أصبحت الأزمة الأوكرانية بكافة تطوراتها الحالية نموذجاً مصغراً من الأزمة السورية من حيث محاولة الأمريكيين والروس بسط نفوذهم على كلا المشهدين السوري والأوكراني، وبات واضحا أيضا أن صراع القوى الخلفية في هذه الأزمات هو نفسه السبب الرئيسي في عدم إتاحة الفرصة للوصول إلى الحلول والاستقرار سواء كانت الأزمة سورية سياسية أم أوكرانية اقتصادية. بداية الأزمة وانطلقت الأزمة بدعوات تطالب الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش باستئناف اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي علّقها منذ 21 نوفمبر الماضي، إلى أن وصلت اليوم للمطالبة بإقالة الحكومة وحل البرلمان. وكان الرئيس الأوكراني قد أعلن تعليقه للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية الشراكة والتي كان من المقرر توقيعها يوم 29 نوفمبرالماضي بالعاصمة الليتوانية، مؤكدا أنّ بلاده ستنتظر ظروفا ملائمة لتوقيع الاتفاقية تكون متماشية أكثر مع المصالح الأوكرانية مؤكدا أن قرار عدم توقيعها يعود لأسباب اقتصادية بحتة. وانطلقت أولى المظاهرات الاحتجاجية الأضخم من نوعها في « كييف » منذ الثورة البرتقالية، يوم الأحد 24 نوفمبر الماضي، حيث احتشد أكثر من 100 ألف شخص في العاصمة الأوكرانية بحضور زعماء للمعارضة تطالب الحكومة بالتوقيع، حاملين عديد الشعارات أبرزها « أريد أن أعيش في أوروبا » و « أوكرانيا جزء من أوروبا » و « نريد أن نكون معا مع أوروبا » و « نريد لأطفالنا مستقبلا وليس الضغط عليهم من طرف روسيا». وتزامنا مع المشهد الداخلى من احتجاجات واشتباكات تبادل قادة الاتحاد الأوروبي وروسيا اتهامات بابتزاز أوكرانيا وجرّها لتوقيع اتفاقية معهما، حيث اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنّ غالبية الحالمين بضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي لن يشهدوا تحقيق حلمهم لأن اتفاقية الشراكة التي يطالبون بتوقيعها مع الاتحاد تحتوي على شروط قاسية، وأنّ عقد أوكرانيا اتفاقاً تجارياً مع الاتحاد الأوروبي قد يشكل « تهديداً كبيراً » للاقتصاد الروسي. وفق تعبيره. روسيا ومصالحها الأقتصادية وتعد روسيا بلداً تابعاً لأوكرانيا فمنذ القرن التاسع عشر ، خضعت أوكرانيا للإمبراطورية الروسية كما أنها المصدر الرئيسي لتزويدها بمصادر الطاقة "فهي أكبر مستهلك للطاقة بأوروبا وتحصل على الوقود النووي من روسيا كما يتم استيراد النفط والغاز من الاتحاد السوفيتي السابق وتعتمد على طاقتها النووية حيث تقع محطة زابوريجيا النووية لتوليد الطاقة بأوكرانيا كما أن التجارة بين كييف وموسكو هي من المصادر الأساسية لتزويد الاقتصاد الأوكراني". نفوذ أمريكي ومن جانبها، استغلت أمريكا المحتجين الأوكرانيين الذين لهم مطالب واستياء من نظام الحكم، واستخدمتهم للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد بحجة حماية الديمقراطيات "بدعم المعارضة التي صُنعت بأيدٍ خارجية وتسعى إلى السلطة لا أكثر" وهى محاولة أمريكية لمد نفوذها أكثر وهو ما بدى واضحا حين أرسلت أمريكا فكتوريا نولاند مسؤولة الشؤون الخارجية الأمريكية لتلتقي مع المحتجين بميدان الاستقلال وتقدم لهم كامل الدعم. وبذلك تقع أوكرانيا بين فكي كماشة الولاياتالمتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، كل منهما يحاول فرض سياسته عليها باستغلال ظروفها الاقتصادية. فروسيا تهددها بقطع التجارة بين موسكو وكييف ، والولاياتالمتحدة تغريها بالاتحاد الاوربي لما له من مزايا اقتصادية وسياسية من سهولة التنقل ورفع الجمارك عن بعض البضائع اقتصادياً وعلى المستوى السياسي تبني القوانين المعلنة للاتحاد الأوربي وبذلك ستمتلك أوكرانيا وزناً سياسياً بين الدول الأخرى. المتضرر الأول ووسط كل هذه الخلافات الاقتصادية والتوترات السياسية بين القوى الكبري يصبح الشعب الأوكراني هو المتضرر الأول الذي يعاني نتيجة الاضطرابات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر على الشعب لأن مجموعة صغيرة حاكمة تسيطر على مقاليد الحكم، والمعارضة تتحكم بهم أياد خارجية لا تمثل مطالب الشعب الحقة لذا لاتلقى مطالب الشعب آذاناً صاغية، ورغم ادعاء كل من النظام والمعارضة بأنهم الممثل الشرعي للشعب والمطالب بحقوقه ولكن عند حصول أي من الأطراف على السلطة تتناسى تلك المطالب وتدور الدائرة ويدفع الشعب ثمن الخلافات والصراعات التي لا تخص الشعب الموحد كلياً ولكن قيام فئات مدفوعة من الخارج بالتحرك وفق مصالح دولية يطغى على المشهد المضطرب. فرفض الرئيس الأوكراني في البداية التوقيع على اتفاق الاتحاد الأوربي كان بضغط مباشر من موسكو، وازدياد حدة الاحتجاجات أثناء الرفض كان بتحريض من أمريكا ودعمها ولاسيما للمعارضة الأبرز "يوليا ياكوفيتش" التي حضّت على الاحتجاج والتوجه إلى كييف واضرابها عن الطعام بسبب رفض التوقيع. ومنذ ذلك الحين تعيش أوكرانيا تظاهرات مابين التأييد والمعارضة لقرار تجميد مساعي عضويتها فى الاتحاد الأوروبي مواجهات بأوكرانيا ويضع كل طرف شروطاً للحوار لا تجد حتى الآن قبولاً لدى الطرف الآخر فالحكومة تشترط إخلاء الميادين وإعادة المقار الحكومية التي سيطر عليها المحتجّون بينما تشترط المعارضة إقالة الحكومة وإخلاء سبيل «المعتقلين السياسيين» وكذلك إجراء تعديلات دستورية وإعادة إحياء مساعي الشراكة مع أوروبا. وشنت الشرطة الاوكرانية هجوما مجددا على المتظاهرين المناهضين للحكومة وارتفعت حصيلة القتلى في الاشتباكات الاخيرة التى اندلعت اليوم الاربعاء لتصل الى 25 شخصا. وجاءت المحاولات الجديدة لإجلاء المتظاهرين عن معاقلهم ، بينما انحى الرئيس فيكتور يانكوفيتش اللائمة على زعماء المعارضة على أسوأ عنف تشهده البلاد في شهور من الاضطرابات. وكانت الشرطة قد استخدمت مدافع المياه والطلقات المطاطية لتفريق آلاف المتظاهرين الذين يعتصمون في الميدان منذ حوالي 3 أشهر، وشوهدت النيران تشتعل في بعض الخيام كما سمع أصوات المتفجرات. واستخدمت الشرطة أيضا مدافع المياه والطلقات المطاطية لتفريق آلاف المتظاهرين. وقال قائد المعارضة فيتالي كلتيشكو إن "الرئيس الأوكراني أعطى المتظاهرين خياراً واحداً، ألا وهو مغادرة ميدان الاستقلال". إنذار أخير وكانت وزارة الداخلية أصدرت إنذاراً أخيرا في الساعة السادسة بالتوقيت المحلي "الرابعة بتوقيت جرينتش"، مشيرة إلى أنها ستتخذ "كل الاجراءات القانونية لاعادة النظام" ما لم يوقف المتظاهرون العنف. وأغلقت السلطات شبكة مترو أنفاق العاصمة بأكمله، في خطوة غير مسبوقة، مما أجبر الركاب على استخدام وسائل نقل عام أخرى عبر شوارع كييف المسدودة. وطلبت الشرطة عبر مكبرات الصوت من النساء والاطفال مغادرة المكان، وتحدثت عن اطلاق "عملية لمكافحة وأكد قادة المعارضة بأنهم لن يرحلوا من الميدان، إلا أنهم حذروا من أن الحكومة قد تستخدم القوة. وقال أحد قادة المعارضة فيتالي كليتشكو "لن نرحل من هنا، انها جزيرة حرية". وقال رئيس حزب "فاثيرلاند" إن "ميدان الاستقلال مليء بالأطفال والنساء والشباب، نحن لم نبدأ بهذه المواجهة، نطالب بتراجع قوات شرطة مكافحة الشغب إلى حوالي 200 متر إلى الوراء، أوقفوا شلال الدم، ولتكن هناك هدنة حتى الصباح". وأضاف "نحن نتحدث هنا عن أرواح المواطنين وعن مستقبل البلاد الذي سيغرق في بحر من الدماء، توقف، توقف يانوكوفيتش". ومن جانبها أعلنت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون اليوم أنه سيجرى غدا الخميس عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسل لبحث تطورات الأوضاع في أوكرانيا وهو ما يمثل مسعى تفاوضي سيتبين من خلاله ، هل ستنتهي الأزمة بحلول أم ستستمر لتتطور أكثر ؟.