الأديب عبدالله الوصالي ل "محيط" : الثقافة السعودية متأخرة .. ولست منحازاً للغرب عبدالله الوصالي محيط – شيماء عيسى لابد لمن يقرأ رواية "بمقدار سمك قدم " أن يجد نفسه امام حشد ليس يسيرا من علامات التعجب حول أبطال الرواية ، وحول مؤلف الرواية نفسه ومعلوم أنه مدير جمعية ثقافية بالسعودية وله تجارب أدبية ونقدية هامة وكيف ينظر لمجتمع السعودية وكيف يقدر وزنه الثقافي كشعب عربي بين شعوب العالم ، وخاصة أنه منفتح بطبيعته على الكتابات الغربية بالقراءة الحرة وبحكم دراسته الطبية. وكان لشبكة الإعلام العربية "محيط" هذا الحوار مع الأديب السعودي عبدالله الوصالي . محيط : متى قررت كتابة رواية " بمقدار سمك قدم" ؟ الوصالي : فكرت في كتابة الرواية منذ سنوات ولكن بعد عودتي من مصر سنة 2006م حينما شاركت بإحياء أيام الثقافة السعودية ، شعرت بزخم شعوري قوي لإكمال الرواية و ظل ذلك الدافع يواصل تحريضي إلى أن انتهيت منها. محيط : عنوان الرواية بدا غامضا إلى حد كبير "بمقدار سمك قدم" .. ماذا قصدت به؟ الوصالي : عنوان الرواية ليس من النوع المباشر و التقريري كاسم مكان مثلاً أو موقع أو حادثة تاريخية أو اسم شخصية في الرواية، هي جملة وردت داخل النص رأيت أنها تشع بمعناها على أكثر من حدث بداخل الرواية. وهي تذكر أن ساق يعقوب تكاد تطأ الأرض لكنها لا تستطيع، رغم قرب المسافة ؛ لأن القدم ببساطة غير موجودة. فتنفيذ حد القصاص في الجانية كان قانونياً و وشيكاً جداً أو بمقدار سمك قدم لكنه كما لم تطأ رجل يعقوب الأرض لم ينفذ العقاب. وعلى نفس الوتيرة نجد العدالة الاجتماعية التي نشدها "مرزوق" كانت قريبة من الحدوث بعد مجيء الشركة لكنها أيضاً لم تحدث. فتحولت قدم يعقوب المبتورة كمقياس للمسافة القصيرة لكنها الفاصلة بين وقوع الشيء و عدمه. وقد وردت هذه العبارة "بمقدار سمك قدم" في سرد الرواية حينما كان البطل "لطيف" يناقش حد القصاص. وأقر بأن العنوان غير مباشر ولا يمكن إدراك معناه بغير قراءة واعية للرواية . محيط : ظل اسمك مرتبطا بالقصص القصيرة وحتى صدور أولى رواياتك، إلى أي الأجناس الأدبية تميل، ولماذا اتجهت للرواية ؟ الوصالي : كتبت الشعر العمودي المقفى و هو لا يمثل تجربة حقيقية بسبب قلة المنتج. و وجدت نفسي في القصة لقصيرة لمدة ليست بالقصيرة و بداخلي ميل غريزي للرصد و البحث و التحليل مما يجعل الرواية مجال آخر يمكنني المساهمة فيه. محيط : الرواية تشعر القارئ وكأنك تنحاز لنظرة أبطالها الغربيين للمجتمع السعودي، فهل هذا صحيح ؟ ولم ؟ الوصالي : تقع أحداث الرواية بين ظهراني المجتمع السعودي هذا عامل من عوامل بروز السلبيات ذلك المجتمع التي تصطدم بها أبطال الرواية و العامل الآخر هو طبيعة العمل الروائي الذي يغوص عميقاً في ذوات المجتمع و سوسيولوجيته. و يردد الكثير بأن الرواية عالم موازٍ للعالم الواقعي لكنهم ينسون أن يضيفوا جملة " بشروط معاكسة" حيث ينهج عالم الواقع التغطية و ما تستلزمه من ستر و موائمة و ينهج عالم الرواية الكشف و ما يحتمه من صدام، فمثلاً الحدث الذي يتكتم عليه اثنان في غرفة نوم في الحياة الواقعية يراه الملايين في الرواية ، كما أن المشاعر لايمكن رؤيتها او يمكن العمل على إخفائها في عالم الواقع بينما يلمسها الجميع في عالم الرواية، من هنا تأتي طبيعة الرواية الكاشفة للذوات و الطبيعة البشرية بكل سلبياتها و إيجابيتها. و عودة إلى الرواية نرى أن اكبر (موبقتين) حدثت في الرواية كانت على أيدي غربيين !! و كان فعل الحب مشتركاً بين لورا و لطيف فما الذي يجعل البعض لا يحس بالعتب على لورا، رغم كونها امرأة، بالقدر الذي يحسه تجاه لطيف؟! ربما لأن لطيف هو الأقرب ثقافة لنا فيداخلنا عليه بعض العتب. إننا نضع إلتزامات مفترضة على الإنسان بحسب هوية
محيط : هل ترى أن الأدب أداة فاعلة للتغيير الاجتماعي في العالم العربي ؟ الوصالي : يظل الأدب بما يقدمه من كشف وتحليل ونقد غير مباشر للسياقات التي يستهدفها، الخطوة الأولى في سبيل التغيير و الإصلاح. و يعتبر المثقف الحقيقي جهة احتساب و استئناف ضد الظلم و الفساد و الدكتاتورية التي تفيض عن حاجتنا في عالمنا العربي. و بسبب الأمية و قلة الوعي المنتشرة في العالم العربي يجد الأدب صعوبة في وظيفته تلك ناهيك عن ما يمكن أن يشكله هذا المجتمع غير الواعي من ضغط يصل حد الخطورة على المثقف. محيط : ما هي أكثر الكتابات الأدبية تأثيرا بوجدانك ؟ الوصالي : الجيد من الرواية و القصة القصيرة و الشعر و أعشق السينما ربما لأنها تنوء بنفسها عنا حتى تاريخه. و قد أتاح لي عملي في جمعية الثقافة و الفنون أن تمتزج ذاتي بالمسرح و الموسيقى و الفن التشكيلي مع التصوير هذه عوالم ارتشف منها رشفات لكنني انهل من السرد دون ارتواء. و أقرأ في الفكر و التاريخ و كل نتاج ثقافي إنساني حسب المتاح.
أغلفة روايات سعودية حديثة محيط : تعيش الرواية السعودية حالة كبيرة من الرواج، فهل يرجع ذلك لتميز حقيقي؟ الوصالي : لم يكن من ضمن 16 كتاباً التي تمثل القائمة الطويلة للروايات المرشحة للبوكر في دورته السابقة رواية سعودية، و يمكن أن نأخذ ذلك إلى حد كبير كمعيار لمدى التميز في الرواية السعودية. و يعود رواج الرواية السعودية إلى أسباب أخرى إذا عرفنا من هو المستهلك. ليس لدي إحصاء دقيق عن نسب المشترين للرواية السعودية لكن أظن أن الكثير منهم سعوديون وهذا مبعثه إلى أن نسبة التعليم لدينا قفزت في السنوات الأخيرة قفزات كبيرة مما أدى لزيادة أعداد القراء و "من يفك الخط" . و الشعوب المحافظة، كالشعب السعودي، بما تتصف به من تغطية و غموض، تندفع بشغف حين تواتيها الفرصة، لتكتشف ما يدور خلف ظهرانيها و كواليسها، وهو ما تقدمه لها الروايات . يضاف إلى ذلك عامل خارجي هو محاولة، من قبل الآخرين، لفك لغز هذا المجتمع المحيّر حتى لبعض أشقائه العرب وفهمه. محيط : ما هي أهم الروايات السعودية الحديثة برأيك ؟ الوصالي : لا يجب أن اقلل من تجربة القصيبي و يبدو عبد الرحمن منيف يقف برجل واحدة في المجتمع السعودي و كتاباته ذات طابع شرق واسطي أكثر منها ذات خصوصية سعودية. هناك روايات جيّدة ثلاثية الحمد مثلاً و أظن أن الأهم لم يأتي بعد، أو أني لم اقرأه بعد. محيط : نلاحظ أن معظم الروايات السعودية تصدر عن دور نشر عربية وليست محلية، ما السر؟ الوصالي : لا سر في الأمر فالرقابة لا تزال صارمة رغم ما اعتراها أخيراً من تسامح قليل. يضاف إلى ذلك ارتفاع سعر الطباعة و خبرة دور النشر الخارجية، التي تكرّست على مدى سنوات، في التوزيع. ومع ذلك أنا واثق أن كل كاتب سعودي يأمل أن يجد كتابه على رفوف مكتبات الوطن وبين أيدي أبناء شعبه. وتستغل بعض دور النشر هذا الكاتب الهارب من الرقابة أسوء استغلال فيبقى بين سندانها و مطرقة الرقابة في البلاد. . محيط :كيف تقيم وضع السعودية الثقافي عالميا ؟ الوصالي : لا يزال الدور الثقافي السعودي قاصراً عن أن يطاول مكانتها الاقتصادية و الجغرافية ؛ فالمنتج الثقافي في السعودية لا يزال ضعيفاً ناهيك عن بعض جوانب المنتجات الثقافية التي في حكم التحريم و المنع الصارم كالسينما مثلاً. وغني عن القول أن السعودية هي أحوج البلدان العربية للمنتج الثقافي الجيد و العصري لتصحيح النظرة السائدة عنها. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا مع إصلاحات سياسية و اجتماعية وسن التشريعات المؤازرة لذلك و الضامنة له. و يتصف المشهد الثقافي المحلي بالأداء غير الثابت بسبب ارتباط العمل الثقافي بمؤسسات الدولة و ذلك من جانبين من جانب أن المؤسستين المخولتين إنتاج الثقافة و هي الأندية الأدبية و جمعية الثقافة و الفنون يعين أفرادهما من الدولة و الثاني ارتباط الفعل الثقافي بإمارات المناطق.فمثلاً مهرجان المفتاحة الفني السنوي لم يعد قائماً بعد سنين من التألق بعد أن غادر أمير عسير السابق. و يمكن القياس على فيلم "مناحي" الذي منع من العرض في أكثر من منطقة بينما عرض في أكثر من منطقة.
وقد بدأ أخيرا تأسيس الجمعيات الفنية التي يمكن أن تلعب دور النقابات لكن ثقافة المجتمع المدني التي يمكن أن تفهم هذه المؤسسات عن طريقها لا زالت ضعيفة. وأرى أنه على الدولة دعم الحراك مادياً الثقافي و في نفس الوقت عدم التدخل في سياساته و اتجاهاته الفكرية. في رواية "بمقدار سمك قدم" .. شباب سعودي يسعى للفكاك من سجن القبيلة