في الثامن والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، دشّن وزير الدفاع اليمني، اللواء الركن محمد ناصر أحمد، خلال زيارة، مع قيادات رفيعة من وزارة الدفاع، إلى معسكرات الجيش في محافظة شبوة، جنوب البلاد، حربًا يبدو، حتى اللحظة، أنها تسير بوتيرة متسارعة، ضد تنظيم القاعدة في اليمن. ناصر أكد، في خطابه أمام جنوده، على أهمية وحدة الصف القتالي، وتعميق مبدأ الولاء الوطني في نفوس المقاتلين، وتعزيز مستوى الانضباط والجاهزية الفنية والقتالية للأسلحة، لضمان الأداء الإيجابي للمهام العسكرية في ميدان المعارك. هذه الزيارة، التي لا تبدو اعتيادية، كانت بمثابة إعلان جولة جديدة من الحرب يخوضها الجيش اليمني ضد عناصر تنظيم القاعدة في اليمن، حيث اعقبتها حملة برية واسعة، وبمساندة من قوات الأمن، ومقاتلين مدنيين من اللجان الشعبية، في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين، تحت شعار "معاً من أجل يمن خال من الإرهاب"، أدت إلى اشتباكات طاحنة بين الطرفين خلفت عشرات القتلى والجرحى في صفوفهما. سبقت هذه الخطوة، زيارة قام بها الوزير اليمني إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، استغرقت أسبوعين، التقى خلالها مسؤولين أمريكيين بينهم وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هيغل، ومساعدة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، ليسا موناكو. ويبدو واضحًا أن الوزير اليمني حصل، خلال زيارته الأخيرة، على تطمينات أمريكية بخصوص عدد من القضايا، وبالذات ما يخص حزمة المساعدات العسكرية المخصصة للقوات المسلحة والأمن في اليمن، إضافة إلى الاحتياجات والمتطلبات المستقبلية لمجابهة مخاطر وتحديات التنظيمات الإرهابية، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن لقاءات جمعت وزير الدفاع بمسؤولين أمريكيين. كان تقرير الخارجية الأمريكية عن مكافحة الارهاب في 2013، الذي صدر أواخر الشهر الماضي، أكد أن "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يعتبر من أكثر الفروع ارتباطاً بتنظيم القاعدة المركزي". وتابع التقرير: "وهو (أي القاعدة) الأشد خطورة على الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعلى الأمريكيين في اليمن، إلى جانب قدرته على تهديد مصالح واشنطن في اليمن، كما أن زعيمه ناصر الوحيشي تمكّن من فرض نفسه وزيادة نفوذه وترسيخ مرجعيته، وبات الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بعد أيمن الظواهري، حيث تمكن الفرع من تنفيذ أكثر من 100 هجوم داخل اليمن عام 2013". وبجانب دعم واشنطن، تلقت اليمن دعم أممي في حربها ضد الإرهاب، حينما أصدر مجلس الأمن الدولي بيان في 5 مايو/ايار الجاري، جدد فيه دعمه للحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي في جهودها لمحاربة الإرهاب، والتأكيد على الحاجة لمحاربة التهديدات الماثلة أمام السلم والأمن الدوليين والناجمة عن الأعمال الإرهابية. وفي البيان الختامي للاجتماع السابع لأصدقاء اليمن (شارك فيه ممثلي 39 دولة ومنظمة دولية) الذي عقد بلندن في 29 أبريل/نيسان الماضي، أكد المجتمعون دعمهم لجهود الحكومة اليمنية لوضع وتنفيذ قانون حول مكافحة الإرهاب، وأبدوا ترحيبهم بجهود الحكومة المستمرة لمكافحة الإرهاب والتهريب والقرصنة، وأكدوا التزامهم بمواصلة دعمهم لبناء قدرات اليمن في هذا المجال. الأحزاب اليمنية هي الأخرى، وفي مقدمتها تكتل اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام، أعلنت مواقفها المساندة للقوات المسلحة اليمنية في حربها ضد عناصر تنظيم القاعدة، مطالبة الرئيس هادي أن يكشف للرأي العام في الداخل والخارج من هي الجهات التي توفر الغطاء للجماعات الإرهابية المسلحة وتسعى لزعزعة الاستقرار في الوطن وتعرقل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. وعلى الصعيد الشعبي، شهدت العاصمة اليمنية صنعاء في الأيام القليلة الماضية، مسيرات ووقفات مؤيدة للقوات المسلحة في حربها ضد العناصر الإرهابية في محافظتي أبين وشبوة. المشاركون في المسيرات التي جابت شوارع صنعاء أكدوا دعمهم الكامل للقوات المسلحة اليمنية، واعتزازهم الكبير بالتضحيات الكبيرة التي يقدمها أبناء المؤسسات الأمنية في سبيل اجتثاث آفة الإرهاب وتخليص الوطن من شروره، وكذا أهمية تضافر الجهود لدعم القوات المسلحة والأمن في المعركة ضد الإرهاب. كل هذا يؤكد أن هناك رغبة دولية ومحلية جادة في محاربة الإرهاب. هذا الإجماع اليمني الملحوظ والرغبة الشعبية الجليّة في دعم الجيش والأمن في الحرب على تنظيم، القاعدة جاءت عن قناعة تامة بوجوب نزع سلاح المليشيات والقضاء على الإرهاب وكل ما من شأنه عرقلة التسوية السياسية، والانتقال إلى مرحلة الدولة الاتحادية ذات الستة أقاليم وما يتطلبه هذا من تهيئة سياسية واقتصادية وأمنية. وفي ال 29 من الشهر الماضي، قال الرئيس عبدربه منصور هادي، خلال الاحتفال الذي أقيم بمناسبة تخرج الدفعة الخامس والعشرين لدرجة الماجستير في الحقوق وعلوم الشرطة في كلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة، إن تنظيم القاعدة تسبب في تدمير الاقتصاد والتنمية وتقدم العملية السياسية. ووصف هادي العمليات الإرهابية ببلاده ب" المؤامرة الكبيرة التي تحاك ضد اليمن" من أطراف خارجية لم يسمها، لافتًا إلى أن 70% من أعضاء التنظيم من الأجانب من غير اليمنيين. بعدها، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية مقتل القياديين بالتنظيم أبو مسلم الأوزبكي، وأبو إسلام الشيشاني خلال معاركها في شبوة وأبين (جنوب)، وهي إشارة الهدف منها تأكيد قول الرئيس اليمني بوجود عناصر أجنبية تقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة في اليمن. وقبل يومين، استعاد الجيش اليمني السيطرة على مدينة عزان التي كانت تعد معقل التنظيم المتطرف في شبوة، في مؤشر واضح على مضى حملته ضد القاعدة التي بدأت قبل أيام، بنجاح. ويراهن كثيرون على نجاح الحملة العسكرية، هذه المرة، ضد القاعدة، لأسباب من بينها أنها جاءت بعد اتفاق وتأييد معظم الأطراف السياسية والشعبية في اليمن من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل على ضرورة محاربة الإرهاب، ونزع سلاح المليشيات، وحصر السلاح في يد الدولة دون غيرها، إلى جانب موقف المجتمع الدولي المساند لليمن في حربها ضد الإرهاب. وواختتم مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء يوم 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، بمشاركة 565 شخصية، مثلت شرائح المجتمع اليمني. إلأ أن المحلل السياسي ياسين التميمي، قال في تصريحات للأناضول إن نجاح الجيش اليمني في السيطرة على معاقل القاعدة في مديرية المحفد، بأبين، وعزان بشبوة، لا يعني، أن الجيش والحكومة اليمنية، سيتمكنا من استئصال التنظيم، وإنهاء دوره وتأثيره في تلك المناطق أو في غيرها من المناطق اليمنية". وأرجع التميمي ذلك إلى الخبرة المكتسبة لدى التنظيم في تحمل الضربات وممارسة لعبة التخفي في الحاضنة الاجتماعية، بالإضافة إلى وجود مؤشرات على تلقي التنظيم لدعم متعدد المستويات من قوى وأطراف محلية وخارجية (لم يحددها". وأضاف التميمي: "هذا بالتأكيد سيُصِّعب من مهمة استئصال التنظيم، عبر عملية عسكرية، فقط، فالعملية العسكرية ينبغي أن تقترن بحضور قوي وفاعل للدولة وللقانون، ليس فقط في مناطق تواجد عناصر القاعدة، بل أيضاً في مختلف مناطق البلاد، أي أن عليها أن تسد كل المنافذ التي تختبر قوة الدولة وإرادتها باستمرار، وهي مهمة شاقة في ظل هشاشة الوضع السياسي وشحة الإمكانيات والموارد". فيما قال الخبير العسكري والعميد المتقاعد، محسن خصروف، للأناضول إن "العملية العسكرية الجارية في محافظات أبين، شبوة والبيضاء تنبئ عن نقلة نوعية في مستوى التغيير وإعادة البناء اللذين تحققا في المؤسستين الدفاعية والأمنية، وتنبئ عن روح عسكرية جديدة، ولعل قيادة وزير الدفاع (محمد ناصر أحمد) شخصياً للعمليات الميدانية خير دليل على هذه النقلة التي أخذت تتملك القيادة، ما جعل المواطنين يلتفون حول القوات المسلحة والأمن ويساندونها". وخلاف تلك المعارك الدائرة على الأرض في جنوب البلاد، تدور معارك من نوع أخر، في منصات إعلامية، وتتخذ طابعا شرسا، بين الحكومة والقاعدة أيضا. وفي تلك المعارك، يبدو التنظيم أكثر تفوقاً في استغلال أداوته الإعلامية أكثر من أي وقتٍ مضى، وبدأ كما لو كان يمتلك مؤسسات إعلامية ضخمة يدحض من خلالها بعض روايات الحكومة بشأن خسائر التنظيم في الأرواح والمعدات والآليات. ويستخدم التنظيم في المعركة الإعلامية، إدوات من قبيل، المواقع الإلكترونية وأبرزها موقع صدى الملاحم، فضلا عن صفحات التواصل الاجتماعي على موقعي فيس بوك وتويتر. هذا النشاط الإعلامي للتنظيم الذي يُفترض أن يكون معزولاً في واحدة من أكثر ملاذات القاعدة وعورةً، خصوصاً مناطقتي عزان والمحفد، نظراً لطبيعتها الجبلية الوعرة، هو أحد أسباب مطالبة الأحزاب اليمنية بكشف الجهات التي يثبت تورطها مع القاعدة، أو تقديم الدعم اللوجستي لها.