شرع رئيس الحكومة التونسية، مهدي جمعة، مباشرة إثر توليه الحكومة الخامسة لتونس بعد ثورة يناير 2011 في زيارات دبلوماسية بدأها بدول مغاربية تلتها جولة خليجية قبل أن يقرر التوجه نحو باريس وواشنطن بداية الشهر المقبل. النشاط الدبلوماسي الخارجي لجمعة بطابعه الاقتصادي، والتوجّه نحو نيل الدعم المالي والاستثماري الأجنبي، سرعان ما أثار جدلاً بين أطراف سياسية رافضة لهذا التوجّه، بحجة أن الحل يكمن في مراجعة الموازين المالية للبلاد، وبين أطراف أخرى تدعمه وتعتبره دبلوماسية جديدة من شأنها إنقاذ الاقتصاد الوطني. توفيق ونَاس، سفير سابق لتونس لدى الأممالمتحدة، يقر بأن التوجه في زيارات رسمية سواء لدول المغربي العربي المجاورة أو لدول الخليج أو دول الاتحاد الأوروبي خاصّة في هذا الظرف هو تشكل لدبلوماسية اقتصادية جديدة لتونس. وقال في تصريحات لوكالة الأناضول إن "الدبلوماسية زمن حكم بن علي رئيس النظام السابق الذي أطاحت به ثورة شعبية في يناير 2011 كانت تقوم بالأساس على الاستخبارات ورصد المعارضين للنظام وطمس تجاوزات بن علي للحريات في تونس، واليوم نلمس توجهًا جديدًا بعد الثورة واستعادة الدبلوماسية الخارجية لهدفها الأساسي والمتمثل في خدمة الاقتصاد وإبراز صورة تونس الحقيقية لدى المستثمرين الأجانب". وطالب وناس بضرورة حشد الدعم السياسي لحكومة جمعة من الأطراف الأوروبية والعربية خاصة الدول العربية والغربية والتي لها ثقل مهم في السياسات الدولية والمتشوقة لاكتشاف تشكيل سياسي فريد من نوعه حصل في تونس وهو تولي حكومة كفاءات ليس لها ماضٍ سياسي مهمة تسيير البلاد بعد توافق سياسي حولها. وأشار ونَاس إلى أن "العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج باستثناء قطر ودول أوروبية وأمريكا كان فيها نوع من الضبابية والفتور مع تونس خصوصًا بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وهذه الزيارات يمكن أن توضح الرؤية لهذه البلدان بخصوص مستقبل البلاد وطبيعة العلاقة معها". وشهدت تونس أزمة سياسية حادة إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في يوليو الماضي أفضت إلى استقالة حكومة الترويكا بقيادة علي لعريض والتوافق في إطار الحوار الوطني بين كل الأحزاب السياسية على تشكيل حكومة من مستقلين غير متحزبين يترأسها مهدي جمعة منذ يناير الثاني الماضي. من جانبه، رأى الفرجاني الدغماني، رئيس لجنة المالية بالمجلس الوطني التأسيسي وأحد قيادات حركة النهضة التونسية (صاحبة الأغلبية البرلمانية)، أن الدبلوماسية الاقتصادية باتت من أهم المحاور التي تفسح المجال لجلب الاستثمار الأجنبي للبلاد. وقال، في تصريح للأناضول: "الدبلوماسية الاقتصادية مطلوبة اليوم في تونس، وجولة جمعة تأتي في هذا السياق وهو البحث عن جلب مستثمرين أجانب جدد لتونس وكسب ثقتهم انطلاقا من التعريف بالحكومة الجديدة وبالاستقرار السياسي الذي بدأت تعرفه البلاد". وأضاف: "زيارة جمعة لهذه الدول هي بالأساس للبحث عن حلول لمحدودية الميزانية وموارد الدولة، وهذه هي الدبلوماسية المطلوبة وهي رافد من روافد التنمية". من جانبه، اكتفى وزير الخارجية التونسي، المنجي حامدي، بتصريح صحفي، أكد فيه أن الجولة الخليجية لجمعة "حققت أهدافها الأربعة المرسومة لها والمتمثّلة في استقطاب السياح الخليجيين إلى تونس، وتنقية الخواطر مع الدول الخليجية، وإقناع المستثمرين الخليجيين بالاستثمار في تونس، إلى جانب التشاور بخصوص القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك". أما حزب الجبهة الشعبية اليساري فانتقد المسار الذي اعتمده جمعه واعتبره "خيارًا خاطئًا". وأفاد الجيلاني الهمامي، الناطق باسم حزب العمال (أحد الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية)، في تصريح للأناضول، بأن "خيار جمعة بالتوجّه للدول الخليجية خاطئ وغير مُجد، ولم تأت زيارته بنتائج ملموسة إلى حتى الآن سوى بعض الوعود، وهو أمر ليس بغريب على الدول الخليجية التي لا تولي أهمية للاقتصاديات العربية". وقال الهمامي إن "الأجدى بجمعة أن يقر إصلاحات لميزانية الدولة ويتجه نحو إيقاف سداد ديون تونس الخارجية"، مضيفًا: "وحتى الوجهة القادمة لجمعه نحو باريس وواشنطن لن تنال تونس منها شيئا لأن هذه البلدان تعيش أصلا أزمة اقتصادية ولا تستطيع دعم قتصاد تونس المتجه نحو الإفلاس"، حسب تعبيره. وكانت الجبهة الشعبية قدمت مقترحًا لمشروع قانون موازنة عامة جديدة لتونس يقوم على إيقاف سداد الديون الخارجية للبلاد لمدة 5 سنوات. وحذّر مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية، في تصريحات سبقت جولته الخليجية، من وضع اقتصادي صعب مقبل على تونس، داعيا التونسيين إلى مزيد من التضحيات. وانتقد حزب "حركة وفاء" التونسي زيارة رئيس الحكومة، مهدي جمعة، إلى دول خليجية معتبرًا أنه يبدو خلالها على شكل "رئيس شركة" وليس رئيس حكومة. وقال رئيس حزب "حركة وفاء"، عبد الرؤوف العيادي، خلال مؤتمر صحفي عقده الأربعاء الماضي، بالعاصمة تونس، إن "زيارة جمعة إلى دول الخليج تعد غير مدروسة". وأشار العيادي إلى أن "جمعة وقع استقباله خلال زيارته الحالية إلى دول خليجية من قبل مسؤولين خليجيين درجة ثانية وثالثة، وليس من قبل نظرائه في تلك الدول". وكان رئيس الحكومة التونسية قد أقر بأن تقديرات حكومته لاحتياجات تونس من القروض الأجنبية، رفعت من حجم القروض المقررة في 2014، لتكون نحو 12 و13 مليار دينار 8 مليارات دولار ، بعد أن كانت نحو 7 مليارات دينار 4.4 مليار دولار بسبب تفاقم عجز الموازنة. وأضاف جمعة: "لا نعلم من أين سنؤمنها، يجب أن نجد المصادر، وننوي إطلاق عملية اكتتاب لتمويل صناديق الدولة ولكن هذا غير كاف"، موضحا" سوف نستدين أكثر، وأنوي الذهاب إلى دول الخليج والولاياتالمتحدة وفرنسا". واختتم رئيس الوزراء التونسي الأسبوع الماضي جولة خليجية امتدت من 15 إلى 19 مارس الجاري شملت خمس دول هي الإمارات، السعودية، قطر، الكويت، البحرين. ومن المقرر أن يتوجه جمعة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في 2 أبريل القادم، في زيارة يلتقي خلالها الرئيس الأمريكي باراك أوبام يوم 4 أبريل القادم، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين في الكونغرس الأمريكي ورجال أعمال ورؤساء مؤسسات أمريكيين، بحسب بيان لرئاسة الحكومة التونسية.