قرأت الصرخة التي وجهها الأسير عامر بحر المريض بسرطان الأمعاء والموجهة إلى من يستطيع الإجابة أو يستطيع السمع من أصحاب الضمائر والمسؤولين ومؤسسات حقوق الإنسان لإنقاذ حياة الاسرى المرضى في سجون الاحتلال. إنها صرخة فزع تحملك من هدوءك المتوتر والكاذب إلى هناك، لترى مقعدين ومشلولين وأسلاكا تتدلى من بطونهم ، وتسمع أوجاعا هي أوجاع الموت أو أشد، فلا تصدق أن ما تراه هم بشر أحياء، أو ما تسمعه هو صوت إنساني ينطلق مبحوحا وممزوجا برائحة الدم. صرخة فزع إلى من؟ إلى ممثلي القرارات الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الاسرى، إلى الهيئات الكثيرة والقاعات الجميلة والكلام الوثير المؤثر الذي يتردد صداه في كل مؤتمر وندوة ولقاء، ولم يحصل شيئا، لا علاج ولا حبة دواء ، ولا حتى كفن لائق لجثة عائدة من خلف القضبان. صرخة فزع من مبتور القدمين أو فاقد البصر، ومن دبيب مرض السرطان يسري في ذلك الجسد، أو تلك الحنجرة، يهشم العظم، يسمم الدم، من جرح مفتوح أمام سخرية الطبيب الذي صار سجانا، ومن عربة متحركة ومعدة بلاستيكية، ومن رحلات علاج وهمية إلى جهنم التي تسمى في قاموس دولة الاحتلال مستشفى الرملة. صرخة فزع لا تطلب بحرا للاستجمام، ولا منصبا عاليا أو منافسة لأحد هنا وهناك، صرخة لأجل القليل مما تبقى من الحياة، التصدي للموت البطيء العمد، التدخل لفتح القبور على أحياء نذروا عمرهم وشبابهم وحياتهم للحرية والعدالة والإنسانية. صرخة فزع من أجسام أنهكها المرض والإصابات بالرصاص، لون اسود يسيل يحجب السماء، عتمة متآمرة تخنقهم وأبواب تحشرهم تطرد ظلال النهار، وكل شيء يتم اغتياله بسرعة: القصيدة، الأغنية، الحلم، ويستعجلون كي لا يطول الانتظار. صرخة فزع أمام تصاعد أمراض مستعصية في صفوف الاسرى ، لأنهم شربوا الغاز السام كثيرا، ولأنهم ضربوا كثيرا، وعزلوا كثيرا، وقهروا كثيرا، وأجريت عليهم تجارب شركات الأدوية الإسرائيلية كثيرا، ولا زال الصمت كثيرا والسجون تطفح بالآلام والأوجاع أكثر وأكثر. صرخة فزع إلى الثقافة الإنسانية وتلك القيم الديمقراطية ، قيم العدالة والقانون والقضاء، قيم الأخلاق الطبية والمهنية، قيم السلام العادل الضائع في المعسكرات وبين الأسلاك الشائكة، تسأل أين هي من دولة معربدة تحكم العالم وفوق العالم، تسحق العدالة وروح الإنسانية وتشرع الاستعباد في زمن انتهى فيه عصر العبيد. صرخة فزع حرّة وليست خائفة، تتمرد على الجسد الضعيف المشبع بالأمراض، لا زال القلب يدق، لازال الدم يسري في العروق، تنهض الصرخة، تقترب من الحقيقة لتقول لها: قد يسقط صاحبي الآن ميتا ولكنه يموت ميتة الشجاع، لا يتوسل للسجان أو يطلب منه الرحمة، يده خارج القبر وصوته في كل مكان. صرخة فزع ليست لنا وحدنا، بل لهم حكام تل أبيب المهووسون بالحرب وبناء السجون واستيراد كل أدوات القمع وأنواعها المتوحشة، القادمون الينا ساعة الفجر ليعتقلوا أبناءنا، الذين أطلقوا كلابهم البوليسية تنهش أجسادنا، الذين ضربونا وشبحونا وقيدونا واعتقدوا أن كل شيء انتهى، وأنها ليست أكثر من غبار في معركة. صرخة فزع تقول أن الضحية لا تنسى الورم في الدم، الجرح واضح كالغضب أيضا، وأن الاسرى يراهنون على الحياة والمستقبل، بينما الإسرائيليون يراهنون على السجن والقمع ودولتهم الإسبارطية، وهذا كما قالت صيرورة التاريخ لا يدوم ولا يبقى. صرخة فزع تقول: أيها الناس هل من موت أكثر رأفة أو جمالا من هذا الموت، غفوة نهائية خالية من السكاكين وذوبان حبة الاكامول في الوريد اليابس، شهقة هادئة مبتسمة ومدهشة للجلادين والطواقم الطبية والمراييل البيضاء والمزمور العاشر المسلح في التوراة . صرخة فزع تقول أن مملكتهم صارت ضيقة بحجم حلقات السلاسل ، وبحجم الزنازين المنتشرة في السجون، بينما مملكتنا أوسع في السماء والأرض والمطر. صرخة فزع من الأسير عامر بحر تفاعلت وتحولت إلى رياح ساخنة، دخلت كل مكتب وحفلة واجتماع، بعثرت السكوت الملتبس في واقعنا، وألقت بالجميع من الأعلى إلى الأرض، وحطمت كل المرايا الزائفة. وزير شؤون الاسرى والمحررين الفلسطينى