قالت صحيفة "الجارديان" إنه في ظلال حملة سياسية قاسية أطاح الجيش المصري بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر الصيف الماضي ووضع نفسه ليصبح القوة الاقتصادية بلا منازع في البلاد ، حسب تعبيرها . وأضافت الصحيفة البريطانية في مقالتها الأسبوعية تحت عنوان"الجيش المصريشركة عسكرية تسيطر على اقتصاد البلاد" عبر موقعها الإلكتروني، أن المصريين ركزوا في الأشهر الأخيرة على الصعود المحتمل للقائد العسكري المشير عبد الفتاح السيسي لمنصب الرئاسة في أول انتخابات بعد "الانقلاب"، متابعة "سرعان ما استخدم الجنرالات الاستيلاء على السلطة لوضع حلفائهم في المناصب الاقتصادية الرئيسية وتوسيع سلطتهم في صفقات تطوير الحكومة، بما في ذلك مشروع قناة السويس المربح"، على حد قولها. وذكرت الصحيفة أن الصناعات المملوكة من قبل الجيش كانت دائما قوة كبيرة في اقتصاد البلاد، على الرغم من أنه لم يسبق الكشف عن أرباحها ونطاقها للجمهور وفي السنوات التي سبقت ثورة 2011، تنافس الجيش على سلطة وضع السياسات الاقتصادية مع عائلة الرئيس الأسبق حسني مبارك وحفنة من حكومة القلة. وأوردت الصحيفة عن الخبراء، أن الاقتصاد المصري يتم تشكيله الآن بناء على رغبات مبهمة من الجنرالات الحاكمين مع توسع الأنشطة التجارية للجيش من تصنيع المواد الأساسية مثل المياه المعبأة في زجاجات والأثاث إلى مشاريع البنية التحتية الضخمة، والطاقة والتكنولوجيا. وقال جوشوا ستاشر، خبير مصر في جامعة كينت ستيت في ولاية أوهايو الذي درس الاقتصاد العسكري، إننا نتعامل مع اقتصاد علامة تجارية جديدة تديرها "شركة عسكرية" مضيفا أنه بعد ثلاث سنوات من إطاحة مبارك خلال مظاهرات ضخمة لم يتغير الفساد المستوطن في مصر ولكن ما حدث هو مجرد ترتيب لمن تتاجر معهم إذا كنت تريد أن تنجح في أكبر دولة في العالم العربي. أما عبد الوهاب مصطفى الذي يستورد أجهزة استقبال الأقمار الصناعية من خلال الموانئ في البلاد، أوضح أن في كل مصلحة في الحكومة هناك ضابط عسكري تتعامل معه، مضيفا أن السيطرة العسكرية - والفساد - يتخلل كل جانب من جوانب البيروقراطية. وقال مصطفى، "كان من الشائع في عهد مبارك والرئيس السابق محمد مرسي أن تدفع رشاوى صغيرة لاجتياز الروتين ولكن للإفراج عن شحنة الآن فأن مضطر لدفع آلاف الدولارات كرشاوى إلى ضباط عسكريين يعملون بالتنسيق مع هيئة قناة السويس"، على حد قوله. وقالت الصحيفة إن الكثير عن دور الجيش المصري في الاقتصاد غير معروف وميزانيته سرية، وصناعاته غير مدققة وغير خاضعة للضريبة ويقدر خبراء الاقتصاد حيازات الجيش في أي مكان ما بين 5٪ و 60٪ من الاقتصاد. وأضافت أن ضابط عسكري رفيع المستوى، لم يكشف عن هويته، قال إن إيرادات الصناعات العسكرية بلغت أقل من 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. وأصر الضابط في مقابلة على أن القوات المسلحة لم تشارك في الفساد مؤكدا ظهور الجيش في الحصول على المزيد من عقود البنية التحتية ما كان عليه في السابق؛ لأن "الناس تثق في المنتج النهائي من الجيش" مضيفا أنه في الآونة الأخيرة، أخذ الجيش السيطرة على مشروع الطريق السريع الذي كان بين القطاعين العام والخاص وأخفقوا في الانتهاء منه في الوقت المحدد ولكن "يمكنك الذهاب لترى كيف يسير هذا المشروع بسرعة"، حسب قوله. وقال منير فخري عبد النور، وزير الصناعة والتجارة الخارجية والاستثمار، إن الجيش أظهر اهتماما خاصا في تطوير قناة السويس، التي هي جزئيا منطقة عسكرية ومنذ فترة طويلة تدار من قبل ضباط الجيش السابقين ويتم تطوير مشروع قناة السويس لجلب مليارات الدولارات من العائدات السنوية من خلال التوسع في الموانئ لاستيعاب السفن السياحية والبضائع الإضافية وإنشاء منطقة صناعية واسعة جديدة. وأشارت الصحيفة إلى أن مصر تخطط لتطوير القناة منذ عدة سنوات، كما أن الخطة شكلت أيضا عنصرا رئيسيا من "مشروع النهضة الاقتصادي " التي تبناها مرسي ومؤيديه في جماعة الإخوان المسلمين"، وعندما كان مرسي في السلطة، كان الإخوان حذرين من عدم التعدي على امتيازات الجيش، لكن خطة الجماعة للقناة اجتازت الخط حيث بدت إدارة مرسي تستعد للتفاوض مع مستثمر أجنبي رئيسي، من الدولة الخليجية الثرية قطر، على تطوير منطقة القناة بطريقة لا تنطوي مباشرة الجيش. وقال روبرت سبرنجبورج، خبير في الجيش المصري، الذي تقاعد مؤخرا كأستاذ في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري بولاية كاليفورنيا، إن السيادة الاقتصادية كان من المفترض أن تكون في يد الإخوان إذا استمروا في الخطة ومع توفير القطريين للتمويل، كان الإخوان سيشرعون في تأسيس الشركات، وإخراج الجيش من كل ذلك. وأوضحت الصحيفة أنه سرعان ما عوت وسائل الإعلام المعادية للإخوان أن مرسي كان "يبيع" القناة إلى بلد أجنبي، وعمل الجيش على تضخيم وجوده أعلى طول القناة بعد الإطاحة بمرسي. ونوه سبرنجبورج إلى أن السيسي صورها على أنها مسالة أمن قومي، مضيفا "لكني أعتقد أنها مسالة اقتصادية". وذكرت الصحيفة أحد الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية المصرية – وهي المقاولون العرب المملوكة للدولة، التي ترأسها رئيس الوزراء لمدة 11 عاما والشركة الأخرى وهي مركز البحوث والاستشارات البحرية، الذي لديه مجلس إدارة يتكون بالكامل تقريبا من ضباط الجيش ويرأسه وزير النقل. وقالت الصحيفة إن كل الشركات الأخرى تعاقدت تقريبا مع حلفاء الجيش، من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جنبا إلى جنب مع دولة الكويت، التي ضخت مليارات الدولارات في مصر منذ "الانقلاب"، حسب قولها. وقال أحد المسئولين العسكريين أن الجيش ليس له حصة مالية في تطوير القناة مضيفا "نحن كجيش نحمي القناة من الجانبين". وذكرت الصحيفة أن الناتج المحلي الإجمالي في مصر نمى بمعدل صحي في عهد مبارك ولكن التعاسة المتزايدة من الفساد وعدم المساواة دفعت الآلاف للانضمام إلى انتفاضة عام 2011 التي أطاحت به، مضيفا أن كثير من المحللين قالوا إن يد الجيش الأقوى في الاقتصاد المصري يمكن أن تعمق الفساد، وتأجيج موجة جديدة من الغضب الشعبي والاقتصاد في حالة يرثى لها، وسط الغضب من عدم الوفاء بالوعود من الإصلاح بالإضافة الى شيوع الأجور غير المدفوعة، حسب تعبيرها. وكتب الخبير في شؤون الشرق الأوسط شتيفان رول، أنه لا يمكن لمصر تحقيق السلام الاجتماعي إذا واصلت سياسة النمو من جانب واحد التي سادت في أواخر عهد مبارك ببساطة ". ويقول اقتصاديون إن الصناعات العسكرية تخلق منافسة غير عادلة مع للشركات غير العسكرية، موضحا أن الجيش، على سبيل المثال، يستخدم الجنود في العمالة ولا يدفع أي ضرائب، ليكون سعر المشاريع أقل بكثير من شركات القطاع الخاص والمؤسسات التي تديرها الدولة. وقال رشاد عبده، الخبير الاقتصادي في جامعة القاهرة، إنه عندما احتاجت الجامعة إلى مبنى جديد لاستيعاب عدد الطلبة المتزايد اجتمع الإداريين مع العديد من شركات البناء التي وفرت كل المعدلات المرتفعة جدا لذلك اتصلنا بالجيش الذي عرض تكلفة بنصف السعر. وصدر الرئيس عدلي منصور في نوفمبر الماضي مرسوما يقضي أنه في الحالات "الطارئة"، يمكن أن تتخطى الوزارات الحكومية عملية تقديم العطاءات، وتمنح عقود تطوير للشركة التي يختارونها، لذلك ذهب إلى الجيش بين شهري سبتمبر وديسمبر، وفقا لتقارير إخبارية محلية - مالا يقل عن ستة عقود البنية التحتية الرئيسية للطرق والجسور والأنفاق والمباني السكنية بالإضافة إلى الخطة التي وقعها السيسي مع الإمارات لإنشاء مليون وحدة سكنية. ولفتت الصحيفة إلى أنه في الشهر الماضي، استطاع الجيش شل إضراب عمال النقل العام في القاهرة خلال توفير 500 حافلة للسائقين للحفاظ على نظام العمل. وقالت الصحيفة إن أنصار الجيش يجادلون بأن مثل هذه الإجراءات ضرورية وأنه ليس هناك سوى الرجل القوي مثل السيسي ليستعيد الاستقرار اللازم لإنعاش الاقتصاد المصري فيما يرى آخرون أن ذلك يعيد "الظلم". ونقلت الصحيفة عن عبد الوهاب مصطفى، رجل أعمال بالقاهرة قوله "نحن مثل زيمبابوي السيسي يسيطر على كل شيء".