محيط – مي كمال الدين جانب من الندوة " الكتابة هي البقاء موصولا بهذه الرحلة الأولى ، الكتابة غياب ، وربما بعد مس بلاد متوحشة خطيرة متخيلة ولعا بالأنهار الحقيقة غير المحتملة، الكتابة ضجيج إنه أمل غير ذي بال أن يخلف هذا الضجيج صدى ، ومع ذلك أضع نفسي بجانب أولئك الذين يعانون أكثر ، لأنه يبدو لي أن الكتّاب يعلنون معاناتهم من العالم بدرجة ربما أكبر من رغبتهم بتغييره " ، كلمات قالها أديب نوبل الفرنسي لوكليزيو بعد رحلة لأفريقيا ، والذي شهد معرض القاهرة الدولي أمسية لمناقشة أعماله. وقد عقدت مائدة مستديرة حول الكاتب الفرنسي جان ماري جوستاف لوكليزيو الحاصل على جائزة نوبل للأداب عام 2008، وذلك بمناسبة صدور روايته "الحوت" باللغة العربية عبر المترجمة إيمان رياح، ونشرتها الهيئة العامة المصرية للكتاب، و شارك بمناقشة الرواية كل من المترجم والناقد فتحي العشري، والمترجمة إيمان رياح، بينما أدارها الإعلامي والمترجم أيمن عبد الهادي . وقال عبد الهادي أن الكاتب الفرنسي لوكليزيو يمثل حالة متفردة ما بين الروائيين الفرنسيين المعاصرين، كتب أولى أعماله "المحضر" وفاز عنها بإحدى الجوائز الفرنسية المرموقة، كما كانت له قبل ذلك عدة كتابات تأملية، وللكاتب أصول موريشيوسية وقضى بالجزر الموريشيوسية فترة من حياته، كما عاش بفرنسا وذهب إلى إفريقيا حيث كان والده يعمل كطبيب في الجيش البريطاني في المستعمرات الإفريقية، وقد تأثر لوكليزيو كثيراً بعلاقته بوالده حيث لم تكن تربط بينهما العلاقة القوية والعاطفية التي تربط بين الأبن والوالد عادة وهو ما اثر في مسيرته الإبداعية حيث ترجم ذلك في واحد من أهم أعماله وهو "الإفريقي" والذي تحدث فيه عن والده. كما أضاف عبدالهادي أن لوكليزيو يعد كاتب إشكالي متفرد تضمنت مسيرته الإبداعية عدة أعمال متنوعة فقد كتب القصة والرواية كما قدم عدد من الأعمال للأطفال، وترجم عدد من أعماله للعربية منها كتاب "الصحراء" عن دار المستقبل العربي، وترجمت له وزارة الثقافة السورية "سمكة من ذهب"، كما انتقت سلسلة الجوائز التابعة للهيئة العامة للكتاب أحد الأعمال الهامة له وهي "الحوت" كما تسعى لترجمة أكثر من عمل له منها "ثلاث مدن مقدسة"، "صحراء"، "الحوت"، "سمكة من ذهب"، وتقع بعض أعماله قيد الترجمة ومنها "الباحث عن الذهب" والتي يعكف على ترجمتها فتحي العشري، والمجموعة القصصية "الدائرة وحوادث أخرى" والتي يعمل على ترجمتها ايمن عبد الهادي. "حوت" لوكليزيو وعن قصة "الحوت" قالت مترجمتها إيمان رياح أن فيها ينتقد لوكليزيو الحضارة الغربية وهي مادية سطحية استهلاكية تهمش الأخر وتصل لنوع من التوحش الانساني، كما يصور فيها قسوة وفظاعة الإنسان. وعلى الرغم من تميز أسلوب لوكليزيو في الكتابة ببعض الصعوبة، إلا أن لغته جاءت واضحة وسلسلة وهادئة تشتمل على بساطة خادعة حيث تختزن انفعالات قوية جدا، ففي هذه القصة يتكلم الكاتب عن التوحش الإنساني تجاه الطبيعة ومخلوقاتها المسالمة وتمثلها هنا "الحيتان الرمادية" والتي يكتشفها الإنسان في المياه الدافئة في خليج المكسيك حيث تصل إليها في إحدى فترات السنه من المياه الباردة من القطب الشمالي لتتزاوج وتضع صغارها، وعندما يكتشفها الإنسان يرتكب في حقها مجزرة ومذبحة دموية بشعة. ويعمل لوكليزيو في هذه الرواية إسقاط على بشاعة الإنسان ليس ضد الكائنات المسالمة فحسب ولكن بشاعة تعامل السكان البيض وهم السكان غير الأصليين للقارة الامريكية تجاه الهنود الحمر. وهنا يصور الكاتب مجزرة ولكن بلغة ناعمة وهادئة بلا انفعالية ويعد هذا احد الاعمال الممتعة لولكليزيو وأحد أعماله التي تصل إلى درجة من التعقيد، لا يعرف المترجم من خلالها كيف يفتح النص. وتؤكد إيمان رياح أنه على الرغم من كون لوكليزيو أوروبي الجنسية ولكنه يأتي على طرف النقيض حيث يرى أن الغرب آخر ، فعلى الرغم من كونه فرنسي ولكنه لم ينس أن الغرب استعماري في الأساس. من أقوال لوكليزيو" أنا أيضا مكدر مصاب، انتمي للغرب الاستعماري هذا لاشك فيه، أسرتي استعمرت مورشيوس نهاية القرن الثامن عشر تعلق الأمر بالاستعمار الإنجليزي لكن الأمر كان نفسه بالتأكيد، ثمة مناصرين للرق بين أسلافي، جيلي لم يستعمر طبعا ولكنه كان شاهد عليه لأخر لحظة في الجزائر والمغرب وأفريقيا الغربية في كل مكان في العالم، من هذا من الشعور المتمثل في انتمائي لهذه الجماعة البشرية التي ابتكرت هذا الاغتصاب ولد عندي الاستحواذ الخاص لهذا الفصل من التاريخ". ولوكليزيو لم يغفر هذا الاستعمار للغرب، وجاء هذا التمثيل الرمزي والأدبي في هذا الموضوع من خلال قصة"الحوت" التي صور بها القبطان الذي يقود مجموعة من البحارة والذين عندما وجدوا الحيتان أرتكبوا بها مجزرة وحشية ودموية، وجدير بالذكر أن لوكليزيو يأتي على رأس الكتاب الذين تعاطفوا مع العرب والأخر العربي المهدر حقه. واختلف أيمن عبدالهادي مع إيمان رياح في أن لوكليزيو كان يحب السفر أو التحرك كثيراً حيث قال أنه سافر إلى البلدان التي خدمته في الكتابة فمما قاله "أنا لا أسافر فعلا لا أبحث عن الاغتراب لا أحب فكرة الذهاب لمكان مهما كان حيث انظر حولي أو أدون ملاحظات اشعر بالأحرى وكأني فرد يحاول أن استقر في مكان ما ولكنني لا اصل إليه بالفعل، عندما اذهب إلى مكان أو أخر يكون ذلك من أجل غرسي فيه في كل مرة أحاول أن اتكيف معه واكتسب عادات". كتابة فريدة أما فتحي العشري، وهو صحفي بالأهرام وله عدة مؤلفات نقدية وفكرية وترجمات هامة منها رواية لوكليزيو " الباحث عن الذهب " والتي مازلت قيد الترجمة، فرأى أن أسلوب لوكليزيو ممتع وصعب ، وهو عاشق للطبيعة ، الشمس والصحراء والبحر وجاءت واحدة من رواياته الهامة حاملة عنوان "الصحراء". وأوضح أن من الصعوبات التي قابلت الترجمة هو وضعها في مكانة أقل من غيرها ففي الماضي كان البعض يظن أن المبدع هو من يكتب رواية أو مسرحية أو قصيدة وكانوا يعتبروا النقاد من الدرجة الثانية والترجمة من الدرجة الثالثة، ولكن من وجهة نظر العشري أن كل منهم هو نوع خاص من الإبداع فكل قلم يكتب هو إبداع خاص به .
إيمان رياح اما الباحثة السياسية والمترجمة إيمان رياح، صاحبة ترجمات عربية لثلاثية الكاتب الجابوني جان ديفاسا نياما "صخب النيران"، فأوضحت أن لوكليزيو وقع الاختيار عليه في 1994 كأفضل كاتب فرانكفوني على قيد الحياة في استفتاء أجرته إحدى المجلات الفرنسية المهتمة بالكتب والإصدارات، ويعد لوكليزيو واحد من الكتاب القلائل الذين كانوا مشهورين قبل الفوز بجائزة نوبل وترجمت أعماله لعدة لغات قبل أن يأخذ جائزة نوبل . وتابعت أن لوكليزيو يتمتع بفرادة الأسلوب فيستحيل تصنيفه أو وضعه في مدرسة أو تيار أدبي معين من قبل النقاد، ففي بداية مشواره في الستينات مع رواية "المحضر" الصادرة عام 63 كان متأثرا بالمنحى التجريبي للرواية الجديدة وكان في نفس الوقت متأثراً بالمدرسة الوجودية ومن أبرز ممثليها ألبير كامو، وكان يوجد تماس مع هذه القضايا التي تتناولها وتناضل من اجلها هذه المدرسة وتماهى أسلوبه مع أسلوب الرواية الجديدة ومن أبرز أعماله التي تمثل هذه المرحلة "الحمى" و"المحضر" و"الهروب"، وفي هذه الفترة عرف ككاتب متمرد غاضب ثائر منشغل باللغة مثل اغلب كتاب الرواية الجديدة. ثم في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينات قدم رائعته "الصحراء"، حيث عبرت هذه الفترة عن قطيعة مع المنحى الروائي السابق ليؤسس لمرحلة جديدة في مشواره الإبداعي فابتعد عن المنحى التجريبي للرواية الجديدة والانشغال باللغة وتراكيبها اللغوية والمصطلحات الصعبة، ليركز على أسلوب أكثر هدوءا وسلاسة وانتقل من الأفكار الثائرة الحماسية للمدرسة الوجودية لأفكار يغلب عليها الدفاع عن الأقليات والمهمشين واكتشاف الحضارات المجهولة، وهو ما شكل نقلة في أسلوب كتابته، وأعطاه ألقابا كثيرة منها كاتب القطيعة وكاتب الترحال، ومكتشف الحضارة ومكتشف الإنسانية الكامنة تحت الحضارة وقد جاء كل ذلك من ضمن الحيثيات التي قدمتها لجنة نوبل لدى تسليمه الجائزة عام 2008. وتتابع رياح أن الفرادة في أسلوب وشخصية لوكليزيو جاءت من كثرة السفر والترحال واحتكاكه بالحضارات والثقافات الأخرى، كما يأتي على طرف النقيض من غالبية الكتاب الأوروبيين الذين تقتصر رؤيتهم للعالم في بلدانهم الاوروبية بمشاكلها ولغاتها وواقعها وبالتالي يهمشون الآخر، في حين ظل لوكليزيو في بحث دائم عن الآخر ،وسافر إلى كل من بنما والمكسيك كما عايش الهنود الحمر وترجم من أساطيرهم وحكمهم، وهو ما يجعلنا نستشهد بتصريح له من الصحافة حيث قال عن هذه التجربة "هذه التجربة غيرت حياتي، أفكاري عن العالم، والفن، وأسلوب التعاطي مع الآخرين طريقتي في المشي والأكل والنوم والحب وصولاً إلى أحلامي" كان متأثرا بهذه المجتمعات والتي ينظر لها الغرب على أنها بدائية، اعتبر ان هذه المجتمعات التي اكتشفها وظهرت في الكتابات التي كتبها مثل "الإفريقي" و"الرجال الزرق" وغيرها، فقد احتك بكل هذه المجتمعات وعايشها واكتشف العلاقات الإنسانية في هذه المجتمعات ومن هنا تأثر اسلوبه في الكتابة.