الكاتب لمحيط : الوضع فى مصر معقد .. والمترجم : نستعد لأعمال جديدة فاسيولينسى يروي مشهد اغتيال والده .. ويؤكد : ماركيز مات مرتين عندما تصبح الكتابة شفاءا للروح و ترياقا من ألم الحياة ، يمسك الكاتب بقلمه لينزف على الورق إبداعا من واقع الحياة يحمل الألم و الأمل معا . هكذا هى رواية " النسيان " للكاتب الكولومبى الكبير " إكتور آباد فاسيولينسي" الذى استضافه مساء أمس المركز الثقافى الأسبانى ليروى لنا الذكريات التى جمعته مع الكاتب جابرييل جارسيا ماركيز ، و القصة وراء روايته "النسيان" التي ترجمت مؤخرا إلى العربية . فى بداية حديثه قال فاسيولينسى أن الأدب الكولومبى ابن الأدب الأسبانى ، و أن هذه الثقافة مدعاة للفخر ،و عن ماركيز قال : لم يكن أحد يتوقع أن الطفل ماركيز رث الثياب سيصبح أكبر كاتب فى الأدب الكولومبى و الأسبانى . " الزرافة " كانت بداية ماركيز فى عالم الكتابة و هى سلسلة مقالات ، سماها بذلك الاسم تيمنا بفتاة يحبها و كان يدعوها زرافة . أما عن بدايات ماركيز فقال فاسيولينسى أنه كان بالكاد يستطيع العيش و التكفل بمصاريفه ، و بسبب فواتير متأخرة عليه ، اتصل بصديق لإقراضه فحينها عرض عليه بيع روايته "الكولونيل لا يجد من يكاتبه " ، فنعته ماركيز بالمجنون قائلا من سيشتريها ؟ و عندما قرر ماركيز كتابة " مائة عام من العزلة " عارضته عائلته بسبب الظروف الصعبة التى يعيشونها ، و لكنه أصر ان يستمر فى الكتابة ، و عندما خطر له أول جملة فى الرواية ذهب إلى البيت مسرعا لكتابتها . و بعد نجاح رواية الكولونيل لا يجد من يكاتبه ، أخذ ماركيز الأموال التى ربحها من الرواية و ألقاها لأولاده ليثبت لهم نجاحه ، فعلى الرغم من ظروفه الصعبة لم تتوقف يداه أبدا عن خط أروع الحكايات . و استرجع فاسيولينسى ذكرى بداية معرفته بماركيز قائلا : كان تعليمى بمدرسة دينية ، كان ممنوع بها قراءة روايات ماركيز ، و لكن الممنوع مرغوب ، ففى منزلى كانت هناك مكتبة كبيرة يسرد لى منها والدى مختلف الروايات و منها روايات ماركيز ، و من أكثر رواياته التى طبعت فى ذهنى حينها رواية " خريف البطريرك " . و تابع أنه بالرغم من الهجوم الذى شن على ماركيز لعلاقته مع رجل النفوذ فايدل كاسترو ، و لكنه نتج عنه رائعته " خريف البطريرك " . هناك قتيل فى الصفحة الأولى بكل روايات ماركيز بطريقة ما ، و لكن أكد فاسيولينسى أن هذا ليس سر جاذبية روايات ماركيز ، فروايته تحمل سحرا حقيقيا ككاتب واقعية سحرية. و روى فاسيولينسى عن أحد زياراته لماركيز فى منزله حين قال لأحد الأصدقاء " أنا لا أعرفك و لكنى أعرف جيدا أنى أحبك " . و استيقظ ماركيز يوما و هو لا يذكر منزله و قال "لآ أتذكر هذا المنزل و لكن بما أننا استيقظنا هنا فدعونا نزرع الأشجار " وواصل فاسيولينسى قائلا : كان ماركيز يؤمن بقصص الأشباح التى يكتب عنها ، و بسببها رفض العيش فى أحد المنازل بسبب ما أثير عنها من قصص الأشباح . لقد مات ماركيز مرتان كما عبر الكاتب، أولهما فى عام 2006 عندما فقد الذاكرة و أقام عشاء مع أصدقائه يودعهم قائلا بأنه لن يكتب ثانية ، أما الموت الثانى فهو الموت البطئ للجسد . " ظل ماركيز العظيم " جعل الكتاب الذين ولدوا بعده ينتقدوه بشدة ، و يقتلونه على نحو فرويدى ، أما جيل فاسيولينسى على حسب قوله فكان يقتدى بحياة ماركيز و ليس أسلوب كتابته ، فعلى كل كاتب أن يكتب عن واقعه هو . النسيان عن روايته " النسيان " بدأ فاسيولينسى بالحكى عن اغتيال والده و الذى تدور عنه الرواية ، قائلا عندما وصلت أنا وأمى و أخوتى لموقع اغتيال والدى ، أخذت أمى خاتم الزواج من أصبعه فى حزن ، و بحثت أنا و أخوتى فى جيوبه فوجدنا ورقتين ، قائمة اغتيالات ، و قصيدة من الأدب الأرجنتينى لبورخس عن النسيان و احتفظنا بها ككنز و حفرناها على حجارة قبر أبى . حاولنا أن ننسى ما حدث و لكن حينها نقدر قيمة الذكرى ، و عندما استدعيت القصة لكتابتها كنت ثابتا دون مشاعر جياشة كما يجب للكتابة أن تكون . فى الكتاب بدا فاسيولينسى بحكاية سعيدة عن عائلته حيث ولد بين 10 نساء و أب ، و برغم أن الحياة فى الحى الذى ولد به صعبة و لكنه كان يعتقد دوما أن الحياة حفلة مبهجة سعيدة و برغم اغتيال والده ظل يراها على هذا النحو . و لكن كانت هناك غصة تعكر صفو حياته ،لذلك كان عليه ان يروى قصة والده ، ليتصدر غلاف روايته جملة " انتقامي الوحيد... أن أروي ما حدث " . يروي الكاتب الكولومبي "إكتور آباد فاسيولينسي" قصة حياة والده الدكتور والأستاذ الجامعي الذي كرّس حياته للدفاع عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. ويطلعنا الكاتب فضلًا عن ذلك على صفحة في تاريخ وطن شهد من العنف أشدّه، ومزّقه الصراع بين جماعات التمرّد المسلحة والجماعات شبه العسكرية والجيش النظامي والعصابات الإجرامية وغيرها من الأطراف المتنازعة. إنه كتاب يفيض بهجة وأملًا في عالم أفضل، ويجمع بين دفتيه قدرًا عظيمًا من الحزن والبهجة، اليأس والأمل، الألم والجمال، في مفارقة تدعو إلى التأمّل. يذكر أن «النسيان» التى صدرت عام 2006 واحد من أنجح الأعمال الأدبية المرموقة وأوفرها حظًا من الشهرة خلال العقد الماضي في كلّ من كولومبياوأمريكا اللاتينية، عمل يضع صاحبه "إكتور آباد فاسيولينسي" في مصاف مواطنيه من كبار الأدباء الذين أنجبتهم كولومبيا. و ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والبرتغالية والألمانية والهولندية واليونانية والصينية وغيرها من اللغات ، و حصل على جائزة حقوق الإنسان، مقدّمة من مكتب واشنطن لشؤون أمريكا اللاتينية - جائزة أفضل عمل مُترجم لعامي 2008 و2009 مُقدّمة من «دار أمريكا اللاتينية» بلشبونة . الشرق يبدأ من القاهرة عن قصة كتابه " الشرق يبدأ من القاهرة " قال الكاتب الكولومبى انه منذ سنوات طويلة عرض عليه السفر إلى القاهرة أو طوكيو و الكتابة عنها مقابل 10 ألف دولار ، ففكر أن هذا المبلغ لن يكفيه فى طوكيو سوى أسبوع ، أما فى مصر فسيكفيه لشهرين . و جاء بالفعل إلى القاهرة ، و لم يكن يعرف الكثير عن مصر سوى من روايات نجيب محفوظ ، و أدب الرحلات ، و بمعايشته للقاهرة استعصي عليه فهم المرأة التى كانت دوما فى حماية الرجل أو امرأة أخرى ، و لفت نظره حضور الدين القوى ،قائلا :أعتقد أن كل المعتقدات الدينية لها سبب ثقافى ، و عندما حدثه الناشر عن شهر رمضان و ما ينتج عنه من ضبط للنفس ، قررالصوم ، قائلا : لكنى كنت أشرب الماء ، و عرفت أن هذا خطأ و أنه يجب على حتى الصوم عن الماء . وقال عن رواية "الشرق يبدأ من القاهرة" تتناول رجلاً يستكشف القاهرة بصحبة زوجتيه ويوثق الحياة اليومية فى هذه المدينة والتى وصفها بالأسطورية. أما عن " صحوة زوج " فهى رواية لفاسيولينسى تدور حول الخلافات العائلية بين الأزواج ،و قال عنها الكاتب أن الزواج تجربة ليست سهلة فى العالم كله و ليس فى كولومبيا فقط و قال فاسيولينسى أنه تزوج مرتان ، و فى ثقافته ليس هناك تعدد زوجات ، قائلا أشجع تعدد الزوجات ، لو كان هناك تعدد أزواج . و عن الترجمة قال الأديب الكولومبى أن مارك جمال تواصل معه شخصيا و مع الدار و مع السفارة الأسبانية لنشر العمل ، و سعد الكاتب بهذا العرض و ترجمة روايته للعربية ، و سعد الكاتب أن التعليقات التى وصلت له عن الترجمة العربية مثل التعليقات التى تلقاها عن روايته بالأسبانبة مما يعنى أنها ترجمت جيدا ، و قال أنه عمل أيضا مترجما و ترجم أعمالا عن الايطالية ، و انه يتفق مع المترجم أن المترجم المثالى هو الذى لا يشعر القارئ بوجوده . و فى رد على تساؤل شبكة الإعلام العربية " محيط " عن التشابهات بين الوضع المصرى و العربى و ما عايشته كولومبيا و دول أمريكا الجنوبية ، قال فاسيولنسى أنه ليس خبيرا و لا يستطيع أن يحكم على ما يحدث فى مصر ، فالوضع المصرى معقد و يحتاج للكثير من المتابعة و الإطلاع ، أما هو فأنه يكتب عن واقعه الذى يعرفه . فيما قال المترجم مارك جمال أنه اختار هذا الكتاب لكم التفاؤل فيه ، رغم الألم الذى يحويه ، و رأى أننا فى ظل الظروف التى نعايشها فى العالم العربى و فى مصر حاليا نحتاج لهذا الأمل ، أما عن الحال فى كولومبيا فهو فى تحسن مستمر ، و يتمنى لمصر أن تنهض هى الأخرى على قدميها ، وعن المشاعر الإنسانية التى لمسها فى الرواية قال أنها تمس كل إنسان و لا ترتبط بثقافة و لا تحتاج لترجمة . و عن الصعوبات الخاصة بالترجمة قال مارك جمال أن اختلاف الثقافات كان أحداها ، و حديث الرواية عن الكنيسة الكاثولوكية و التدرج الكنسى فيها ، و الذى يختلف عن الكنيسة الأرثوذكية ، مثل له صعوبة ، وكان يخشى المترجم من كيفية تقبل الروايةمثيرة الجدل فى مصر فى ظل الوضع الحساس الذى نعايشه . و قال المترجم ل " محيط" أن رواية النسيان هى اول عمل مترجم للعربية لفاسيولينسى ، و أن هناك مشروع لترجمة مزيد من أعماله و لكن مازال شفهيا حتى الآن .