«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا أنا ملحد؟.. من هنا انطلق قطار الإلحاد في مصر
نشر في محيط يوم 13 - 04 - 2014

إنها ليست بظاهرة جديدة ان يعلن البعض عدم الإيمانه بالإله ، هي حالة حتي موجودة في ما قبل العصر الحديث من الذين يطلقون علي انفسهم الدهريين " لا إله في الأرض والحياة مادة " بداءت في بدايات القرن الماضي عندما ألقي الطبيب المفكر أحمد زكي ابو شادي محاضرة بعنوان "عقيدة الألوهية" التي ألقها في ندوة الثقافة بالإسكندرية مساء الثلاثاء 3نوفمبر سنة 1936والتي نشرت ملحقة في مجلة أدبي في نفس العام وهي المحاضرة التي نحي فيها منحا أدبيا وصوفيا وجمع بين العقل والقلب والفطرة في إثبات الألوهية .
فلما قرأ د اسماعيل أدهم هذه المحاضرة رد عليها بمقال " لماذا انا ملحد؟ " وهو المقال الذي رفض فيه قيام الكون الطبيعي والبشري علي قانون السببية ، وعلاقة الأسباب بالمسببات ، واضعا بدلا من ذلك "قانون الإحتمالات ....رافضا وجود سبب أولي لما في الوجود من أسباب .
لماذا رسالة الإلحاد؟
تحدث أدهم في رسالته "لماذا أنا ملحد؟" عن خطته التي تعمل على التوفيق بين الدين وحقائق العلم، وقال: "فإني بروحي المتصوفة المتدينة التي تتغذى في الوقت ذاته على العلم أميل إلى الإدماج وكلما تشرب الإسلام العلم –وهذه طبيعته الأصلية- ازداد نفعا وعظمة وتألقا وقوة على مسايرة القرون".
وقد أفرد له مصطفى عبد اللطيف السحرتي المحامي محرر مجلة "الإمام" حيزا كبيرا من مجلته لنشر هذه الرسالة في أغسطس عام 1937م، ثم قام إسماعيل أدهم بإعادة نشرها في كراسة منفصلة بعد نفاد أعداد المجلة، الأمر الذي استثار شيوخ المحافظين والمجددين معا وتدافعوا للرد عليه عقب نشرها.
لكن.. لماذا هو ملحد؟
نقد أدهم قول أحمد زكي أبو شادي أن التدين جبلة يفطر الإنسان عليها وراح يقلب في صفحات ذكريات طفولته ليدلل على أنه كان شكاكا وملحدا منذ نعومة أظفاره، وأنه كان يضيق ذرعا بحفظ القرآن والصلاة والصوم، وغير ذلك من تعاليم الإسلام التي كان يتلقاها على يد زوج عمته قهرا، وأن تعاليم المسيحية البروتستانتية وكتابات "إسبينوزا" في نقد الكتب المقدسة وشكوك "هيوم" في عقيدة الألوهية وآراء "داروين" و"سبنسر" و"أوغست كونت" في تفسير الوجود وتطور المجتمع كانت أقرب إلى نفسه من القرآن وكتب السيرة المحمدية.
ويقول في ذلك: "وكانت نتيجة هذه الحياة أني خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات واستعنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي وأشد ما كانت دهشتي وعجبي أني وجدت نفسي أسعد حالا وأكثر اطمئنانا من حالتي حينما كنت أغالب نفسي للاحتفاظ بمعتقد ديني"، ثم يقول: "فأنا ملحد ونفسي ساكنة لهذا الإلحاد، ومرتاحة إليه فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف في إيمانه".
وقد حرص إسماعيل أدهم على توضيح وجهته الإلحادية فبين أن إلحاده قد تجاوز درجة الشك في الكتب المقدسة والغيبيات كما هو الحال عند إسبينوزا وهيوم وفولتير على الرغم من اتفاق إسماعيل أدهم معهم في نقض الغيبيات باعتبارها خرافة يجب نبذها والشك في الكتب المقدسة بوصفها كتبا ملفقة، وأن ليس هناك ثمة وجود برهان علمي أو عقلي يقطع بوجود إله على النحو الذي تحدثت عنه التوراة والإنجيل، فإنه يرفض اعتقادهم بوجود إله باعتباره حاجة إنسانية يمكن البرهنة عليها عن طريق الإحساس والشعور، وأبى أدهم إلا أن ينضوي تحت راية الفيلسوف "هولباخ" الذي يعد نموذجا للإلحاد الكامل فذهب معه إلى أن الإيمان بوجود إله يرجع إلى جهل الناس بحقيقة الطبيعة والإصغاء للكهنة الدجالين الذين ابتدعوا فكرة الله لخداع الناس وتضليلهم وابتزازهم.
ورأى أن الإلحاد لا يفضي إلى الفوضى والانحراف الخلقي، بل إن الإيمان بالأديان التي تتحدث عن التوبة والخلاص والمغفرة هو الذي يؤدي إلى ذلك، وقد تابع جحود هولباخ لفكرة وجود الله وسايره في جل آرائه الإلحادية ولم يخالفه إلا في مسألة نظام الكون، فعلى الرغم من رفض هولباخ كل أشكال الدين فنجده يقرر بحتمية قوانين الطبيعة المستمدة من المادة، بينما تبنى أدهم نظرية المصادفة التي فسر بها داروين وجود الكائنات ونقض بها "برتراند رسل" نظرية الحتمية المادية والغائية الإلهية.
ورفض أدهم تعريفات فلاسفة الإلحاد الذين رأوا أن الإلحاد هو إنكار وجود الله، ورأى أن ذلك تعريف سلبي، فالإلحاد في نظره هو: "الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته، وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم".
ويبدو أن أدهم قد انتهج في صياغة تعريفه للإلحاد نفس منهج "جوزيف مكاب" زعيم ملاحدة القرن العشرين الذي انتحل في كتابه "وجود الله" المنشور عام 1913 آراء المتشككين والملحدين ونسبها إلى نفسه، الأمر الذي يسر على نقاده الرد على مزاعمه وتفنيد الأفكار التي تبناها فاعتبروه مقلدا وليس مجددا في آرائه الإلحادية، وهي عين التهمة التي وجهت لأدهم من قبل خصومه ومناظريه.
لماذا أنا مؤمن؟
وقد قام أحمد زكي أبو شادي بالرد على "إسماعيل أدهم" في رسالة أسماها "لماذا أنا مؤمن؟" بيّن فيها أن إلحاد أدهم وسخطه على الأديان بعامة والدين الإسلامي بخاصة يتعارض مع الحرية والعقل والتقدم والنظرة العلمية للكون التي ينشدها أدهم، وأن حججه على إنكار وجود إله لا تخلو من المغالطة والتعصب الذي تأباه الروح العلمية التي يحتمي بها، ووضح أن فكرة الألوهية فكرة قبلية في الإنسان أشبه بالغريزة، واستشهد في ذلك برأي العلماء، ويقول عن رسالته: "وقد تدبرت طويلا كما درست نظريات وتجارب شتى لطائفة من رجال الفلسفة والتاريخ والدين والعلم فانتهيت إلى نظريتي التي حبذها الدكتور ريتشارد بل الأستاذ بجامعة إدنبرة ألا وهي: أن الإحساس بالألوهية إحساس (فطري) شبه غريزي وهو انجذاب الجزء نحو الكل". وذهب "محمد فريد وجدي" في رسالته "لماذا هو ملحد؟" أن النزعة الإلحادية التي تبناها الدكتور إسماعيل أدهم ليست بالأمر الجديد على الفكر الإسلامي ولا ينبغي على المسلمين أن يضيقوا بها، فقد واجه الإسلام منذ ظهوره الزنادقة والملاحدة وانتصر عليهم بالحجة والبرهان، وأن مبررات أدهم ما هي إلا ترديد لآراء الهراطقة القدماء والمحدثين، وأن اتخاذه الفلسفة والعلم حجتين على إنكار الربوبية لا يخلو من العسف، وذلك لأن معظم الفلاسفة الوضعيين الذين احتج بهم لم تسقهم نظرياتهم إلى الإلحاد المطلق، أما العلماء فلا تجد من أكابرهم منكرا للعلة المدبرة والغائية، بينما الإلحاد المطلق لا يدين به إلا الذين يخلطون بين الفلسفة والعلم في مذاهبهم شأن إسماعيل أدهم.
وراح وجدي يستشهد بآراء العلماء الطبيعيين والرياضيين والفلاسفة الذين أكدوا وجود الله كحقيقة فلسفية وعلمية، ومنهم هنري بوانكاريه العالم الرياضي الفرنسي الشهير الذي أكد أن كل ما نسميه بالحقائق العلمية الثابتة ما هو إلا مجرد افتراض لا يرقى إلى مرتبة اليقين، ومن ثم لا يمكننا الفصل في قضية وجود الله استنادا لأحكام نسبية وحقائق مؤقتة سرعان ما تكشف عن زيفها التجارب العلمية الحديثة.
وعاب وجدي على أدهم تشويهه للحقائق وتزيفها وذلك في اتخاذه نقد الفيلسوف الفرنسي "كانت" لأدلة وجود الله في كتابه "نقد العقل الخالص" تكأة لتبرير إلحاده، وأوضح له أن ما أنكره "كانت" في مبحث المعرفة هو الجانب الميتافيزيقي فقط وسرعان ما تيقن منه وأثبته في كتابه "نقد العقل العلمي"، و"الدين في حدود العقل وحده"، كما أن الكتب التي تبحث في فلسفة الدين لم تدرج "كانت" في قائمة المتشككين، بل درجته ضمن المثبتين المؤمنين. وكشف كذلك عن مواطن الغلو في دفوع أدهم المتمثلة في زعمه أن الإنسان لم يشعر بحاجته للتدين إلا من ألفي عام، وافتقار فكرة الله لقوة الإقناع، وفضح جهله بعلم أنثروبولوجيا الأرض مع ظهور الإنسان من جهة، وتبرهن على أن فكرة العقلية من البديهيات وفلسفة الحضارة وتاريخ الديانات التي تؤكد رسوخ عقيدة الألوهية في العقلية من جهة أخرى.
وانتهى محمد فريد وجدي إلى أن العلة الحقيقية لإلحاد أدهم ترجع لغربته التربوية والفكرية عن روح الإسلام المتمثلة في عدم تنشئته نشأة دينية قويمة وتثقفه على يد المتشككين والملحدين ويقول: "فهذه كلها عوامل تقذف بنفسية الطفل من الشذوذ إلى مكان بعيد ولا عجب لنفس يحكم عليها أن تكون وسط هذا التناقض، ولا تشعر بانقباض شديد يحملها على طلب المخرج منه، فلما آتته نظرية الإلحاد وجد فيها الراحة التامة لضميره والثلج الكلي لصدره فأخذ بها وتحمس لها".
قزم عملقته الصحافة
وأكد الشيخ مصطفى صبري في كتابه "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين" أن أدهم ملحد مدعي العلم والتفلسف وقزم عملقته الصحف الماسونية واليهودية والبلشفية التي حملت على الإسلام حملة جائرة في الفترة بين الحربين ولاسيما في مصر لتشكيك المسلمين في دينهم ونشر الإلحاد بين مثقفيها، مستندا في ذلك على تصريح صديقه صادق صبري بك أميرلاي أركان الحرب سابقا في تركيا الذي تولى تربية أدهم بعد وفاة والده، الذي جاء فيه أن إسماعيل أدهم كان طالبا متلكئا بطيئا في تحصيل العلوم، وأن معرفته باللغة التركية والعربية واللغات الأوروبية معرفة متواضعة لا تمكنه من النبوغ والتفوق الذي نسب له، وأن الشهادات العلمية التي نالها من الآستانة وألمانيا وروسيا شهادات ملفقة من صنع الجمعيات الإلحادية. ودلل على ذلك برفض جامعة إستانبول تعيينه أستاذا للرياضيات وأسندت إليه مهمة أقرب للصحافة منها إلى تخصصه المزعوم في الميكانيكا والرياضيات والفيزياء، ألا وهي التأريخ للحياة الثقافية في مصر في القرن العشرين وتقييم الحياة الأدبية فيها، وكذا اعتذاره عن إلقاء بعض المحاضرات في كلية العلوم بالجامعة المصرية متعللا بضعف صحته وكثرة شواغله، ذلك فضلا عن رفضه دعوة أحمد زكي أبو شادي وفؤاد صروف لضمه إلى المجمع المصري للثقافة العلمية، متحججا بأن معرفته بالعربية لا تمكنه من شرح وتبسيط النظريات العلمية المعقدة التي عبر عنها في كتاباته بالروسية والألمانية والتركية.
تعليل إلحاد أدهم
يقول سامي الكيالي في كتابه "الراحلون" عن علة إلحاده وتطرفه: "وقد عرفنا أن أدهم أتم دراسته الثانوية في أنقرة والعالية في ليننغراد أي حين كانت الثورة الكمالية في احتدام فورانها والروسية في بدء تكاملها فعب من رحيقهما ما جعله في طليعة المؤمنين برسالتيهما، ومن هنا جاءت آراؤه المتطرفة في الكثير من القضايا الاجتماعية والدينية".
وقد استتر الكاتب "عباس محمود العقاد" وراء شخصية إبراهيم حسنين البريدي وذهب إلى أن مضمون رسالة أدهم منقول عن رسالة فيلسوف إنجليزي تشابهت ظروف نشأته وثقافته مع ظروف أدهم وملته واعتقاده، وهي تحمل نفس الاسم الذي حملته رسالة أدهم، ولعله يقصد كتاب "برتراند رسل" "لماذا أنا ملحد؟".
وقام الشيخ يوسف الدجوي بالرد على رسالة أدهم فكتب عدة مقالات في مجلة الأزهر تحت عنوان "حدث جلل لا يمكن الصبر عليه"، وجاء في نقضه أن رسالة أدهم درب من السخف وأن صاحبها يطعن في دين الدولة ومليكها حامي الدين والعلم، وأن ما جاء فيها يتناقض مع الفطرة الإسلامية التي جبل عليها سائر البشر.
قانون المصادفة
لم تقف مساهمة إسماعيل أدهم في هذه المثاقفة عند هذا الحد بل أراد أن يرمي عقيدة الألوهية برمح العلم ولم يفطن أن عصاته قناة بلا سنان لا تطعن ولا تصيب فقد أراد أدهم توطئة رسالته الإلحادية بإحدى النظريات التي تجمع بين العلم والفلسفة لإنكار العناية والغائية وخلق الكون من عدم، ألا وهي نظرية المصادفة، مسايرا بذلك الماركسيين الذين جعلوا من المادة الجوهر الأساسي الأزلي الأبدي الذي انبثقت عنه جميع الموجودات بحركة ذاتية داخلية وأطوار استغرقت ملايين السنين لا يحكمها إلا الصدفة.
ولم يكن من العسير على مناظريه هدم هذه النظرية المزعومة، فذهب أحمد زكي أبو شادي إلى أن قانون المصادفة الذي استند عليه أدهم إذا ما طبق على نحو مطلق شامل كما يزعم فسوف يصبح دربا من الفوضى التي ينقصها النظام الواقع في العالم؛ الأمر الذي يجعل نظريته أقرب إلى اللغو والسفسطة منها إلى العلم.
أما محمد فريد وجدي فوضح أن معارضة أدهم لأينشتاين وجيمس جينز وغيرهما من العلماء معارضة يعوزها السند العلمي والمنطق العقلي وأن حديثه عن حساب الاحتمالات ينأى عن القواعد الأساسية التي تضبط هذا العلم، وأن قوله بالتفرد في اكتشاف نظرية الصدفة الشاملة مجرد ثرثرة لم تلتفت إليها الدوائر العلمية التي ادعى أنه اتصل بها لدراسة نظريته الجديدة.
أما الشيخ مصطفى صبري فقال إن إسماعيل أدهم قد اتخذ من الاحتمال والترجيح سبيله لإنكار وجود الله، في حين مضى الشيخ يوسف الدجوي يؤلب على أدهم الملك والبرلمان والوزارة والرأي العام مستندا على مواد الدستور التي تقرر أن دين الدولة هو الإسلام، ومعاقبة من يطعن فيه، وموضحا أن حرية الفكر التي كفلها الدستور لا تعني الاجتراء على الدين والكفر بدين الدولة وجاء في تحريضه الوزارة الدعوة إلى مصادرة رسالة أدهم ومعاقبة صاحبها.
وقد لبت وزارة النحاس نداء الشيخ يوسف الدجوي واستجابت للدعوة التي قدمها شيوخ الأزهر ضد إسماعيل أدهم، وقامت النيابة بالتحقيق معه ومصادرة رسالته وتفتيش منزله فوجدت فيه رسالة (لماذا أنا ملحد؟) وملفات أخرى تحوي بعض نسخ من بحوث متعددة عن فلسفة النشوء والارتقاء، وكتاب "لماذا أنا ملحد؟" لراسل، ومظروفا يحوي أكثر من ثلاثين صفحة من كتاب بخطه يشرع في تأليفه ينكر فيه وجود الله ويؤكد إلحاده، وقد حالت جنسيته التركية وحالته الصحية بينه وبين السجن واكتفت النيابة بتحذيره وتعطيل مجلة الإمام التي نشرت الرسالة لأول مرة.
معركة على أثر المعركة
وقد أثارت هذه الواقعة بعض المجادلات بين المحافظين والمجددين حول المقصود بنص دستور الدولة آنذاك (دستور 1923) (أن دين الدولة الإسلام مادة 49) وما جاء في المواد (12، 14، 16) بشأن حرية الاعتقاد وحرية الرأي والفكر وطبيعة الدور الذي يضطلع به الأزهر وشيوخه في الحياة الثقافية ومدى مشروعية قرارات هيئة كبار علمائه بشأن مصادرة الكتب وإحالة أصحابها للنيابة والحكم بتكفيرهم.
فذهب "سلامة موسى" إلى أن الاعتراف بأن دين الدولة هو الإسلام لا يعني الحجر على حرية الملحد أو البهائي أو البوذي أو المسيحي ومنعه من الدفاع عن مذهبه الذي يعتنقه، أما الإيذاء الذي تسببه حرية البوح بما يخالف الاعتقاد السائد فعلى الرأي العام أن يواجهه بالتسامح، وبيّن مصطفى عبد اللطيف السحرتي أن إيمانه بحرية الفكر التي لا تتعارض مع الدستور كانت دافعه الأول لإفراد بعض صفحات مجلة الإمام –التي كان يحررها- للتناظر والتساجل بين الأدباء والمفكرين وأن نشره رسالة أدهم "لماذا أنا ملحد؟" لا يعدو أن يكون من هذا السبيل، وعاب على شيوخ الأزهر زجهم بموضوع المساجلة في أتون السياسة واستعداء الجمهور على مجلته، وأسف على أسلوب الشيخ يوسف الدجوي في النقد ووصفه بأنه يفتقد أدب الكتابة وأصول النقد شأن المتعصبين من شيوخ الأزهر الذين يسيئون للإسلام بكتاباتهم وحجرهم على حرية الفكر.
ورمى "أبو شادي" الأزهريين بالعنت والجهل والتعصب، موضحًا أن مثل هذه الخصال لا تصدق على من يمثلون الشريعة الإسلامية السمحة والحضارة العربية التي لا تندحر إلا بعد تخليها عن التسامح الفكري والديني، وأوضح أن التمحك بمواد الدستور دون أخرى واستعداء الساسة على رجال الفكر يعد لونا من ألوان الإرهاب والاستبداد، الأمر الذي يتعارض مع الدين والدستور معا.
وأكد محمد فريد وجدي أن المجاهرة بالإلحاد إن كانت تؤذي الشعور العام وتؤلم سرائر المؤمنين فإنها لن تنال من العقيدة الإسلامية ولن تفتن إلا ضعاف الإيمان المحتاجين إلى من يقوم لهم معتقدهم، ويفسر لهم ما لبس عليهم ويقتلع من عقولهم وقلوبهم جذور الشك، وذلك عن طريق الاستناد إلى الحكمة والبرهان العقلي في مجادلة المرتدين، بينما يكمن الخطر في قمع المجترئين على الدين؛ لأن مثل ذلك الصنيع يوهم البعض بأن الإسلام عاجز عن رد مطاعنهم ونقض مزاعمهم، والحق أن من يسلك هذا المسلك لا يكشف إلا عن ضعف حجته وقلة علمه ويخفى جهله وراء حتمية التعصب. ونجد الشيخ عبد المتعال الصعيدي يؤكد أن عدم الإكراه في الإسلام لا يؤدي إلى إباحة الكفر؛ لأن المباح في الشرع هو ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، والثواب والعقاب في هذا التعريف المباح أخرويان، غير أنه أوضح أنه ليس من حق الأزهر تصويب رماح الكفر لمخالفيه، بل الأحرى به أن يطور في مناهجه للدعوة ونشر الإسلام والذود عنه ضد خصومه عن طريق الجدل المثمر والحكمة والموعظة الحسنة.
نهاية اسماعيل ادهم
في مساء الثلاثاء الموافق الثالث والعشرين من شهر يوليو سنة 1940م اكتشفت جثة الدكتور إسماعيل أحمد أدهم طافية بالقرب من شاطئ جليم بالإسكندرية، وقد أثبتت التحقيقات أنه مات منتحرا، وأنه خط رسالة ووضعها في جيبه قبل انتحاره جاء فيها "أنه قتل نفسه بالغرق يأسا من الدنيا وزهدا في العيش فيها، وأوصى بأن يحرق جسده ويشرح رأسه"، وقد دفن في مقابر المسلمين ولم يلتفت أحد إلى وصيته.
أنظر : معركة الإلحاد والإيمان على شرف إسماعيل أدهم
وأيضاً : كتاب حوار الإيمان والإلحاد : هدية مجلة الأزهر في جماد الأخر 1435ه
اقرأ فى هذا الملف
* «الإلحاد» قنبلة موقوتة صنعها المتشددون وانفجرت في بيوت المؤمنين !
* علماء الأزهر: شيوخ السياسة أخرجوا المؤمنين من ملتهم
* "محيط" تخترق الكهوف السرية للملاحدة في مصر وتحاور أحدهم
* "أزهري" يترك الإسلام ويعلن : خطبت الجمعة 3 سنوات وأنا غير مؤمن!
* أفكار خاطئة عن حرية الاعتقاد
** بداية الملف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.