عمار حسن : الإخوان والسلفيون خططوا لحكم مستبد .. والثورة جعلت الحاكم يخشى الشعب زين العابدين : لا أنسى "عفت" و"دانيال" .. وهتفنا "علّي الصوت" منذ عصر ناصر سعيد نوح : مبارك أفسد المصريين .. ونفس الوجوه يتم تلميعها حاليا محمد أبوالمجد : في الميدان شاهدت مصر الحقيقية
انكشاف الإخوان وتهافت كثير من مشاهير مشايخ السلفية ، وزيادة ثقة المصريين بأنفسهم وتهذيب صلاحيات الرئيس وفضح المنافقين ، تلك كانت أبرز إنجازات الثورة التي تحدث عنها الدكتور عمار علي حسن، الباحث الاجتماعي والروائي البارز، أثناء شهادته على ثورتي يناير ويونيو مساء أمس بدار الكتب والوثائق القومية. وقد شارك بأمسية شهادات المثقفين عن الثورة، الدكتور عمار حسن، والشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، الشاعر محمد أبوالمجد، والروائي البارز سعيد نوح، فيما أدارتها الشاعرة شريفة السيد . يرى الدكتور عمار حسن، أن الإخوان استعملوا الثورة وسيلة لاقتناص السلطة، وقد كان الناس يتعاطفون معهم أيام مبارك، ظانين أنهم ضحايا أو مناضلين ويمتلكون حلا للمشكلات التي يعاني منها الشعب. ولكنهم أفاقوا على حقيقتهم فهم يتمددون في صمت ومكر حتى يمسكوا بمزيد من ركائز القوة المادية والبشرية، ثم يستحيل حين يحوزون السلطة إزاحتهم عنها ، سواء بصندوق الانتخابات، الذي كانوا سيزورونه بعد أن تعلموا كل دروس الحزب الوطني الفاسد ، أو من خلال احتجاج، كان أنصارهم الكثر وقتها سيتصدون له بقسوة. من جهة أخرى، يؤكد المحلل الاجتماعي أن الثورة استطاعت أن تكشف حقيقة الشيوخ السلفيين الذين كانت لهم بنفوس الناس هيبة ومكانة كبيرة، في الوقت الذي كانوا يقومون حثيثا بتغيير طبيعة التدين المصري الوسطي وتغيير هويته التي بناها عبر القرون في تراكب ثقافي متنوع، ويغتالون في بطء المؤسسات الدينية التي بناها المصريون في قرون طويلة، وعلى رأسها الأزهر، ولو لم تقم الثورة لظل هؤلاء يتمددون حتى يصبح أتباعهم بعشرات الملايين، وإما أن يصلوا للسلطة بعدها أو يمهدوا الطريق أمام إخواني أو متطرف ليقتنص العرش. الثورة حققت أيضا ما يسميه عمار علي حسن ب"الاقتدار السياسي" الذي يعني ثقة الناس في أنفسهم، وهو شرط أساسي لأي حكم رشيد أو ديمقراطي، فالمصريون كسروا حاجز الخوف وأسقطوا الصمت، ولم يعد بوسع من يجلس على الكرسي الكبير أن يسخر منهم أو يستهتر بهم، ما يشكل ضغطا متواصلا عليه كي يعدل أو يستجيب لما يريده الناس. وإن لم يفعل كان بوسعهم أن يخرجوا ويسقطوه مثلما جرى في ثورة يونيو العظيمة. وقد غيرت الثورة حتى من هؤلاء الذين انتموا للحزب الوطني المنحل الذين ظنوا أن التغيير الوحيد هو الانخراط في السلطة ونفاقها، لأن كل من يخرج عنها هم مجرد مجانين سيتم سحقهم، وغيرت أيضا من المستسلمين أتباع "حزب الكنبة" والذين رأيناهم في الشوارع بعشرات الملايين يسحبون الإخوان من على العرش. وقبل الثورة كان أقصى أماني المعارضة أن تتم تنقية الجداول الانتخابية، أو يسمح بالتصويت بالرقم القومي، وهو ما تم بعد الثورة، علاوة على ضمانات عديدة للنزاهة، عبر إشراف القضاء، ووجود لجنة عليا مستقلة لإدارة الانتخابات، ونقل عملية التصويت على الهواء مباشرة في وسائل إعلامية عديدة. يؤكد الدكتور عمار أن الثورة عدلت أيضا الأطر السياسية والقانونية الحاكمة، بعد تهذيب صلاحيات الرئيس، وإقرار توازن بين السلطات في الدستور، وتحديد قواعد للتعددية السياسية وتداول السلطة. فلم يعد الحاكم مؤبدا في موقعه لا يبدله سوى القبر، ولم يعد هناك جدوى من شلة المنتفعين الفاسدين وما شاهدناه من تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، وتوحش الجهاز الأمني وتعاظم شأن أصحاب الاحتكارات واتساع الهوة بين الطبقات. أخيرا، يذكر الدكتور عمار أن الثورة فضحت كثيرا من المنافقين والمرجفين، فمع تقلب الأوضاع السياسية تعرى اللاعبون على الحبال. وقد قدم عمار حسن أعمالا كثيرة عن ثورة مصر، تنوعت بين البحثي والروائي والسياسي، ومنها رواياته "سقوط الصمت" و"زهر الخريف" وكتابه "عشت ما جرى" و"التغيير الآمن" و"انتحار الإخوان" إضافة لموسوعة المقاومة . وخلال شهادته، يؤكد "حسن" منجزات الثورة بقوله : لو نظرتم للمشير عبدالفتاح السيسي والرئيس عدلي منصور، وهما يستجديان الناس للتصويت بالدستور، ستعرف أن مصر لم تعد في عصر مبارك الاستبدادي الذي كنا نعرف نتيجة الاستفتاء ويعرفه الرئيس وقرينته مسبقا " من جهة أخرى، أكد عمار أن الاقتصاد ليس المعيار الأساسي لتقييم نجاحات الأمم، لأن الاقتصاد سريعا ما ينزل ، سريعا ما يسترد، لكن المشكلة في مصر هي انهيار التعليم والبطالة والفقر وكلها من آفات الاستبداد السياسي التي ورثناها عن مبارك وعائلته ورجاله . شهدا ماشيين في جنايز بعض في شهادة الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، يتذكر أنه لم ينزل للميدان إلا وبصحبته كاميرته الخاصة، يلتقط آلاف الصور، ويرسلها للخارج وللداخل، وقد كلفه ذلك مبالغ طائلة في وقت انقطاع الإنترنت قبل جمعة الغضب يناير 2011، لكنه كان مقتنعا تماما بما يفعله، إذ لم يعد هناك بديل عن تسجيل المثقفين للأحداث بأنفسهم، بديلا عن وسائل الإعلام التي تجاهلت تماما خروج الملايين من الجماهير الغاضبة بميادين الحرية، وقالت أن الجموع خرجوا ليعطوا الجنود الشيكولاتة والورود في عيدهم ! كما تجاهلت كل الدماء المراقة بالشوارع فسقطت مصداقيتها عند الرأي العام . يسجل "زين" العديد من المشاهد التي لا تنسى، ومنها رجل وقف أمام سور وزارة الخارجية لا يبارحه، يبدو عليه الإرهاق والغضب الشديدين، وقال للشاعر : فقدت ابني الأول في العبارة، والثاني في القطار، ولن أترك مكاني حتى يرحل الرجل من القصر ، لا أستطيع أن أعيش دون ابني الثالث وأحاول أن أحافظ على حياته الآن . ومن المشاهد المؤثرة التي يرويها الشاعر حين التقى قدرا بالثائر الراحل مينا دانيال، كان شابا لون وجهه بعلم مصر، ونزفت الدماء بغزارة من رأسه، التقاه يهرع نحوه أمام كوبري قصر النيل ويقول له : "ألست من كتب قصيدة تقول مين اللي يقدر ف ساعة يحبس مصر" ؟ ، وأجابه الشاعر بالإيجاب، فرد عليه دانيال : لا تذهب من هذا الاتجاه، "فيه ضرب" والناس تقع، و"نحن نحتاج إليك" ، هذه العبارة الأخيرة "نحتاج إليك" تكررت كثيرا من الثوار في محمد محمود ومجلس الوزراء، فهم يدخلون ويقاومون قوات الأمن بصدورهم لكنهم لا يسمحون للكتاب وللشعراء المعروفين بالدخول معهم لأن تأثيرهم كبير وفقدهم خسارة كبيرة ، فهم الذين ينقلون الصوت والصورة بأقلامهم للعالم . بدا الأسى على وجه زين العابدين، وهو يتحدث عن رحيل الشيخ عماد عفت، وجيكا، والحسيني أبوضيف، ومينا دانيال، وكافة رموز الثورة، وهؤلاء صلى معهم في بيت مينا دانيال في ذكرى استشهاده ببيت عائلته، وقد كانوا يجتمعون لمواساة أسرته المكلومة. يتذكر زين العابدين أيضا أن هتاف "علي الصوت، إللي يهتف مش هايموت" كان هو صاحبه في ستينات القرن الماضي؛ فقد حرم المصريون من المشاركة السياسية وقيدت حرياتهم تماما بأوامر عبدالناصر ورجال الثورة من 1954 وحتى 1967 اللهم إلا بعض المظاهرات التي خرجت بالترتيب مع النظام وليست المناهضة له، وبعد أن فتح الباب للخروج كانت تلك العبارة هي أول ما فكر فيه الشاعر لتحميس الجمهور للمثابرة والهتاف بالشوارع على إثر نكسة يونيو، لمحاسبة المفسدين . والجميل في الأمر ما يرويه الشاعر من أن الذاكرة الجمعية للشعوب لا تموت، فقد فوجيء بتلك العبارة تتكرر كشعار ضمن شعارات حركة كفاية وانطلقت مسيرات بثورة يناير تهتف بها. أيضا يتذكر الشاعر القصيدة التي منع بسببها من الكتابة في مصر لمدة 15 عاما وصرخت بوجهه السيدة جيهان السادات تقول : مفيش جوع في مصر، وكان قد كتبها وهو مقاتل على الجبهة 8 أكتوبر 73، وأسماها "الحرب لسا ف أول السكة" يقول منها : اتفجري بالحرب ضد الجوع ضد القهر ضد التتار اتسلحي للحرب بالحرية واتفتحي وردة بدم ونار واتجمعي من ألف صرخة وضحكة والحرب لسة ف أول السكة ويتفق زين العابدين مع عمار حسن في أن الثورة حتى الآن لم تحقق أهدافها، ولكنها رفعت ثقة المواطن المصري بنفسه، وجعلتنا لا نشاهد نقابتين كالمحامين والأطباء مثلا مخترقتان من قبل تنظيم الإخوان المسلمين بسبب غياب الإقبال على الانتخابات . الشاعر المصري يعتبر أن 30 يونيو فكرة سابقة على ظهور حركة "تمرد" بنحو ستة أشهر على الأقل، وهي مطلب شعبي لإسقاط حكم المرشد ، وتستدعي ذاكرته اعتصام المثقفين ضد دولة الإخوان في زمن مرسي، وفعاليات "الفن ميدان" التي احتشد حولها المصريون بالميادين، والأفكار الخلاقة مثل إمضاء استمارات بالشوارع لإسقاط مرسي، وكانت ملايين كثيرة من الأوراق. من ديوانه "وش مصر" الذي كتبه الشاعر في الستينات ولاقى هجوما عنيفا عليه من السلطات بسببه، يتذكر قصيدة لا تزال أجواؤها حاضرة بمصر ، ومنها يقول عن "شهدا ماشيين في جنايز بعض" : رجع الموكب شايل همه .. شايل لحمه ..شهدا ماشيين، في جنايز بعض ..شهدا من فوق الأكتاف، شايلنهم شهدا فوق الأرض ..يا بلدنا يا بطن كبيرة ..كبيرة، وبتخلّف ..ترجف، تنزف.. تزرع شهدا.. تحصد شهدا.. من قبل عرابي مات شهدا.. من بعد عرابي مات شهدا.. وفي كل طاعون، وطاعون.. وفي كل دراع بيخون.. بيموت شهدا.. علشان يضحك في الضلمه قمر" أخيرا، يسعد الشاعر كثيرا حين يتذكر أن أغنيات ثلاث ترددت في الميدان بكثرة، "يا مصر قومي وشدي الحيل" لنجيب شهاب، "اتجمعوا العشاق" من تأليف زين العابدين فؤاد وأخيرا "أنا الشعب ماشي وعارف طريقي" للفاجومي وألحان الشيخ إمام رحمه الله. وقال أن مصر لم تشهد فتنة طائفية طيلة الفترة من العشرينات وحتى خمسينات القرن الماضي، لأن النظام طبق شعار "الدين لله ، والوطن للجميع" ، وفي الخمسينات فاز ويصا واصف بدائرة الهضيبي مرشد الجماعة، ليقول أنه القبطي الوحيد بالدائرة وأنه قادم من الصعيد ومع ذلك فاز ! فالمتدين ليس حتميا أن يكون معبرا عن الجماهير وممثلا لها، ويمكن أن يكون داعية ناجح في المسجد وليس خارجه. وأضاف زين أن التعليم التلقيني يزيد الطينة بلة في مصر، حتى أن النظام الفاسد ألغى حصص الرسم والموسيقى من المناهج، ولابد أن ننتبه لإصلاح هذه الأمور الآن . ذكريات الميدان الشاعر الدكتور محمد أبوالمجد، قال في شهادته، أن جيل الأربعينات عاصر النكسة وانتصار أكتوبر ثم ثورة يناير، وعاصر انتفاضات الجامعات ضد الفساد . ويتذكر أيامه مع الميدان فيقول : المصريون يستدعون ثقافتهم الحقيقية في المحن، فتجد قيم الميدان من جدعنة وكرم ، ترى البطاطين والغذاء يدخل للميدان من المتطوعين ، ترى رامي عصام وهو يغني للوطن بشكل مختلف تماما عن عبدالحليم حافظ في الماضي، وترى دهاء المصريين حين يطوقون الميدان، يعني ميدان التحرير، بمقاهٍ تحرسه ، وأنت حين تزور الميدان قد تشعر أنه فارغ بينما هو محاط بميادين عديدة يتحكم فيها الثوار جيدا ، وهكذا كان الشاعر يقول لرفاقه : لا تخافوا من أي شيء ، فما يشاهده الناس في التليفزيون شيء مختلف تماما عما يراه الثوار في الميدان. ويستطرد أبوالمجد وهو رئيس إدارة الشئون الثقافية بقصور الثقافة : النساء أيضا قمن بدور بطولي في ثورتي يناير ويونيو ، وأقسمن أن مرسي لن يستمر في القصر . وهنا تداخلت الشاعرة شريفة السيد مديرة الندوة، وتذكرت أن حتى من يطلقون عليهم "حزب الكنبة" قاموا بدور هام لإنجاح الثورة، فقد كانت تهرب نجل شقيقتها من الشباك للمشاركة مع رفاقه بالنضال في الميادين، وكانت شقيقتها تعنف إبنها لأنه يحول المحطة على برامج المنوعات ولا يتركهم يشاهدون ما يجري ببلدهم . أخيرا ، قدم الروائي الكبير سعيد نوح وتذكر ما ذاقه من ويلات في ميدان التحرير ، وتذكر حين اضطر للزحف على ظهره من تحت نفق يبلغ ارتفاعه 40 سم فقط ، كما لو كان فأرا، ولكنه وبينما هو على تلك الوضعية القاسية، إذ شاهد عربات الأمن المصفحة تتراجع وجنودها، ويعلم أن الثوار يتقدمون وأن الثورة تنتصر . وردا على تساؤل "محيط" أجاب الروائي صاحب الروايات الهامة عن الثورة ومنها "الكاتب والمهرج والملاك" و"أحزان الشماس" بقوله : الثورة تعيش بمنطق "خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام" فلا شيء تغير جديا، ونفس الوجوه الملوثة يتم تلميعها، ويتم اتهام الثوار جميعا بأنهم تدربوا في الخارج وقبضوا الأموال ، وأضاف : نعم ، مبارك لم يستمر 30 عاما في الحكم إلا بشعب استطاع أن يفسد معظمه، والدليل ما نراه اليوم، وعلى أي حاكم جديد يريد أن يصلح أن يبدأ بإصلاح ما فسد في الشعب . وعن الإخوان المسلمين قال : هم لا يعلمون أن الدين المعاملة، وهذه الحقيقة غائبة تماما في كثير من قطاعات المتدينين، والدين هو العدل والمساواة.