رسمياً.. مصروفات المدارس الرسمية والرسمية المتميزة للغات العام الدراسي الجديد 2025    بوتين: أتفق مع تقييم أوبك بشأن الطلب المرتفع على النفط    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 بالزيادة الجديدة.. هل تم تبكيرها؟    الحكومة الباكستانية تعلن ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026    منظمة حقوقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا إيران من ضربات إسرائيل    وزير الخارجية الإسرائيلي: تأخرنا سنتين أو ثلاث في منع إيران من امتلاك سلاح نووي    عمرو أديب: إيران عملت مفاجأة في إسرائيل هدِّت أسطورة القبة الحديدية    الوداد المغربي يعلن ضم عمر السومة رسميًا    تفاصيل جديدة في واقعة العثور على جثة طبيب داخل شقته بطنطا    انتشال جثمانى طفلين من مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة الكيمياء    الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم.. أول أيام الصيف    ليالٍ لا تُنسى على مسارح موازين: وائل جسار يشعل الأجواء وروبى تتألق لأول مرة!    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    هنا الزاهد وتامر حسني وزينة يواسون المخرجة سارة وفيق في عزاء والدتها (فيديو)    «هروح بالعيال فين؟».. أم «مريم» تروي لحظات الانهيار وفقدان المأوى بعد سقوط عقارات حدائق القبة    ترامب يمهل إيران أسبوعين للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي    بيان عاجل من وزراء الخارجية العرب بشأن الحرب الإسرائيلية الإيرانية    إيران تمهل "عملاء إسرائيل" حتى الأحد المقبل لتسليم أنفسهم والاستفادة من العفو    شاهد.. قناة السويس تنجح فى التعامل مع عطل سفينة 1 RED ZED.. فيديو وصور    كأس العالم للأندية.. بنفيكا يكتسح أوكلاند سيتي بسداسية    فتح باب انتقال ليفاندوفسكي إلى الدوري السعودي    القنوات الناقلة مباشر لمباراة بايرن ضد بوكا جونيورز في كأس العالم للأندية.. والمعلق    بقيادة مؤمن سليمان.. الشرطة يتوج بلقب الدوري العراقي    عمرو أديب: نتائج الأهلي المخيبة للآمال تكشف ضعف اللاعب المصري    "قبل مباراة المونديال".. تاريخ مواجهات الأهلي وبورتو البرتغالي    تركي آل الشيخ: السعودية أصبحت قوة كبرى في عالم الملاكمة    تراجع أسعار الذهب في ختام تعاملات اليوم.. وعيار 21 يسجل 4780 جنيها    بعد زيادته رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 21 يونيو 2025    البيئة: قدم «صون الطبيعة» دعمًا لدول جنوب غرب آسيا ب60 مليون دولار    محافظ الغربية: جهود مكثفة للتعامل مع كسر ماسورة مياه بالمحلة الكبرى    انهيار عقارات حدائق القبة| بلوجر عبر صفحتها: "ضياء تحت الأنقاض"    نتيجة الشهادة الإعدادية في محافظة سوهاج 2025.. رابط الاستعلام المعتمد فور ظهورها    لأول مرة.. بدء أعمال اللجنة العليا لاختيار عمداء المعاهد العليا |150 معهدًا يقدم ترشيحات العمداء وفقًا للضوابط الجديدة    قرار مهم من " التعليم" بشأن إعفاء الطلاب من المصروفات للمتفوقين بمدارس 30 يونيو    وفاة رئيس لجنة امتحانات الثانوية بسوهاج في حادث.. وتحرك عاجل من نقابة المعلمين    تكليف مهم من نقيب المحاميين للنقابات الفرعية بشأن رسوم التقاضي    الجمهور يهتف "الحرية لفلسطين" فى ثانى أيام مهرجان كناوة بالمغرب    باسم سمرة: فيلم ريستارت يناقش قضية أسرية مهمة في إطار كوميدي    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    إنجاز طبي بمستشفى القصاصين.. استئصال ورم بالغدة النكافية بلا مضاعفات    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 21 يونيو 2025    سويسرا ترفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة التعاطي يشعل نقاشًا واسعًا في الكويت    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    إنقاذ 12 شخصا من أسفل عقار حدائق القبة المنهار واستمرار البحث عن آخرين    منها المساعدة في فقدان الوزن.. لماذا يجب اعتماد جوزة الطيب في نظامك الغذائي؟    يسري جبر: الابتلاء لا يتنافى مع العبادة بل هو رفعة الدرجات    طلب مناقشة أمام "الشيوخ" بشأن التنمر والعنف المدرسي الأحد    إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025..    مكافأة تشجيعية للمتميزين وجزاءات للمقصرين في المنشآت الصحية بالدقهلية    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    مجلس الاتحاد اللوثري: خفض المساعدات يهدد القيم الإنسانية والتنمية العالمية    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة تتابع 392 منشأة صحية وترصد تحسنا بمستوى الخدمة    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدار "الفصل" العنصري/ عبده وازن
نشر في محيط يوم 09 - 11 - 2009


الجدار العازل
عبده وازن
عشرون عاما ًعلى سقوط «جدار العار» الذي فصل بين برلين الشرقية وبرلين الغربية طوال عقود... وسبعة أعوام على قيام «جدار العار» الذي يفصل بين فلسطين العربية وفلسطين المحتلة. ولو كان لاسرائيل أن تحتفل بهذه «الذكرى» مثلما يفعل الألمان اليوم بذكرى جدارهم، لفعلت دون تردّد. فهذا الجدار الذي أقامته بحجة أمنية أصبح أشبه بجدار «العزل» العنصري الذي يفصل بين الشعب «المختار» والشعب المقتلع. ولم يفصل هذا الجدار بين الأرض الأم والأرض المحتلة فقط، بل فصل الأرض الأم عن أطرافها، فصل الأهل عن أهلهم، والمزارعين عن بساتين الزيتون والأحياء عن موتاتهم... راح الجدار القاسي، الزاحف كسلحفاة عملاقة، يقضم ما أمكنه من أحياء ومنازل وحقول غير آبه بأهليها، أولئك الذين لم يبق أمامهم إلا المغادرة الى ما تبقى من الأرض، هناك، في الناحية الأخرى.

لا يمكن المواطن العربي إلا أن يتألم عندما يشاهد الألمان يحتفلون بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. هذا المشهد الذي صنع تاريخاً جديداً للمدينة يترك الكثير من الأسى في نفوسنا، نحن العرب الذين أصبحنا فلسطينيين بالتبني والألم والخيبة. ومثلما تسلّق الشبان الألمان جدارهم عام 1989 وراحوا يُعملون معاولهم فيه هادمين أجزاء منه، تسلّق بضعة شبان فلسطينيين «جدار العار» وراحوا يقتطعون منه أجزاء، لكن الجيش الاسرائيلي كان في انتظارهم، كعادته. شاء هؤلاء الشبان أن يحذوا حذو الشبان الألمان في هذه الذكرى وأن يسقطوا بضعة أجزاء من الجدار وعجزوا. هذا جدار من حقد وكراهية وليس من اسمنت. جدار عنصري صلب وقاسٍ أقامته اسرائيل لتقول علانية وعلى مسمع العالم، إن «النقاش» انتهى هنا، على قاعدة هذا الجدار، جدار الاستبداد.

بدا مشهد الشبان الفلسطينيين الذين انقضوا على الجدار في غفلة من عين الديناصور الاسرائيلي، أليماً جداً. كانت حماستهم رائعة لكن خيبتهم كانت مريرة. هذا الحلم الصغير سقط سريعاً تحت ضربات الجنود ورصاصهم. لكنه الحلم ولو قدّر له أن يطول، الحلم الذي يظل يلمع في العيون كالسراب.

أقيم جدار برلين ليمنع المواطنين من الخروج، أما «جدار العار» في فلسطين فأقيم ليمنع أهل الأرض من الدخول الى أرضهم، ليمنعهم من العودة الى ماضيهم وذكرياتهم، الى بيوتهم وحقولهم... الحلم في الخروج الى عالم الحرية يقابله حلم في الدخول الى عالم الذات، الذات التي هي الأرض مثلما هي الهواء والماء والتراب... أقيم جدار برلين ليأسر المواطنين في الداخل، أما «جدار العار» في فلسطين فأقيم ليأسر الناس في الخارج. وقد أضحى هذا الخارج الذي يرسم الجدار تخومه، بمثابة السجن الكبير، السجن الذي ينعم بالهواء الطلق وتشرق عليه شمس فلسطين وتضيئه في الليل نجومها. إنه الوطن الذي استحال سجناً كبيراً ينتهي أمام هذا الجدار، جدار الاسمنت والبغضاء. لم يشأ الاسرائيليون اقامة هذا الجدار لتصبح حياتهم كما يرجونها، طبيعية وهادئة، بل ليجعلوا حياة الفلسطينيين حياة مجتزأة وغير طبيعية.

هل أصبح «جدار العار» في فلسطين حقيقة تاريخية؟ هل سيتمكن الفلسطينيون من هدمه ذات يوم كما فعل الألمان بجدارهم؟ لعل الجواب يمكن استخلاصه مما قاله الكاتب الاسرائيلي دافيد غروسمان، اليساري والمعارض كما يوصف: «أريد أن أبدأ الحياة. أريد أن تُفتح أبواب في هذا الجدار». لم يدعُ غروسمان الى اسقاط هذا الجدار، دعا الى فتح أبواب فيه، أي الى ابقائه ولكن بأبواب. ولعله يدرك جيداً ماذا يعني الباب في معجم الجيش الاسرائيلي وفي حياة المواطنين الفلسطينيين.

قام الكاتب المسرحي البريطاني دافيد هار قبل فترة بجولة على «ضواحي» الجدار في فلسطين بغية كتابة نص درامي، وعندما عاد، كتب ما يشبه الشهادة الأليمة، ناقلاً صورة مأسوية عن الحياة الفلسطينية ما وراء الجدار. وقد آلمه منظر القدس كثيراً فكتب يقول: «كانت القدس جميلة، أما الآن فلا. أعتقد شخصياً أن القدس ذُبحت».

لا أعتقد أن شاعراً أو كاتباً فلسطينياً سيجلس سانداً ظهره الى هذا الجدار، حالماً ومحدقاً الى البعيد الغامض، ليكتب ما يكتبه الأدباء الذين يملكون جدراناً تحميهم. هذا الجدار لم يكن ليحمي كما تفعل الجدران عادة، جدران الغرف أو البيوت والمدن. لكنّ الخوف، كل الخوف، ألا يصبح هذا الجدار «حائط» مبكى، فلسطينياً، يزوره الفلسطينيون ليبكوا أمامه ماضياً اندثر وذكريات عن بلاد لم يبق منها إلا القليل.

لا بد من الحلم بهدم هذا الجدار، مهما بدا هذا الحلم ضئيلاً وواهياً وصعب المنال أو عصياً. فالحلم يظل أجمل من هذا الكابوس الذي يعيش الفلسطينيون وراء الجدار والذي يشوّه حياتهم اليومية وروحهم، جماعة وأفراداً. هذا الحلم لا بد منه ولو لم يبد «إلا عزاء واهياً للناس الذي يعانون الأسر» كما قال المفكر تزفتان تودوروف في جريرة كلامه عن هذا الجدار. الحلم بهدم هذا الجدار عزاء واهٍ؟ ليكن... ما دام هذا الجدار قائماً.

بين جدار برلين الذي سقط قبل عشرين عاماً و «جدار العار» الذي اقيم في فلسطين قبل سبعة أعوام، يبدو المشهد مختلفاً تماماً. هناك على أنقاض ذاك الجدار نهضت حياة جديدة، وهنا في ظل هذا الجدار لن يبقى إلا ما توافر من حياة. اللعنة عليك يا جدار اسرائيل.

** منشور بصحيفة "الحياة" اللندنية بتاريخ 9 نوفمبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.