث كثرت في الآونة الأخيرة الانتقادات حول هذا الدور وواقعه وأهميته وهل هناك تراجع وما هي أسبابه؟ واجمع الكل بإن دور مصر الثقافي لم يزل محتفظ بريادته بالرغم من كل الظروف الصعبة المحيطة به وخصوصاً الهجمات التي يتلاقاها من أوساط منغلقة داخلية ومن تجاهل خارجي . أما التراجع فيمكن أن نعتبره حاصل محصلة تاريخية، مقارنة بسنوات نهضة مصر الكبرى التي استمرت قرناً كاملاً، علماً بأن ثمة تفوق سكاني كبير ، فمن ضمن أسباب تراجع الريادة المصرية الثقافية هو قتل الحريات باسم الإرادة واعتماد الكم على نوعية التكوين واعتماد الثقافة الشعبية على حساب النخب، وتراجع كثير من القيم المدنية التي خلقتها النهضة، وولادة تيارات الانغلاق . وكذلك كم الأخطاء التي ارتكبت في السياسات التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات المصرية، وتخريج الآلاف من المتعلمين للقراءة والكتابة من دون الاعتناء بالمثقفين، وكثرة الصحافيين والإعلاميين ومثقفي السلطة على حساب المثقفين الأحرار، وتقييد الحريات، كلها عوامل ساهمت في التراجع الثقافي بمصر، ومنهم من رأى أن مصر ركنت إلى استمرار الدور الريادي رغم ظهور منافسين حقيقيين نتيجة التعليم وانفتاح العرب على العالم في عصر الاتصالات والفضاء والتعليم التقني. وانفتاح الثقافة العربية تماساً وتعليماً على النظريات الأدبية الغربية والتقنيات والأساليب الحديثة في الآداب والفنون، وفي الإعلام والإنتاج السينمائي والتلفزيوني. محيط: لماذا يعجز الرقيب عن ملاحقة الفضائيات بينما تطال يداه كل ما هو مكتوب؟ لأنها ثقافة موجهة من عدة أطراف، فما نشاهده على التلفزيون أكثر بكثير مما نقرأه في الكتب والروايات التي يدعي الرقباء أن نصوصها كفر أو مدعاة للفساد أو مثيرة جنسياً وتلحق الأذى والضرر بالمجتمع! ومع ذلك شروط الرقابة تسري فقط على أي ناشر ليسلم عدداً من نسخ مطبوعاته لوزارة الثقافة والإعلام حتى يحصل على موافقة النشر والتوزيع؟ بينما لا تسري هذه الشروط على الأغاني والفيديو كليب؟ هذه الثقافة الموجهة هدفها إحداث خلل ثقافي وفكري كبير من خلال تقييد الكتاب والمثقفين من الكتابة بحرية وبالمقابل إطلاق الحرية لبعض – الأشخاص- بتأدية أغاني تحمل كلمات أقل ما يقال عنها رخيصة وأيضاً فيديو كليب أرخص! محيط: طرحت مسألة غياب الكتاب العربي عن العالمية.. ما السبب برأيك ؟ لم اقل غياب الكتاب العربي عن العالمية، فهناك كتب انتشرت عالميا للعديد من الكتاب مثل نجيب محفوظ وإبراهيم الكوني وغيرهم، وأود أن أذكر هنا بأنه من أحب الاستطلاعات لدي التي قمت بها فقد استمتعت جدا بقراءة التنوع في الآراء ومناقشة ما ذكره الراحل محمد شكري الذي يعد من أبرز الروائيين المغاربة وأيضاً من أكثر الأدباء جدلاً ، وقد ترجمت أغلب أعماله إلى العديد من اللغات العالمية. قال في كتابه "غواية الشحرور الأبيض" أن معظم أدبنا العربي ما زال خاصاً بناً ولم نستطع أن نجعله أدباً عالمياً إلا القليل، فهو أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير". تنوعت الإجابات إلا أنها اتفقت بأن الإمعان في المحلية والتركيز على القضايا التي تهم العالم العربي يؤدي إلى العالمية. ومنهم من يرى أن العرب شاركوا ويشاركون بفعالية في رسم المشهد العالمي للإبداع. والبعض يرى صعوبة وصول الأدب العربي إلى العالمية بل هو درب من دروب الخيال في ظل غياب صناعة كتاب أدبي. إضافة إلى صعوبات عديدة تواجه الإبداع العربي مثل النشر والترجمة، فهناك إبداعات عربية ما تزال لم تجد الفرصة للقاء مع القراء في اللغات الأخرى. كما تطرقت بعض الآراء إلى الأنظمة السياسية والثقافية والدينية التي تقيد إبداع الأديب العربي فيمكن لشخص من القطب الشمالي أن يقيم دعوى على الأديب العربي ويفصله عن زوجته، وقد يحجز على ممتلكاته أو ينفيه من بلده أو يسجنه لمجرد طرحه فكرة مغايرة لفكرته. محيط: رأيت في كتابك أن الرواية السعودية تضج بالمشاهد الجنسية.. كيف؟ اكرر هنا هذا ليس رأيي بل ما كتب في الصحف عن انتشار المشاهد الجنسية بالرواية السعودية، ولكن أوضح بأنها ليست حكرا على الرواية السعودية، فهناك العديد أيضا من الروايات العربية الأخرى التي تضمنت مشاهد جنسية فجة لا تخدم النص الأدبي ولا بأي شكل، بل كانت من أجل الشهرة فقط، واعتقد بأن هذه الموجة قد هدأت والقارئ الواعي قادر على انتقاء الأدب الراقي. محيط: ماذا يشغلك حاليا ككاتبة ، وما هو جديدك؟ يشغلني بالطبع مسألة عودة المكانة التي تليق بالكاتب العربي، سواء من خلال الكتابة عن نشاطاته الثقافية وعن إصداراته أو الالتقاء به في حوار، ما أقوم به اعتبره جزء من قضيتي الأولى وهي المعرفة والثقافة التي نحن بأمس الحاجة إليها في جميع مناحي حياتنا. احضر لإصدار كتاب يحتوي مجموعة من اللقاءات التي أجريتها مع العديد من المبدعين من مختلف الدول العربية، كما أقوم بمشاركة الكاتب والشاعر عبد اللطيف جبارة في مبادرته الجميلة بتأسيس اتحاد الكتاب العرب والمسلمين الذي قام مشكورا بتأسيسه بعد أن قرأ ما طرحته من أفكار تخص المبدع العربي، وقد ترجم موقع الاتحاد إلى اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة العربية، كما سيقوم بتأسيس مكتب له في عدة بلدان عربية وأجنبية.