قناة السويس تستضيف اجتماع المجلس الأعلى للجامعات (صور)    اختيار 374 أستاذًا من جامعة أسيوط ضمن قوائم المحكمين بالأعلى للجامعات    ارتفاع سعر الجنيه الذهب اليوم الجمعة 28 نوفمبر.. «آخر تحديث رسمي»    392.9 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة المصرية خلال الأسبوع    وزير الصناعة والنقل يلقي كلمة مصر امام الجمعية العامة لمنظمة "IMO" بلندن    أمريكا تُغلق أبوابها أمام 19 دولة فى تشديد جديد للهجرة.. اعرف التفاصيل    خلال لقائه مع وزير خارجية البوسنة.. عبدالعاطي يستعرض الفرص الاستثمارية في مصر    منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 عاماً ينتظر معرفه منافسه في نهائي بطولة شمال أفريقيا    بعد إعلان الخطيب دعمه.. رمضان صبحي بقميص الأهلي = 24 هدفا × 110 مباريات و9 ألقاب    جوارديولا يكشف موقفه من التجديد لبرناردو سيلفا    خلاف على التحميل يتحول لمعركة.. ضبط سائقي ميكروباص تعدّوا على سائق وراكب    ضبط صانع محتوى لقيامه بنشر مقاطع فيديو مُسيئة بالأسكندرية    مصرع أم غرقاً أثناء محاولتها إنقاذ إبنتها من موت محقق بمياه ترعة بالبحيرة    قصة إنشاء ستوديو مصر.. من البداية حتى أصبح أهم القلاع السينمائية    ثقافة الإسماعيلية تنظم سلسلة أنشطة ثقافية وفنية للأطفال    والدة هبة الزياد: احترموا حرمة الموت وكفاية بحث عن ترندات مؤذية    مفوضة أوروبية تلتقي المصابين الفلسطينيين في مستشفي العريش العام    جامعة القاهرة تُكرّم نقيب الإعلاميين تقديرا لدوره البارز فى دعم شباب الجامعات    كيف تحولت أركان مدرسة دولية إلى مصيدة للأطفال مع ممرات بلا كاميرات    الأرصاد: طقس الغد معتدل على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة الكبرى 26 درجة    سقوط عصابة سرقة الحسابات وانتحال الهوية عبر لينكات خبيثة    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    جامعة حلوان تطلق المرحلة الثانية من الجلسات التعريفية بالمنح التدريبية المجانية لطلابها    تلبية لدعوة الشرع.. مئات آلاف السوريين في الساحات لرفض التقسيم ودعم الوحدة    الدفاع المدني السوري: عمليات البحث والإنقاذ لا تزال جارية في بلدة بيت جن    فحص 20 مليون و168 ألف شخص ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    بعثة بيراميدز تساند المصري أمام زيسكو يونايتد    ما حكم إخراج الزكاة بناء على التقويم الميلادى وبيان كيفية ذلك؟ دار الإفتاء تجيب    انعقاد 8 لجان وزارية وعليا بين مصر والجزائر والأردن ولبنان وتونس وسويسرا والعراق وأذربيجان والمجر    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    إزالة 1650 تعديًا على أملاك الدولة في البحيرة    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    حزب الجبهة الوطنية بالجيزة يستعد بخطة لدعم مرشحيه في جولة الإعادة بانتخابات النواب    54 ألف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    المصري يتحرك نحو ملعب مواجهة زيسكو الزامبي في الكونفدرالية    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    عاطف الشيتاني: مبادرة فحص المقبلين على الزواج ضرورة لحماية الأجيال القادمة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    جدول مباريات اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    وزارة العمل: 1450 فرصة عمل برواتب تبدأ من 10 آلاف جنيه بمشروع الضبعة النووية    سريلانكا تنشر قواتها العسكرية للمشاركة في عمليات الإغاثة في ظل ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات    الزراعة تصدر أكثر من 800 ترخيص تشغيل لأنشطة الإنتاج الحيواني والداجني    بيونج يانج: تدريبات سول وواشنطن العسكرية تستهدف ردع كوريا الشمالية    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا وروسيا على أعتاب الحرب الباردة
نشر في محيط يوم 20 - 04 - 2014

في سبتمبر عام 2001 عندما صعقت الولايات المتحدة لهول الهجمات على مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع أيد فلاديمير بوتين الغزو الأمريكي الوشيك لأفغانستان بأشكال لم يكن من الممكن تصورها خلال الحرب الباردة.
فقد وافق على مرور الطائرات الأمريكية التي تنقل المساعدات الإنسانية عبر المجال الجوي الروسي، وقال إن بوسع الجيش الأمريكي أن يستخدم القواعد الجوية في الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى. بل وأمر جنرالاته بأن ينقلوا لنظرائهم الأمريكيين ما اكتسبوه من خبرات خلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في الثمانينات، بحسب "رويترز".
وخلال زيارة بوتين لمزرعة الرئيس جورج بوش في تكساس بعد ذلك بشهرين أعلن الرئيس الأمريكي في كلمة كان يلقيها بمدرسة ثانوية محلية أن الزعيم الروسي نوع جديد من القيادات ومصلح ورجل سيحدث فرقا كبيرا في تعزيز السلام في العالم من خلال العمل عن كثب مع الولايات المتحدة."
وبدا لوهلة أن الارتياب والنفور اللذين سادا في الحرب الباردة قد تبددا، ولم تمض إلا أسابيع وكان الرئيس بوش يعلن أن الولايات المتحدة ستنسحب من معاهدة الحد من الصواريخ حتى يمكنها إقامة نظام في أوروبا الشرقية لحماية حلفاء حلف شمال الأطلسي والقواعد الأمريكية من هجوم صاروخي إيراني.
وفي خطاب بثه التلفزيون على الهواء حذر بوتين من أن هذه الخطوة ستهدم مساعي الحد من التسلح وجهود حظر انتشار الأسلحة النووية، وقال بوتين "هذه الخطوة لم تأت مفاجأة لنا. لكننا نعتقد أن هذا القرار خاطئ."
ويعكس تسلسل الأحداث في بداية علاقة البيت الأبيض مع بوتين نمطا تكرر خلال الأعوام التالية وحتى الأزمة الأوكرانية الحالية يتمثل في بعض الأفعال الأمريكية سواء مقصودة أو غير مقصودة تؤدي إلى رد فعل مبالغ فيه من بوتين المتضرر من هذا التصرف.
وبينما تحشد روسيا عشرات الآلاف من جنودها على امتداد الحدود الروسية الأوكرانية يعمل بوتين على إحباط ما يقول الكرملين إنه مؤامرة أمريكية لتطويق روسيا بمجموعة من الجيران المعادين لها.
وأكد خبراء إنه يعمل أيضا على الترويج للبوتينية التي قولها إنها صورة متحفظة ومغالية في القومية من أشكال رأسمالية الدولة وذلك كبديل عالمي للديمقراطية الغربية.
وأوضح مسئولون أمريكيون حاليون وسابقون إن هذا النمط يعكس فشلا أمريكيا في الاعتراف بأنه رغم اختفاء الاتحاد السوفيتي كعدو عقائدي فإن روسيا بقيت قوة كبرى تتطلب نفس المستوى من الاهتمام في السياسة الخارجية مثل الصين والدول الكبرى الأخرى أي أنها علاقة لا يجب أن تكون وسيلة لغايات أخرى بل غاية في حد ذاتها.
وقال جيمس ف. كولينز السفير الأمريكي لدى موسكو في أواخر التسعينات "لا أعتقد أننا كنا نبدي الاهتمام حقا." وأضاف ان العلاقات الثنائية "كانت تعتبر أمرا ليس بالكبير."
فيما أكد مسئول أمريكي رفيع كان واضحا منذ البداية أن بوتين لن يكون شريكا سهلا. فهو قومي روسي ذو نزعات شمولية يشعر مثل من سبقوه في حكم روسيا لقرون بارتياب عميق من الغرب.
وقد كون بوتين جانبا كبيرا من آرائه عن العالم إبان عمله ضابطا في المخابرات الروسية في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة وخلال عمله مسؤولا حكوميا في أيام الفوضى التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي في التسعينات التي يرى بوتين وكثير من الروس إنها فترة استغلت فيها الولايات المتحدة مرارا الضعف الروسي.
ومنذ أصبح بوتين رئيسا لروسيا عام 2000 جعل هدفه الأساسي استعادة قوة روسيا ومجال نفوذها التقليدي.
وعزز بوتين قبضته على السلطة وعمل بشكل ممنهج على قمح المعارضة واستخدم امدادات الطاقة الروسية كسلاح اقتصادي ضد جيران روسيا.
وبفضل ارتفاع أسعار النفط وحق استخدام الفيتو في مجلس الامن التابع للامم المتحدة أتقن بوتين فن وخز الرؤساء الامريكيين كلما شاء ليستحثهم على التصرف بشكل معين بل وعرقل السياسات الامريكية في بعض الأحيان.
وقال مسؤولون من إدارات الرئيسين بوش وباراك أوباما إن المسؤولين الأمريكيين بالغوا في البداية في تقدير المجالات المحتملة للتعاون مع بوتين. ثم ساهمت واشنطن في تراجع شديد في العلاقات مع موسكو من خلال مزيد من الثقة المفرطة واللامبالاة بل والتصرفات الحمقاء في بعض الأوقات.
وتعثرت العلاقة التي نشأت بعد 2001 بين بوش وبوتين بسبب خلاف رئيسي هو علاقة روسيا بجيرانها. وفي نوفمبر عام 2002 أيد بوش دعوة حلف شمال الأطلسي لسبع دول في أوروبا الشرقية من بينها الجمهوريات السوفيتية السابقة استونيا ولاتفيا وليتوانيا لبدء محادثات حول الانضمام للتحالف الغربي.
وفي عام 2004 وبقوة دفع من بوش شخصيا أصبحت الدول السبع أعضاء في حلف شمال الاطلسي.
وتساءل بوتين ومسئولون روس آخرون عن سبب استمرار الحلف في النمو رغم أن العدو الذي أنشئ هذا الحلف للتصدي له لم يعد له وجود باختفاء الاتحاد السوفيتي. وتساءلوا عما سيفعله توسع حلف شمال الأطلسي لمواجهة الأخطار الجديدة مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية.
وقال بوتين "هذا التوسع في الأساس لا يتيح لنا مواجهة التهديدات الحالية. ولا يسمح لنا بمنع أشياء مثل الهجمات الإرهابية في مدريد أو إعادة الاستقرار في أفغانستان."
واكد توماس إي جراهام الذي كان مسئولا عن ملف روسيا في مجلس الأمن القومي في عهد بوش إنه كان يجب بذل مجهود أكبر لخلق هيكل أمني أوروبي جديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي يحل محل حلف شمال الأطلسي ويشمل روسيا.
وأضاف جراهام "ما كان علينا أن نهدف إليه بل وما يجب أن نهدف إليه الان هو هيكل أمني يقوم على ثلاثة أعمدة الولايات المتحدة وأوروبا موحدة بشكل ما وروسيا."
لكن نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني والسناتور جون مكين ومحافظين آخرين بالاضافة إلى ديمقراطيين متشددين ظلوا على ارتيابهم في روسيا وحرصهم على توسعة حلف شمال الأطلسي. وقالوا إنه يجب ألا يكون لموسكو سلطة الاعتراض على الدول التي تنضم لحلف الاطلسي وإنه لا ينبغي لرئيس أمريكي أن يرفض مطالب أي دول من أوروبا الشرقية للفكاك من الهيمنة الروسية.
وارتبط خلاف جوهري آخر بين بوش وبوتين بالديمقراطية. فما رآه بوش ومسئولون أمريكيون آخرون ديمقراطية تنتشر في مختلف أنحاء الكتلة السوفيتية السابقة اعتبره بوتين تغييرا للأنظمة لصالح الولايات المتحدة.
وكان الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 دون موافقة من الأمم المتحدة ورغم اعتراضات فرنسا وألمانيا وروسيا نقطة تحول بالنسبة لبوتين. وقال إن الحرب مثلت استهزاء بكل المزاعم الامريكية عن تعزيز الديمقراطية في الخارج وحماية القانون الدولي.
كما شعر بوتين بارتياب عميق في الجهود الامريكية لنشر الديمقراطية في الكتلة السوفيتية السابقة حيث قدمت وزارة الخارجية الامريكية وجماعات أمريكية لا تهدف للربح تدريبا وأموالا لمنظمات المجتمع المدني المحلية. واتهم بوتين في خطبه العلنية الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون غيرها.
وفي أواخر عام 2003 أدت احتجاجات عامة في شوارع جمهورية جورجيا السوفيتية السابقة عرفت باسم ثورة الزهور أو الثورة الوردية إلى انتخاب زعيم موال للغرب. وبعد أربعة أشهر خرج المتظاهرون إلى الشوارع في أوكرانيا فيما عرف بالثورة البرتقالية وأدت إلى تنصيب رئيس موال للغرب.
وقال مسؤولون أمريكيون كبار إن بوتين اعتبر هذه التطورات مؤامرات تدعمها الولايات المتحدة وصفعات على وجهه بعد المساعدة التي قدمها في أفغانستان.
وفي عام 2006 اشتدت خلافات بوش وبوتين حول الديمقراطية. وفي مؤتمر صحفي بأول قمة تستضيفها روسيا لمجموعة الثماني تبادل الرئيسان تصريحات فيها قدر كبير من العصبية فقال بوش إن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز الحرية في العراق الذي كان غارقا في العنف في ذلك الوقت. وسخر بوتين من بوش علانية.
وقال بوتين مبتسما "من المؤكد أننا لا نريد نوع الديمقراطية الموجود في العراق" فانفجر الحاضرون في الضحك ، وحاول بوش التمويه فرد قائلا "فقط انتظر" مشيرا إلى التطورات في العراق.
واوضح جراهام إن إدارة بوش أوضحت بطرق بسيطة لكنها جلية أن دولا أجنبية أخرى لا سيما العراق لها الأولوية على العلاقات الثنائية مع موسكو.
ففي عام 2006 على سبيل المثال طلب البيت الابيض من الكرملين الإذن لتوقف طائرة بوش للتزود بالوقود في موسكو في طريقه إلى اجتماع قمة آسيا والمحيط الهادي. لكنه أوضح أن بوش لا يتطلع للقاء بوتين الذي كان من المقرر أن يقابله على هامش القمة.
وبعد أن شكا دبلوماسيون روس أوفدت الادارة الامريكية جراهام إلى موسكو للتأكد مما إذا كان بوتين يرغب حقا في عقد اجتماع ولتوضيح أنه إذا عقد اجتماع فسيكون بلا أي مضمون.
وفي النهاية التقى الرئيسان واتفقا على أن يطلبا من مرؤوسيهما العمل على التوصل لمجموعة تدابير للحد من انتشار الأسلحة النووية.
وقال جريام "عندما جاء الفريق الروسي إلى واشنطن في ديسمبر عام 2006 في وفد عال إلى حد ما... لم يكن لدينا ما نقدمه له. فلم يكن لدينا وقت للتفكير في هذا الموضوع. كنا نركز على العراق." ، وتابع: إن هذا التصرف من إدارة بوش أهان موسكو.
وأضاف "ضيعنا بعض الفرص في السنوات الاولى من إدارة بوش لوضع العلاقات على مسار مختلف. ثم كانت بعض تصرفاتنا فيما بعد سواء مقصودة أو غير مقصودة رسالة واضحة لموسكو أننا لا نهتم."
وانكشفت حقيقة علاقة بوش ببوتين في عام 2008. ففي فبراير أعلنت كوسوفو من جانب واحد استقلالها عن صربيا بدعم من الولايات المتحدة وهي خطوة كانت روسيا حليف صربيا القديم تسعى لعرقلتها دبلوماسيا على مدى أكثر من عشر سنوات.
وفي ابريل حصل بوش على تأييد قمة حلف شمال الاطلسي المنعقدة في بوخارست لاقامة نظام دفاع صاورخي في أوروبا الشرقية.
ودعا بوش حلف شمال الاطلسي إلى منح أوكرانيا وجورجيا خطة للعضوية وهي خطوة رسمية ترسم للدولتين مسارا يفضي إلى الانضمام لعضوية الحلف. وعرقلت فرنسا وألمانيا هذه الخطوة وحذرتا من أن المزيد من التوسع للحلف سيؤدي إلى موقف روسي عدواني عندما تستعيد موسكو قوتها.
وفي النهاية أصدر الحلف ببساطة بيانا قال فيه إن البلدين سيصبحان أعضاء فيه. وكان هذا الموقف الوسط مجازفة باستعداء موسكو دون منح كييف أو تفليس خارطة طريق للانضمام للحزب.
وقال المسؤول الامريكي الكبير إن هذه الخطوات كانت في نظر بوتين الطامة الكبرى ما أدى إلى تفاقم إحساس الزعيم الروسي بأنه ضحية عملية خداع.
وأضاف "غذى انجاز الأمور الثلاثة معا في فترة متقاربة استقلال كوسوفو ومسألة الدفاع الصاروخي وقرارات توسيع حلف شمال الأطلسي الاحساس بأن هناك من يحاول استغلال روسيا."
وفي أغسطس 2008 جاء رد بوتين. فبعد أن بدأت جورجيا هجوما لاستعادة السيطرة على اقليم أوسيتيا الجنوبية المنشق المؤيد لروسيا بدأ بوتين عملية عسكرية وسعت نطاق سيطرة روسيا على أوسيتيا الجنوبية وعلى منطقة منشقة أخرى هي إبخازيا.
واحتجت إدارة بوش علانية لكنها امتنعت عن الرد عسكريا في جورجيا إذ كانت منشغلة بالعراق وأفغانستان. وخرج بوتين منتصرا وقد حقق هدفه بالوقوف في وجه الغرب.
بعد الفوز في الانتخابات عام 2008 أجرى باراك أوباما مراجعة شاملة للسياسات الخاصة بروسيا. وكان المهندس الرئيسي لعملية المراجعة هو مايكل ماكفول الاستاذ بجامعة ستانفورد الذي ينادي بالمزيد من من الديمقراطية في روسيا والذي شغل المنصب الذي كان يشغله توماس جريام في مجلس الامن القومي من قبل، وفي مقابلة أجريت في الاونة الأخيرة قال ماكفول إنه عندما درس فريق الامن القومي الجديد الذي عينه أوباما الأهداف الاساسية للسياسة الخارجية وجد أن ما يخص روسيا منها يمثل عددا قليلا. وكان هدف واحد فقط يتعلق مباشرة بالعلاقات الثنائية مع موسكو وهو التوصل لمعاهدة جديدة للحد من التسلح النووي.
وقال ماكفول إن العلاقات مع موسكو اعتبرت مهمة من حيث تحقيق أهداف أخرى للسياسة الخارجية لا لأهميتها في حد ذاتها.
وأضاف "كان هذا هو منهجنا."
كانت استراتيجية أوباما الجديدة تجاه روسيا تسمى إعادة الأمور إلى وضع الصفر. وفي يوليو 2009 سافر أوباما إلى موسكو لبدء تنفيذها. وفي مقابلة مع وكالة اسوشييتد برس للانباء قبل أيام من سفره من واشنطن وبخ أوباما بوتين الذي أصبح رئيس وزراء روسيا في 2008 بعد أن أمضى فترتين متتاليتين في رئاسة روسيا وهو الحد الأقصى الدستوري.
وقال أوباما إن الولايات المتحدة تطور "علاقة جيدة جدا" مع الرجل الذي اختاره بوتين خليفة له وهو ديمتري ميدفيديف. واتهم أوباما بوتين بانتهاج "أساليب الحرب الباردة" في العلاقات مع واشنطن.
وفي موسكو أمضى أوباما خمس ساعات في لقائه مع ميدفيديف واجتمع ساعة واحدة مع بوتين الذي كان يعتبر على نطاق واسع مركز القوى الحقيقي في البلاد، وبعد الاجتماع قال بوتين إن العلاقات الأمريكية الروسية مرت بمراحل مختلفة.
وقال بينما كان أوباما يجلس على بضع خطوات منه "كانت هناك فترات ازدهرت فيها علاقاتنا بعض الشيء وفترات نصفها بأنها رمادية بين بلدينا وفترات ركود."
وفي البداية سارت السياسة الامريكية على ما يرام. فخلال زيارة أوباما وافقت موسكو على زيادة كبيرة في قدرة واشنطن على شحن الامدادات العسكرية إلى أفغانستان عن طريق روسيا. وفي ابريل نيسان 2010 وقعت الولايات المتحدة وروسيا معاهدة جديدة للحد من الاسلحة الاستراتيجية ما أدى إلى تقليص الترسانتين النوويتين الامريكية والروسية.
وفي وقت لاحق من ذلك العام أيدت روسيا في الامم المتحدة فرض عقوبات جديدة كاسحة على ايران وعطلت بيع نظام الصواريخ المضادة للطائرات إس 300 الروسي الصنع لطهران.
وقال خبراء إن شهر العسل الذي استمر عامين كان نتيجة تواصل إدارة أوباما مع روسيا في المسائل التي كانت تهم البلدين مثل خفض التسلح النووي ومكافحة الارهاب وعدم انتشار الاسلحة النووية.
أما القضايا الجوهرية التي أثارت التوترات خلال إدارة بوش وتمثلت في الديمقراطية وجيران روسيا فظلت إلى حد كبير كما هي.
في عام 2011 اتهم بوتين وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بتنظيم مظاهرات في شوارع موسكو سرا بعد انتخابات برلمانية روسية أثارت خلافات. وقال بوتين إن كلينتون شجعت خصوم الكرملين "من المرتزقة".
وادعى بوتين أن حكومات أجنبية قدمت "مئات الملايين" من الدولارات لجماعات المعارضة الروسية، وقال بوتين إن كلينتون "هيأت الجو لبعض نشطاء المعارضة وأعطتهم إشارة وسمعوا هم الإشارة فبدأوا عملهم النشط."
ووصف ماكفول ذلك بأنه مبالغة جسيمة. وقال إن الحكومة الامريكية وجماعات أمريكية لاتهدف للربح قدمت اجمالا عشرات الملايين من الدولارات لدعم منظمات المجتمع المدني في روسيا ودول الكتلة السوفيتية السابقة منذ عام 1989.
وفي 2012 انتخب بوتين لرئاسة البلاد فترة ثالثة وبدأ حملة كاسحة على المعارضة وعمل على إعادة مركزية السلطة. وقال ماكفول إن الزعيم الروسي رفض دعوات متكررة لزيارة واشنطن عندما كان رئيسا للوزراء وامتنع عن حضور اجتماع لمجموعة الثماني في واشنطن عندما أصبح رئيسا مرة أخرى.
وقال ماكفول مرددا ما كان يقوله مسؤولون في عهد بوش إن من المستحيل سياسيا على رئيس أمريكي أن يرد على التعاون الروسي في قضية ايران على سبيل المثل بصمت أمريكي عن الديمقراطية في روسيا وضغوط موسكو على جيرانها.
وقال "لن نفعل شيئا إذا كان معناه مقايضة شراكات أو اهتمامات بشركائنا أو حلفائنا في المنطقة. لن نفعل ذلك إذا كان معناه مقايضة كلامنا عن الديمقراطية وحقوق الانسان."
وأكد أندرو وايس الخبير في الشؤون الروسية بمعهد كارنيجي للسلام الدولي إن الخلافات حول الديمقراطية أنهت أي أمل في تحقيق تفارب أمريكي روسي مثلما حدث في عهد إدارة بوش، وأضاف "هذا الصراع يؤدي في الاساس إلى تبخر العلاقة."
وفي عام 2013 تردت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. ففي يونيو منح بوتين اللجوء لموظف وكالة الامن القومي الامريكي إدوارد سنودن. وفي المقابل ألغى أوباما لقاء قمة مزمعا مع بوتين في موسكو في خريف ذلك العام وكانت تلك هي المرة الأولى التي تلغى فيها قمة أمريكية مع الكرملين على مدى 50 عاما.
وفي الخريف الماضي أيضا بدأت في كييف المظاهرات المطالبة بتقارب أوكرانيا من الاتحاد الاوروبي. وفي ذلك الوقت كان ارتياب البيت الابيض في بوتين كبيرا وقال وايس إنه لم يكن يعير الكتلة السوفيتية السابقة اهتماما يذكر.
وبلغ الحال بمسؤولي البيت الابيض أن اعتبروا روسيا طريقا مسدودا في السياسة الخارجية وليست مصدرا لنجاحات محتملة.
وأيدت إدارة أوباما خطة من شأنها تقريب أوكرانيا من الاتحاد الاوروبي وابعادها عن الكتلة الاقتصادية التي أنشأها بوتين وتدور في فلك روسيا. وقال منتقدون إنه كان من الخطأ حمل أوكرانيا على الاختيار بين الجانبين.
وقال جاك إف. ماتلوك الذي عمل سفيرا أمريكيا لدى موسكو من 1987 إلى 1991 إن الاحتجاجات المتصاعدة على مدى سنوات جعلت بوتين يشعر أن الغرب يحاصره بجيران معادين. وعلى مر القرون كان زعماء روسيا يرون أن العلاقات الودية مع أوكرانيا مهمة للدفاع عن موسكو.
وأكد ماتلوك "أوكرانيا كانت على الدوام الخط الأحمر الحقيقي. وعندما تبدأ وخزهم في أكثر المناطق حساسية دون داع بشأن أمنهم فستجد رد فعل يجعلهم أقل تعاونا بكثير."
فيما قال خبراء أمريكيون إن من المهم للولايات المتحدة أن ترسم استراتيجية جديدة طويلة الأجل تجاه روسيا لا تلقي فيها المسؤولية عن الأزمة الحالية على بوتين وحده.
وقال ماثيو روجانسكي خبير الشؤون الروسية لدى ويلسون سنتر إن شيطنة بوتين تعكس استمرار فشل المسؤولين الامريكيين في الاعتراف بقوة روسيا ومصالحها وأهميتها، وقال روجانسكي "بوتين انعكاس لروسيا. زائفة تلك الفكرة الغريبة أن بوتين سيختفي وستظهر فجأة روسيا لينة."
ودعا مسؤول أمريكي رفيع اشترط عدم الكشف عن اسمه إلى استراتيجية طويلة الاجل تستغل تعدد مزايا الولايات المتحدة وأوروبا مقارنة بروسيا.
وقال ماتلوك السفير الامريكي السابق إن من المهم أن تضع واشنطن وموسكو نهاية للنمط المدمر الذي يقوم على تصرف أمريكي أهوج يتبعه مبالغة في رد الفعل من جانب روسيا.
وأضاف "كثير من المشاكل في علاقاتنا ترتبط حقا بما أصفه بأفعال أمريكية مستهترة. الكثير منها لا يقصد به الاضرار بروسيا. لكن التفسير الروسي كثيرا ما يبالغ في درجة العداوة ويغالي في رد الفعل."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.