تمثل القضايا الاقتصادية أهمية بالغة في الحياة المصرية الآن، وبخاصة في ظل الظروف السياسية الحالية، ومع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، قدم المشير عبدالفتاح السيسي ما يتعلق ببرنامجه السياسي من خلال مجموعة من النقاط أو المحاور، في لقاء ببرنامج تلفزيوني. ومن المقرر أن تبدأ الانتخابات الرئاسية المصرية في 26 و27 مايو المقبل، التي تعتبر ثاني استحقاقات خارطة الطريق الانتقالية، التي أعلنها الرئيس المؤقت عدلي منصور، يوم 8 يوليو الماضي، عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وإن كان الأجدر أن يتم عرض البرنامج بشكل متكامل، للنظر في مدى المساحة التي تحتلها القضايا الاقتصادية فيه، ومدى ارتباط هذه القضايا بغيرها من القضايا التي تشتبك مع الاقتصاد، إداريًا، وتشريعيًا، وبيان هوية النظام السياسي، وانعكاسها على التوجهات الاقتصادية. وقال السيسي أن مصر تحتاج إلى تريليون جنيه «142.8مليار دولار» للعمل على المشروعات المستهدفة، في البرنامج الإنتخابي وذلك من خلال عدة محاور، أهمها تعظيم وتحفيز المصريين في الخارج لدعم بلدهم، وكذلك فتح مجالات جديدة للاستثمار المصري والعربي والأجنبي، أما المحور الثالث فهو مساعدات الأصدقاء والأشقاء". وعرضت وكالة «الأناضول» تحليل للرؤية الاقتصادية للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي في إطار القضايا التي أشار إليها. أولًا: غياب السياسات والبرامج الملاحظة العامة الأولى هي أن المرشح الرئاسي سمى العديد من القضايا الاقتصادية دون أن يتعرض إلى السياسات والبرامج التي يقترحها لعلاج هذه المشكلات، فمثلًا ذكر قضية الدين العام المحلي وقدره بنحو 1.7 مليار جنيه مصري. ولكنه لم يطرح السياسات التي تضمنها برنامجه الانتخابي للتعامل معها. هل سيعمد إلى تعظيم الناتج المحلي الإجمالي لتقل نسبة الدين المحلي للناتج؟. هل سيتنبى إجراءات لتقليل قيمة هذا الدين؟. وما هو موقفه من الشق الثاني من الدين العام، وهو الدين الخارجي؟، حيث يلاحظ تنامي هذا الدين خلال السنوات الخمس الماضية، ليصل إلى 47 مليار دولار. أيضًا الحديث عن هيكل الموازنة غير المقبول، من حيث سيطرة بنود الدين والدعم والأجور على معظم موارد الموازنة، ولكن ما هي السياسات والإجراءات التي سيتم اتباعها لتعظيم الإيرادات العامة وترشيد النفقات؟، وأثر ذلك على الطلب المحلي وحركة الاستثمار، وهل سيتم ذلك دون التأثير على الخدمات العامة في مجالات التعليم والصحة، في ظل الزيادة السكانية المتنامية؟. ثانيًا: مشروعات متكررة ذكر المرشح الرئيسي أن برنامجه يتضمن توسعة الظهير الصحراوي، بما يضيف لمساحة كل محافظة من 50 ألف – 100 ألف فدان، وكذلك استصلاح 4 ملايين فدان، وأيضًا إضافة 22 مدينة صناعية جديدة، و26 مدينة ومركز سياحي، و8 مطارات. هذه المشروعات مطروحة منذ عهد مبارك، وبعضها دخل حيز التنفيذ مثل توسعة الظهير الصحراوي. وفضلًا عن ذلك فإن هذه المشروعات تستلزم قبل الحديث عن إضافات جديدة تقويم ما هو قائم منها، فمثلًا مشروعات الظهير الصحراوي، من استفاد منها؟، وهل ساعدت على خلخلة السكان بالحيز العمراني القديم؟. أما عن المدن الصناعية فهي بالفعل كثيرة، ويزيد عددها عن الخمسين مدينة، ولكن قبل الشروع في إنشاء مدن جديدة، هل استغلت المدن التي أنشئت من قبل؟ وما هي نسب الإشغال بها؟. إن بعض هذه المدن أنشئت من عشرات السنين ولاتزال خاوية على عروشها، وبخاصة في محافظات الصعيد. فالعبرة في الإنفاق العام ليست كميته وزيادته، ولكن بحجم العائد من هذا الإنفاق. وهل خضعت هذه المشروعات لدراسات جدوى؟. إن آفة المشروعات العامة في مصر، وكما كانت تأتي ملاحظة ثابتة في تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات المقدمة لمجلس الشعب، أن العديد من المشروعات العامة تدرج بالخطة العامة للدولة دون أن تكون مصحوبة بدراسات الجدوى، مما يعد إهدارًا للمال العام. ثالثًا: غياب تكلفة التمويل ذكر المرشح الرئاسي أنه سيعمل على زيادة الاعتماد على الموارد المحلية، والاستفادة من فرص الاستثمار العربي والأجنبي، وهذا الأمر من حيث المبدأ لا غبار عليه، ولكن ما هي تكلفة تدبير هذا التمويل؟. فتشجيع الموارد المحلية يتطلب مجموعة من السياسات والإجراءات، لم يتم الافصاح عنها، وما شكل مساهمة الموارد المحلية في التمويل، هل ستكون عبر الجهاز المصرفي، أم سوق الأوراق المالية، أو شراء الدين الحكومي؟. التوجه للاستثمارات العربية والأجنبية، من الأمور التي تحظى بقبول شريحة كبيرة من الاقتصاديين، ولكن ما هي الحوافز والضمانات التي ستقدم لهذه الاستثمارات، وهل ستراعي اعتبارات الصناعة ومؤسسات الإنتاج المحلية؟. وما هي طبيعة المشروعات التي ستساهم فيها هذه الاستثمارات الأجنبية؟. هل ستعمل على زيادة القاعدة الإنتاجية بما يؤدي لتحسين هيكل الناتج المحلي، أم ستوجه لقطاع العقارات والسياحة والكثير من الأنشطة الخدمية؟. رابعًا: إهمال القطاع العام من صور التعاون التي ذكرها المرشح الرئاسي السيسي، التعاون بين القوات المسلحة والقطاع الخاص، وأن ذلك يعمل على توفير مليون فرصة عمل، هل تعاون القوات المسلحة قاصر فقط على القطاع الخاص؟، أم أن القوات المسلحة اعتبرت نفسها بديلًا عن القطاع العام؟. ويثير هذا التعاون الكثير من علامات الاستفهام، حول دور الجيش في الحياة الاقتصادية بمصر، حيث يقدرها البعض بنحو 40 % من النشاط الاقتصادي، والبعض يزيد أو ينقص من هذه النسبة، ولا تتوفر معلومة دقيقة بهذا الشأن، وإن كان المقطوع به في إطار تصريحات المرشح الرئاسي، أن هناك أنشطة اقتصادية للقوات المسلحة، تمثلت في هذا التعاون مع القطاع الخاص المصري. فأين القطاع العام مستقبلًا؟ هل ستظل علاقة القوات المسلحة في إطار التعاون مع القطاع الخاص، أم سيكون قطاع الأعمال العام شريكًا في هذا العلاقة. وهل من الممكن أن يحل قطاع الأعمال العام محل أحد الطرفين، القوات المسلحة أو القطاع الخاص؟. خامسًا: أي ضوابط للقطاع الخاص؟ ذكر السيسي أنه يطالب القطاع الخاص بالمساعدة في بناء الدولة، وهذا مقبول، ولكن في إي إطار؟، فالقطاع الخاص يحركه الربح، ومناشدة السيسي للقطاع الخاص الرحمة بالفقراء، لا تصلح في معالجة القضايا العامة، ولكن لابد من قواعد تضبط عمل هذا القطاع، وإطلاق مطلب عام مثل تخفيض هامش الربح، غير مفهوم في ظل قواعد اقتصاد السوق، فما لم تكن هناك قواعد واضحة وقوانين صارمة لهذا المطلب، سيكون شعارًا فضفاضًا بلا نتائج ملموسة على الأرض؟. أما الرحمة بالفقراء كمطلب من القطاع الخاص، فمجالها القطاع التعاوني الذي لا يهدف للربح، أو وجود مشروعات عامة يمكنها إحداث هذا التوازن في السوق من خلال إرغام القطاع الخاص عند العمل في إطار هوامش محدودة للربح، ولكن بدون ضوابط أو مشاركة من المشروعات العامة أو التعاونية فلن يردع القطاع الخاص شئ تجاه تعظيم أرباحه. سادسًا: تسطيح قضية الطاقة حصر المرشح الرئاسي لقضية الطاقة في مجرد ترشيد الاستهلاك بالمنازل، يعد تسطيحًا لها، فمشكلة الطاقة متعددة الأبعاد وترشيد استهلاك المنازل أحد الحلول المكملة، ولكن زيادة إنتاج الطاقة بمعدلات تناسب طموحات مصر في مجال التنمية وتحقيق معدل نمو 7% سنويًا، هو التحدي الذي كان ينتظر إجابة واضحة. فقضية الطاقة لها شقين جانب الطلب وجانب العرض، والملاحظ أن معظم الحلول المطروحة من قبل حكومات ما بعد ثورة 25 يناير، لا تتناول جانب العرض، ومواجهة الفساد في قطاع البترول، وتعظيم القيمة المضافة لإنتاج مصر البترول والغاز. ولابد من مصارحة الشعب المصري بضعف مساحة الطاقة الجديدة والمتجددة في إنتاج الطاقة في مصر، وأن زيادة حصة الطاقة الجديدة والمتجددة يتطلب استثمارات مالية كبيرة، وأن عائدها لن يكون إلا في الأجل المتوسط والطويل. سابعًا: غياب البعد الزمني تناول المرشح الرئاسي البعد الزمني فيما طرحه من قضايا في تبشيره بأن العائد من برنامجه سيكون في غضون سنتين، للخروج من دائرة الفقر والعوز، دون تحديد لأي بعد زمني لتنفيذ برامج للقضايا التي أشار إليها، فعلى سبيل المثال أوضح أننا في حاجة إلى بناء 20 ألف مدرسة، وتتكلف 500 مليار جنيه 71.4 مليار دولار، ولكن ما هو الإطار الزمني لتنفيذ هذه الاحتياجات من المدارس؟، وما هو العدد الذي يمكن تنفيذه في إطار برنامجه الانتخابي؟. وهذه التكلفة التي تصل إلى نحو 40 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لمصر، من أين سيأتي بها. وإذا كانت مخصصات التعليم بكل مراحله بالموازنة العامة للدولة لا تزيد عن 120 مليار جنيه «17 مليار دولار»، بما فيها الأجور التي تستحوذ على نحو 80 % من هذه المخصصات. فما هي الطريقة التي ستتيح التمويل لهذا العدد من المدارس، هل ستساهم الأوقاف؟، هل ستساهم مؤسسات المجتمع المدني.، هل سفتح باب التبرع للمؤسسات العربية والأجنبية لبناء المدارس؟. ثامنًا: غياب قضايا مهمة لم تتم الإشارة إلى التعامل مع ملف البطالة، ولا الفقر، والمهمشين، وأصحاب المعاشات، فضلًا عن القضية الملحة وهي العدالة الاجتماعية. فهل سيكون البرنامج المنشور فيما بعد متضمنًا لهذه القضايا، حتى تتضح الصورة لشريحة عريضة من الشعب المصري، خرجت في 25 يناير تطالب ب«العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية». تبقى العبرة بقبول التحدي الاقتصادي الذي يواجه مصر، فقد يكون البرنامج شديد الوضوح، محدد المعالم، ولكن تواجه التحديات التي ساهمت في مشكلات مصر المزمنة عبر مؤسساتها العامة، وتخلي العديد من مؤسسات الدولة عن القيام بدورها. لذلك فوجود البرامج الانتخابية للمرشحين أمر إيجابي، ولكن الأكثر إيجابية أن يجد المواطن تنفيذًا لهذه البرامج على أرض الواقع، من خطوات عملية من اليوم الأولى لتولي الفائز للسلطة.