عبد الناصر لم يكن ديكتاتورا الجيش كان ضد التوريث، وطنطاوى قال لعمر سليمان لن أطلق رصاصة واحدة ضد الشعب مبارك تنحى عن الحكم بعد انحياز القوات المسلحة لمطالب الجماهير لدينا جهاز بيروقراطي بالغ السوء، وهذا ما جعلنى أقدم استقالتى أربعة مرات مابين عصر عبد الناصر والسادات ومبارك، ودستور 2014، وخارطة الطريق، دار لقاء جمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب مع الفقيه الدستورى والمفكر السياسى الكبير د. يحيى الجمل. أدار اللقاء د. محمد الخولى، والذي عرف الجمل بكونه فقيه دستورى مصري من مواليد عام 1930 ، بمحافظة المنوفية، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1952، ثم الماجستير 1963، وحصل على الدكتوراه فى عام 1967. أسس بالتعاون مع أسامة الغزالي حرب، ومجموعة من السياسيين والمفكرين، حزب الجبهة الديمقراطية ، وتولى رئاسته..انضم إلى لجنة الحكماء التى تم تشكيلها أثناء اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011، وتولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. لمع نجمه مع قيام ثورة 23 يوليو، وكان دائمًا يميل إلى الاشتراكية العربية، قال عنه عملاق الأدب العربى توفيق الحكيم بأنه لولا حبه للقانون والتدريس بالجامعة لكان له شأن آخر فى مجال الأدب. وفي كلمته أمس ، أشاد الجمل بإقامة المعرض بشكل منتظم رغم الظروف التى تمر بها البلاد. وتذكر أول كتبه عن الاشتراكية العربية بقوله : ذات يوم جاءنى زكريا محيى الدين وقال لى هل سمعت ما قاله الرئيس عبد الناصر فى خطابه بالإسكندرية عن الاشتراكية، فقلت له: نعم، فقال لى: ولماذا إذن تكتب ما يتعارض مع فكره، بررت له وجهة نظرى وأخذ منى نسختين من الكتاب، وبعد أسبوعين جاءنى زكريا وقال لى أن عبد الناصر قرأ الكتاب من الجلدة للجلدة، ولم أصدق ما قاله زكريا إلا عندما شاهدت تعليقات وخطوط عبد الناصر على كل صفحة بالكتاب- وقال لى أن أبلغك أنه ليس لديه مانع من أن تدرس الكتاب كما هو. وفى الحقيقة كان هذا بمثابة الصاعقة بالنسبة لى فلم أتوقع ذلك مطلقًا، وهذا هو عبد الناصر الذى قالوا عنه أنه كان ديكتاتورًا، وأتذكر أيضًا لعبد الناصر أنه عندما اتصلت به أم كلثوم بعد منتصف الليل وقالت له أنها بينها وبين زوجها خلاف، أخذ سيارته وخرج من منشية البكرى بعد منتصف الليل وتدخل بوصفه من أكثر من حبوا فن أم كلثوم وليس بوصفه رئيس الجمهورية وأنهى الخلاف بينها وبين زوجها. ليس هذا فحسب، فعندما كتب الشاعر اللبنانى نزار قبانى قصيدته الشهيرة والتى هاجم فيها عبد الناصر بعد هزيمة 67، وأراد أن يدخل مصر فعلم أنه من ضمن الممنوعين من دخول مصر، فاتصل بكوكب الشرق وأبلغها ما حدث، فحدثت أم كلثوم ناصر فى شأن نزار، فطلب من الجهات المعنية السماح لنزار بأن يدخل مصر وقال لهم إذا كنا نحن قد تمزقنا من داخلنا جراء النكسة فكيف تلومون شاعرًا تجرع مرارة ما تجرعناه، ارفعوا اسمه من الممنوعين من دخول مصر ، وأريد أن أقابله عندما يأتى إلى مصر. وأضاف: لقد تربيت منذ صغرى على إنكار الذات وحب الوطن، ولم أسع فى حياتى إلى أى منصب، فكنت أميل وأفخر دائمًا، بأننى أستاذ جامعى ويكفينى شرفًا وفخرًا أننى كلما زرت بلدًا عربيا وجدت طلبة لى بها. بدأت حياتى فى سلك النيابة وعينت فى وظيفة وكيل نيابة، وكنت ولازلت أقول أن القضاة هم أصحاب المنصة العالية، وحماة العدالة، التى هى أساس تقدم ورقى أى أمة. وأتذكر أن عبدالعزيز باشا فهمى وزير العدل قبل ثورة يوليو، عندما أصدر موسوعته الشهيرة قوانين جستنيان، وقرر أن يخصص ريعها والعائد منها طيلة الحياة لصالح الطلبة المتفوقين من طلاب كلية الحقوق، قد ترك ذلك أثرًا فى نفسى، وعندما حصلت على جائزة الدولة التقديرية وكانت قيمتها المادية 50ألف جنيه، قررت أن أخصص العائد السنوى من هذا المبلغ، لصالح أوائل طلاب كلية الحقوق، علمًا بأننى كنت فى حاجة إلى المبلغ وقتها، وأنا لم أفعل هذا من باب المن ، ولكنى فعلته لأنه واجب وطنى أنا أؤمن به. وعن سبب قبوله تولى منصب رئيس مجلس الوزراء عقب ثورة 25 يناير قال الجمل: إصرار المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان، هو ما جعلنى أقبل تولى المنصب فهما كانا يعلمان أننى من أوائل من رفض توريث مبارك الحكم لإبنه، وكتبت ذلك صراحة فى خطاب مفتوح لمبارك فى جريدة المصرى اليوم، ويجب أن أقولها الآن صراحة بأن الجيش المصرى كان ضد مشروع التوريث، وعندما ذهب عمر سليمان لطنطاوى ليعرف موقفه من ثورة يناير، قالها طنطاوى صراحة لن أطلق رصاصة واحدة على مصرى. إن الجيش المصرى وعلى مدار تاريخه هو ملك لمصر وليس ملكًا لأحد، ويذكر لمبارك أن مجرد أن علم بعدم مساندة الجيش له فى قمع المظاهرات قرر التنحى وجنب البلاد الدخول فى حرب أهلية على غرار الأزمة السورية، وفى انتفاضة عام 1971 والتى أطلق عليها السادات إنتفاضة الحرامية وسميناها نحن ثورة الجياع، رفض الجيش المصرى أن يطلق النار على الشعب المصرى، وفى عصر مبارك فى حادثة الأمن المركزى، رفض المشير أبو غزالة أن يطلق مصرى الرصاص على أخيه المصرى. وأذكر أننى فى أول تصريح لى بعد أن توليت منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، قد انتقدت حكم المجلس العسكرى، فجاء لى طنطاوى وقال لى مداعبًا: يعنى يا يحيى فى أول تصريح لك تقول العسكر، فقلت له: يكفى العسكر فخرًا أنهم جاءوا لهذا البلد بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر فضحك المشير وقال لى تكلم بما تشاء يا يحيى. والذى أود أن أقوله فى هذا الشأن أن الرجل الذى تريده مصر الآن، المشير عبد الفتاح السيسى، فهو يمتلك كاريزما عبد الناصر، ودهاء السادات، وفى حديثى بينى وبينه منذ فترة قلت له أن مشاكل مصر عاتية، والناس فى حاجة لمن يحل مشاكل مصر، ومشاكل مصر لن تُحل فى يوم وليلة. وعلينا جميعًا أن ندرك أن لدينا جهازًا بيروقراطيًا بالغ السوء، وهذا ما جعلنى أقدم إستقالتى أربعة مرات من منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ولقد واجهت تعنت بالغ عندما أردت أن أعيد د. أحمد درويش إلى وزارة التنمية المحلية، وكانت الأراء الرافضة تتحجج بأنه تلميذ أحمد نظيف، دون النظر إلى ما أنجزه فى الجهاز الإدارى للدولة، أثناء تولية وزارة التنمية الإدارية. وأنا أرى أن الجهاز الإدارى المصرى فى حاجة إلى هزة عنيفة. وعن د. حازم الببلاوي، رئيس الوزراء الحالي، أوضح «الجمل» أنه اقتصادى جيد، ورجل ناجح، إلا أن مصر الآن تعانى مشكلات عاتية ومتشعبة وتواجه صراعًا حقيقيًا، ومصر فى هذه المرحلة فى حاجة ماسة إلى تكاتف كل قوى الشعب، حول مشروع وطنى يعبر بمصر للمستقبل، وأوكد لكم أن مصر لن تنكسر، وما قامت به السعودية ودول الخليج من دعمها لمصر بعد ثورة 30 يونيو، هو ما شد من أزر مصر. واستطرد الجمل : أتذكر فى هذا السياق ما سمعته من الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله فى عام 1974وأكده لى الأمير طلال من أن الملك عبدالعزيز آل سعود وهو يحتضر جمع أولاده جميعًا وأوصاهم بعدد من الوصايا وفى نهاية وصاياه قال لهم ديروا بالكم مصر لا تطيح إذا مصر طاحت طحنا جميعًا. وهذا ما علينا جميعًا أن ندركه أن عز مصر من عز العرب وهوان مصر من هوان العرب. والترحيب الإسرائيلى والأمريكى، وما قامت به ولا زالت تقوم به إسرائيل من دعم للإخوان، هو دليل قاطع على أن الإخوان خانوا مصر وباعوها لصالح إسرائيل وأمريكا، كما يؤكد الفقيه يحيى الجمل. وسأل الدكتور أحمد مجاهد ، ضيف الملتقى الفكري الدكتور يحيى الجمل : هل استطاع وهو نائب لرئيس مجل الوزراء أن ينفذ أفكاره ؟ فأجاب: عندما أنشأ المجلس العسكرى بعد أن تم تعينى فى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، مجلس الوفاق القومى، وتم اختيارى مقررًا للمجلس، قمت بمراسلة كل الأحزاب والقوى الوطنية، وكل النقابات وحتى الأندية مثل نادى الأهلى والزمالك والصيد وغيرها، من أجل الحضور لنتناقش من أجل وضع تصور للدستور الجديد لمصر. وقد حضر الجميع إلا حزب الحرية والعدالة، وليس هذا فحسب بل اتصل بى أحد قيادات الجماعة وهو د. عصام العريان الذى درست له وهو طالب بكلية الحقوق، وقال لى ما معناه أن ما تفعلونه لا فائدة منه فنحن من سنضع والدستور. وفى الحقيقة عكس ما يعتقد الكثير المجلس العسكرى لم يكن يرغب فى البقاء فى السلطة، ومشكلة المجلس العسكرى أن فكره السياسى لم يكن يتجاوز فكر مبارك، ولقد حاولت ولكن مع كل أسف لم أستطع أن أقدم أى شى نتيجة للظروف والضغوط التى كانت موجودة وقتها. وعن كيفية النهوض بمصر فى ظل التحديات الراهنة، أشار الجمل فى ختام حديثه إلى أن المشاكل التى تعانى منها دولة مثل الهند أكثر مما تعانيه مصر عشرات المرات، ومع ذلك بنت الهند نهضتها وتقدمها على ركيزتين أساسيتين هما التعليم والديموقراطية، ومن خلال عملى كأستاذ جامعى أقول لكم أن نظامنا التعليمى الآن فى ظل عصر ثورة المعلومات فى غاية السوء ويجب أن نغير ونعيد رسم المنظومة التعليمية فى مصر منذ الحضانة وحتى التعليم الجامعى، وعلينا أن ندركأن العلم ثم العلم ثم العلم هو أساس نهضة مصر.