وجد اللبنانييون أنفسهم أمام معضلة لجوء جديدة بعدما انفجرت الأزمة السورية في العام 2011 وتطورت إلى حرب دموية دفعت بالملايين من السوريين بالهرب من العنف في بلادهم إلى دول الجوار. وكان للبنان، الذي لا يزال يعاني من آثار حروبه السابقة والوجود الفلسطيني على أرضه منذ العام 1948، الحصة الأكبر من هذا اللجوء الذي بات يشكل عبئا ثقيلا على هذا البلد الصغير . انقسام اللبنانيون ومع وصول أولى دفعات "اللاجئين الجدد"، الذين بدأوا بالتدفق عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، وانتشارهم بشكل عشوائي ومتداخل في معظم المناطق اللبنانية، انقسم اللبنانيون حول طريقة استيعاب أعدادهم المتزايدة ودار نقاش حاد مع رفض بعض القوى السياسية اللبنانية إنشاء مخيمات لهم، خوفا من أن تتحول إلى مخيمات لجوء دائمة مثل ما حصل سابقا مع اللاجئيين الفلسطينيين. ولجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مع "النكبة" الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وما زالوا، بعد مرور أكثر من 65 عاماً، يتواجدون في 12 مخيماً منتشرا في أكثر من منطقة لبنانية. وتقدر الأممالمتحدة عددهم بحوالي 460 ألفا. وعارضت الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة نجيب ميقاتي بشدة إقامة مخيمات للسوريين منذ اليوم الأول لنزوحهم إلى لبنان، كما عارض هذا الأمر قوى مسيحية وشيعية التي أبدت تخوفا من اختلال التوازن الديموغرافي والمذهبي الهش أصلا في لبنان جراء لجوء النازحين السوريين اليه، خاصة أن غالبيتهم من السنة كما اللاجئيين الفلسطينيين. ويبقى الخوف الأكبر من أن يتحول هذا اللجوء الكبير المؤقت إلى وجود دائم في حال طال أمد النزاع في سوريا، كما حصل مع اللاجئيين الفلسطينيين الذين تحولوا إلى وجود مسلح، وفريق أساسي في الحرب الاهلية اللبنانية التي امتدت من العام 1975 إلى العام 1990. أزمة وحلول وتجدد النقاش مجددا في لبنان حول ضرورة إنشاء مخيمات للاجئين السوريين بعد أن سجلت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة اللاجئ السوري رقم مليون في لبنان الأسبوع الماضي، بشكل تجاوز قدرة لبنان على استيعاب هذه الاعداد الكبيرة من "الضيوف" الذين باتوا يوازون ربع سكان البلاد. وبحسب تقديرات السلطات اللبنانية، فإن عدد اللاجئين السوريين تجاوز 1.3 مليون. ودعا وزير الشئون الاجتماعية رشيد درباس، إلى "إقامة مناطق آمنة داخل سوريا" لإيواء النازحين السوريين المتواجدين في لبنان. وقال درباس في مقابلة مع وكالة "الأناضول" للأنباء، أنه تم تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، تمام سلام، من أجل "بلورة موقف سياسي موحد للدولة اللبنانية" تجاه أزمة النازحين السوريين. وأكد أن عدد النازحين السوريين المتواجدين حاليا في لبنان يفوق المليون ب"عشرات الآلاف"، معتبرا أن رقم المفوضة العليا للاجئين "لا يعبر عن حقيقة الوجود السوري في لبنان". وأضاف: "إننا جاهزون لنقيم مراكز استقبال في المناطق الواقعة بين الحدود، لكن المجتمع الدولي حتى هذه اللحظة لا يتجاوب معنا". وكانت المفوضية العليا للاجئين أعلنت الخميس الماضي أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان تجاوز المليون، واصفة الرقم بأنه "قياسي كارثي". حماية دولية من جهتها، اعتبرت عليا منصور ممثلة الائتلاف الوطني السوري المعارض في لبنان، أن فكرة إنشاء مخيمات للنازحيين داخل الأراضي السورية على مقربة من الحدود مع لبنان "لن يكتب لها النجاح، إلا إذا تم تأمين حماية دولية لهذه المخيمات". وقالت منصور وهي العضو الوحيد للائتلاف المتواجد في لبنان، ل "الأناضول"، أنه لا يمكن الطلب من النازحين أن يسكنوا في هذه المخيمات إن أنشئت، ويأتي في اليوم التالي طيران الرئيس السوري بشار الأسد ليغير عليهم ببراميل متفجرة في ظل عدم وجود أي رادع أخلاقي أو إنساني لديه. وعن إمكانية إقامة مثل هذه المخيمات داخل الأراضي اللبنانية، قالت منصور: "إن الحكومة اللبنانية يمكنها أن تلعب دورا في هذه النقطة "من خلال العمل على الخروج بخطة طارئة لاستيعاب الأعداد الكبيرة للنازحين". معاناة ومبادرة إنسانية وإضافة لمعاناة النازحين السوريين، يواجه الجرحى منهم مخاطر كبيرة أثناء فرارهم من سوريا إلى لبنان عبر الحدود. وقالت منصور: "إن هذه الصعوبات التي يتعرض لها الجرحى السوريون "تسببت بوفاة عدد من الجرحى الذين كانت جراحهم بليغة"، مشيرة إلى أنها طرحت على السلطات اللبنانية فكرة "تنظيم نقل الجرحى السوريين من خلال العمل الفعال والتنسيق على الأرض بين الوزارات اللبنانية والمؤسسات الدولية. وكشفت عن مبادرة إنسانية يقوم بها الائتلاف السوري المعارض في لبنان من أجل خدمة الجرحى الذين تتصف حالتهم بالخطورة، مشيرة الى أن الائتلاف تعاقد مع مستشفى "بخعازي" في بيروت لتغطية نفقات العمليات الجراحية الكبيرة للجرحى السوريين، والتي لا تغطيها الأممالمتحدة ولا الصليب الأحمر الدولي. وأوضحت أن الائتلاف بدأ بهذا المشروع الذي رصد له ميزانية "ضخمة" منذ 3 أسابيع، مشيرة إلى أنه تم تسديد كلفة 17 عملية جراحية لجرحى سوريين. وأضافت أن كلفة العلميات الجراحية التي يتكفل الائتلاف بتغطيتها لا تقل عن 4 آلاف دولار امريكي وصولا الى 20 ألف دولار، في حين أن العمليات التي تغطيها الأممالمتحدة لا تتجاوز تكلفتها 1500 دولار. وفي مستشفى بخعازي في منطقة الحمرا في بيروت، يرقد جريحان سوريان استفادا من مبادرة الائتلاف في تغطية نفقات استشفائهما. وروى الجريح الأول، وهو من سكان بابا عمرو في محافظة حمص ويبلغ من العمر 32 عاما، كيف نزح مع أهالي الحي بعد اشتداد القصف على حمص في 13 ديسمبر / كانون الاول 2012 وتوجه الى حي جوبر في دمشق، حيث اصيب برصاصة قنص في رجله اليمنى اطلقت من مواقع جنود الجيش السوري النظامي. وتم إسعافه أولا في مستشفى ميداني في جوبر، ثم نقل الى مستشفى بيسان في حمص، ومن ثم الى منطقة يبرود وبعدها جرى نقله عبر الصليب الاحمر الدولي الى مدينة طرابلس في شمالي لبنان. و"عامر" هو اسم اختاره هذا الجريح للتعريف عنه بعد ان طلب عدم نشر اسمه الحقيقي ورفض ايضا الكشف عن وجهه امام الكاميرا خلال المقابلة خوفا على عائلته التي مازالت في داخل سوريا. وعانى "عامر" من التهابات حادة نتيجة زرع سيخ حديد لتثبيت الجبس في رجله بعد اصابته، الا ان هذه الالتهابات لم تعالج بشكل جيد، ما ادى الى "تاكل العظم". وانتهى به المطاف في مستشفى "بخعازي" حيث يخضع لعلاج لفترة اسبوعيين للقضاء على الالتهابات حتى اذا ما قضي عليها اجريت له "عملية ثانية لزرع العظم" ووصف "عامر" الواقع الميداني للمستشفيات في سوريا ب"المرير"، مؤكدا أن "معظمها تحول إلى مستشفيات ميدانية؛ فالأطباء المختصون هربوا من النظام واصبح كل طبيب يجري عمليات للمصابين حتى لو لم تكن من اختصاصه، وكنت انا احد هؤلاء الضحايا". الجريح الثاني، البالغ من العمر 23 سنة من سكان منطقة القلمون بريف دمشق وطالب حقوق في جامعة دمشق، وافق على اجراء مقابلة مع وكالة " الاناضول"، ولكن بعيدا عن الكاميرا. هو أيضا أصيب برصاصة قنص من جنود النظام السوري، دخلت من خاصرته واستقرت في معدته. يرقد الآن في مستشفى بخعازي بعد أن تم إسعافه من قبل الصليب الأحمر واخراجه من منطقة القلمون الى مستشفى بخعازي، حيث خضع الاسبوع الماضي لعملية اخراج الرصاصة من معدته تكللت بالنجاح. ومعاناة الجرحى ليست إلا عينة من ما يواجهه اللاجئون كما السلطات اللبنانية والمنظمات الدولية لاستيعاب موجة النزوح "الكبرى" هذه.