شهدت الأيام الماضية سابقةً جديدةً من نوعها على ساحةِ السياسةِ الدولية، بانضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، بعد استفتاء جرى تحت مظلة الجيش الروسي، وإقرار انضمامها دستوريا من قبل مجلس الدوما ومجلس الاتحاد الروسي. فأوكرانيا التي شهدت ثورة شعبية ضد الرئيس "فيكتور يانكوفيتش" لامتناعه التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، انتهى بها المطاف إلى سلخ شبه جزيرة القرم عنها وانضمامها إلى روسيا، التي تذرعت بحماية مواطنيها الذين يشكلون غالبية السكان في القرم. الموقف الروسي المتمثل بحماية الروس خارج حدودها، وبالتحديد في أراضي الاتحاد السوفييتي السابق، والبالغ عددهم 30 مليون روسي، يعد أمرا طارئا على الساحة الدولية في العقود القليلة الماضية، الأمر الذي طرق ناقوس الخطر في دول الاتحاد الأوروبي، فسارعت بفرض عقوبات على روسيا رغم علاقاتهما الاقتصادية القوية، والتي تشكل المورد الرئيس للطاقة لدول الاتحاد، باستثناء النرويج والدنمارك وإنكلترا المكتفية ذاتيا بمواردها الطبيعية. المخاوف الأوروبية وتتخوف الدول الأوروبية من تكرار سيناريو القرم في دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، بالإضافة إلى مولدوفا التي وقعت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، فتاريخ التأثير الروسي على هذه الدول بدأ منذ القرن السابع عشر، وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم احتلالها من قبل الاتحاد السوفيتي، مع زيادة في عدد العنصر الروسي داخل هذه المجتمعات، فالأقلية الروسية في لتوانيا تبلغ نسبتها 6%، أما لاتفيا وإستونيا فيشكل الروس 25 % من سكانها، وفي بعض المناطق داخل هاتين الدولتين يشكل الروس ما نسبته 50 %. فلاتفيا التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، شهدت تغييرا ديموغرافيا بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، بهجرة قسم من سكانها إلى دول الاتحاد، وأصبح سكان بعض مناطقها، يشكلون أقلية، مقابل الروس، ما أدى إلى بروز موقف قومي ضد الوجود الروسي. أما إستونيا فهي أول دولة أعلنت استقلاها عن الاتحاد السوفيتي، ولم تنضم إلى رابطة الدول المستقلة، بالمقابل أعلنت انضمامها عام 2004 إلى حلف الناتو لتكون نقطة اتصال مباشرة بين الغرب وروسيا. بعد اتضاح المآلات التي ستنتهي إليها مسألة القرم، برزت جبهة جديدة، مدعومة من دول الغرب، للتصدي لأي محاولة روسية مشابهة، لما جرى في أوكرانيا، عندما اجتمع وزراء خارجية دول البلطيق الثلاث والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبولونيا ودول النورديك التي تضم فلندا والسويد والنرويج وأيسلندا وجزر الفاو في 6-7 آذار/مارس الحالي في إستونيا، واتفقوا على تنسيق التعاون بينهم، ووصفوا ما أقدمت عليه روسيا، ب "العدواني"، وأعلنوا دعمهم لوحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها، واستعدادهم لتقديم الدعم للحكومة الأوكرانية الشرعية، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أنَّ دول البلطيق تربطها علاقات تجارية واقتصادية قوية مع روسيا، لا سيما في مجال الطاقة، وأي عقوبات متبادلة قد يعرض هذه الدول لأزمة اقتصادية خانقة.