أحد مؤسسي حركة كفاية وجماعة "9 مارس" لاستقلال الجامعات أشهر أعماله : العقد الثمين، النصارى، الغجر، والعهدة العمرية أيمن فؤاد : بيته ومكتبه وقلبه ظلوا مفتوحين .. وإعلامنا يتجاهل القامات عاصم الدسوقي : ناضل كثيرا .. و تحليلاته بعيدة عن السرد التقليدي التاريخي برحيل صاحب "ورقات في الزمن الصعب" ، المؤرخ الفذ الدكتور عبادة كحيلة ، تنضوي صفحة أحد أهم أعمدة التاريخ الإسلامي في مصر، ليس هذا فحسب، بل والنضال السياسي أيضا، فقد شارك كحيلة في تأسيس حركتي "9مارس" لاستقلال الجامعات وحركة "كفاية" ضد توريث الحكم لنجل مبارك ولوقف انتهاكات حقوق المصريين .. كانوا يشاهدونه في طليعة المحتجين بالشوارع وكان دوما للباحثين الملاذ ؛ يفتح لهم بيته ومكتبه، ويتيح لهم مكتبته النادرة العملاقة لينهلوا من كتبها ، ويظل معهم ناصحا وصديقا وكأنه يستعيد زمن الأساتذة العظام الذي ولى . ولكن ، مع الأسف، لم تتحرك وسائل الإعلام لتشييعه كما عودتنا فعله مع أنصاف المواهب ، ولم نقرأ عنه سطرا لا في حياته ولا بعد مماته بجريدة كبرى أو صغرى، ربما لأنه – كما تحدث إلينا صديقه الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي – لا يجيد "تلميع نفسه" ولا يسعى للأضواء، ويبذل جهده المخلص قانعا معتكفا في محراب العلم الواسع. وقال الدكتور أيمن - كان "كحيلة" يمتدحه في حياته كثيرا ويعتبره من أنجب تلامذته – أنه تعرف للدكتور كحيلة منذ أن كان طالبا بالجامعة ،وقد ذهب إليه حين كان مديرا بمجلة "الكاتب العربي" ليتعرف على مصادر لكتابه "تاريخ اليمن" وتطورت العلاقة بينهما حين انتقل كحيلة للهيئة المصرية العامة للكتاب، ثم توطدت فيما بعد بجامعة القاهرة وتحديدا بقسم التاريخ بكلية الآداب وكذلك في الجمعية التاريخية المصرية ، وكان كل منهما يشغل مقعد العضوية بمجلس إدارتها. وقد تأثر "فؤاد" بعدد كبير من أعمال الراحل، ومنها "العهدة العمرية" و"العقد الثمين في تاريخ المسلمين" وأشاد كثيرا بترجمته الرائدة عن المؤرخ الروماني هوريسيوس، وكتابه عن الغجر، وأبدى امتنانا خاصا بالمقدمة التي كتبها بالكتاب التذكاري لتكريمه . انسانيا، امتاز "كحيلة" بالأخلاق العالية والمحبة الطاغية لرفاقه في العمل والحياة، ويرى الدكتور أيمن أنه ترك فراغا علميا وإنسانيا كبيرا ، وعلم تلامذته كيف يرجعون ويدققون بالمصادر الأصلية، كما كان مناضلا جسورا ضد فساد الجامعة المصرية، وكان مشغولا بالميدان والثورة ، ويكشف ل"محيط" عن نزعة أدبية بأستاذه الذي كتب بباكورة شبابه رواية "صقر قريش" وكان يمتلك ثقافة موسوعية قلما تجدها اليوم في مشتغل بالتاريخ . من جانبه، أكد المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي ل"محيط" أن كحيلة، كان مناضلا، شارك بالوقفات الاحتجاجية ضد الظلم ونظم لها، وانعكس ذلك على صحته التي صارت معتلة بسنواته الأخيرة ، لأنه كان يواجه آلة الأمن بشجاعة نادرة . ويرى الدسوقي أن كتابات كحيلة تحمل قدرا من التحليل الموضوعي في إطار المدرسة المادية البعيدة عن السرد الروائي التقليدي وهو ما أكسبه مصداقية علمية واسعة . في حديقة الأفكار كان كحيلة يرى النظام الديمقراطي الذي نعرفه من حكم الشعب بالشعب وللشعب لا يتعارض مع الإسلام في شيء، والمناداة بالشورى الآن دعوة لا محل لها من الإعراب فهي تتلاءم مع مرحلة زمنية معينة علينا تخطيها، وما أتت به الحضارة الغربية في هذا المجال يمكن الأخذ به وهو مناسب مع المجتمعات الإسلامية، فصحيح أنه إفراز للحضارة الغربية وتعبير عن ثقافة غير ثقافتنا، لكن ليس كل ما يأتي به الغرب ظلاماً. وعن الخلافة رأى أنه لا تعني حالة مقدسة، فالخليفة كان مجرد حاكم يصيب ويخطيء، ورفض دعاوى الخلافة لتحكم العالم الإسلامي كلّه تحت مظلة دولة واحدة، ورأى أنها أمر مستحيل لسبب بسيط وهو أننا كمسلمين مختلفون، إذ يجمعنا دين واحد لكن يفرقنا الكثير مثل اللغة والثقافة والأصول العرقية والمصالح، وثمة نموذج حي يؤكد أن تجربة الوحدة والاندماج الكامل بين أقطار العالم الإسلامي صعبة، وعن المعارضة السياسية كان يستدعي دوما قول الخليفة الأول أبي بكر الصديق للمسلمين " «إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني...» أخيرا رأى كحيلة أنه لا دولة دينية في الإسلام بل مدنية، ومن يقول غير ذلك إما جاهل أو مغرض، لأن معنى الدولة الدينية أن يتحدث الحاكم باسم الإسلام. يقول كحيلة في حفل تكريمه مؤخرا بين تلامذته : أنا إنسان بسيط أؤمن بأن أقرب خط بين نقطتين هو الخط المستقيم ، خاصة على مستوى العلاقات البشرية، وهذا ما جر علي مشاكل عديدة عبر سنوات عمري ؛ فالحياة صعبة حين تكون "دوغري وصريح" وكان رحمه الله قد تنبأ بثورة يناير في كتابه الهام "ورقات في الزمان الصعب" ، بل إنه خاطب أحد أصحابنا وكان يعد العدة لمناقشة أطروحته للدكتوراة فأخبره بقوله " لن اناقشك إلا فى زمن جديد وعصر جديد بعد رحيل النظام" ، وبالفعل لم يناقشه إلا بعد أن تنحى الرئيس الأسبق مبارك.. "كحيلة" سعى جاهدا طيلة حياته لخوض حقيقة فردوس المسلمين المفقود، واليوم يتسلم تلامذته الراية .. فهل يفعلون؟! اقرأ فى هذا الملف * أوراق مجهولة لأحد مؤسسي الإخوان .. يكشفها نجله المؤرخ عُبادة كُحيلة * المؤرخ عبادة كحيلة : حالنا أشبه بملوك الطوائف .. ومشروع ناصر لم يرثه أحد * د. عبادة كحيلة أستاذ التاريخ الإسلامي : الجغرافيا والإبادة وراء رحيل الإسلام عن أسبانيا ** بداية الملف