عن أم كلثوم وخناقتها مع زوجها وتدخل عبدالناصر بينهما فى منتصف الليل.. وعن تقليده لما فعله عبدالعزيز باشا فهمى فى الأربيعينيات بموسوعته الشهيرة.. وعن سبب إصرار المشير طنطاوى على وجوده على رأس الوزارة عقب ثورة 25 يناير، وسبب تقدمه باستقالته أربع مرات.. وعن سر ما قاله عصام العريان تليفونيا.. بعض من ذكريات الفقيه الدستورى الشهير د. يحيى الجمل أخرجها من جعبته التى مازالت تمتلئ بكثير من الأسرار والكنوز. وقد بدأ يحيى الجمل تعقيبًا على تقديم د. محمد الخولى لجمهور المعرض أنه للحقيقة والتاريخ أود أن أشير فيما هو متعلق بأول كتبى عن الاشتراكية العربية، فذات يوم جاءنى زكريا محيى الدين وقال لى هل سمعت ما قاله الرئيس عبد الناصر فى خطابه بالإسكندرية عن الاشتراكية، فقلت له: نعم، فقال لى: ولماذا إذن تكتب ما يتعارض مع فكره، بررت له وجهة نظرى وأخذ منى نسختين من الكتاب، وبعد أسبوعين جاءنى زكريا وقال لى إن عبد الناصر قرأ الكتاب من الجلدة للجلدة، ولم أصدق ما قاله زكريا إلا عندما شاهدت تعليقات وخطوط عبد الناصر على كل صفحة بالكتاب- وقال لى إن أبلغك أنه ليس لديه مانع من أن تدرس الكتاب كما هو. وفى الحقيقة كان هذا بمثابة الصاعقة بالنسبة لى فلم أتوقع ذلك مطلقًا، وهذا هو عبد الناصر الذى قالوا عنه إنه كان ديكتاتورًا، وأتذكر أيضًا لعبد الناصر أنه عندما اتصلت به أم كلثوم بعد منتصف الليل وقالت له إنها بينها وبين زوجها خلاف، أخذ سيارته وخرج من منشية البكرى بعد منتصف الليل وتدخل بوصفه من أكثر من حبوا فن أم كلثوم وليس بوصفه رئيس الجمهورية وأنهى الخلاف بينها وبين زوجها. ليس هذا فحسب، فعندما كتب الشاعر اللبنانى نزار قبانى قصيدته الشهيرة والتى هاجم فيها عبد الناصر بعد هزيمة 67، وأراد أن يدخل مصر فعلم أنه من ضمن الممنوعين من دخول مصر، فاتصل بكوكب الشرق وأبلغها ما حدث، فحدثت أم كلثوم ناصر فى شأن نزار، فطلب من الجهات المعنية السماح لنزار بأن يدخل مصر وقال لهم إذا كنا نحن قد تمزقنا من داخلنا جراء النكسة فكيف تلومون شاعرًا تجرع مرارة ما تجرعناه، ارفعوا اسمه من الممنوعين من دخول مصر ، وأريد أن أقابله عندما يأتى إلى مصر. وأضاف: لقد تربيت منذ صغرى على إنكار الذات وحب الوطن، ولم أسعى فى حياتى إلى أى منصب، فكنت أميل وأفخر دائمًا، بأننى أستاذ جامعى، فالأستاذية هى المنصة العالية، والمكان الذى تخرج منه وتعود إليه. ويكفينى شرفًا وفخرًا أننى كلما زرت بلدًا عربيا وجدت طلبة لى بها. بدأت حياتى فى سلك النيابة وعينت فى وظيفة وكيل نيابة، وكنت ولازلت أقول أن القضاة هم أصحاب المنصة العالية، وحماة العدالة، التى هى أساس تقدم ورقى أى أمة. وأتذكر أن عبدالعزيز باشا فهمى وزير العدل قبل ثورة يوليو، عندما أصدر موسوعته الشهيرة قوانين جستنيان، وقرر أن يخصص ريعها والعائد منها طيلة الحياة لصالح الطلبة المتفوقين من طلاب كلية الحقوق، قد ترك ذلك أثرًا فى نفسى، وعندما حصلت على جائزة الدولة التقديرية وكانت قيمتها المادية 50 ألف جنيه، قررت أن أخصص العائد السنوى من هذا المبلغ، لصالح أوائل طلاب كلية الحقوق، علمًا بأننى كنت فى حاجة إلى المبلغ وقتها، وأنا لم أفعل هذا من باب المن، ولكنى فعلته لأنه واجب وطنى أنا أؤمن به. وعن سبب قبوله تولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء عقب ثورة 25 يناير قال الجمل: إصرار المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان، هو ما جعلنى أقبل تولى المنصب فهما كانا يعلمان أننى من أوائل من رفض توريث مبارك الحكم لإبنه، وكتبت ذلك صراحة فى خطاب مفتوح لمبارك فى جريدة المصرى اليوم، ويجب أن أقولها الآن صراحة بأن الجيش المصرى كان ضد مشروع التوريث، وعندما ذهب عمر سليمان لطنطاوى ليعرف موقفه من ثورة يناير، قالها طنطاوى صراحة لن أطلق رصاصة واحدة على مصرى. إن الجيش المصرى وعلى مدار تاريخه هو ملك لمصر وليس ملكًا لأحد، ويذكر لمبارك أن مجرد أن علم بعدم مساندة الجيش له فى قمع المظاهرات قرر التنحى وجنب البلاد الدخول فى حرب أهلية على غرار الأزمة السورية، وفى انتفاضة عام 1971 والتى أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية وسميناها نحن ثورة الجياع، رفض الجيش المصرى أن يطلق النار على الشعب المصرى، وفى عصر مبارك فى حادثة الأمن المركزى، رفض المشير أبو غزالة أن يطلق مصرى الرصاص على أخيه المصرى. وأذكر أننى فى أول تصريح لى بعد أن توليت منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، قد انتقدت حكم المجلس العسكرى، فجاء لى طنطاوى وقال لى مداعبًا: يعنى يا يحيى فى أول تصريح لك تقول العسكر، فقلت له: يكفى العسكر فخرًا أنهم جاءوا لهذا البلد بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر فضحك المشير وقال لى تكلم بما تشاء يا يحيى. والذى أود أن أقوله فى هذا الشأن أن الرجل الذى تريده مصر الآن، المشير عبد الفتاح السيسى، فهو يمتلك كاريزما عبد الناصر، ودهاء السادات، وفى حديثى بينى وبينه منذ فترة قلت له إن مشاكل مصر عاتية، والناس فى حاجة لمن يحل مشاكل مصر، ومشاكل مصر لن تُحل فى يوم وليلة. وعلينا جميعًا أن ندرك أن لدينا جهازًا بيروقراطيًا بالغ السوء، وهذا ما جعلنى أقدم استقالتى أربعة مرات من منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ولقد واجهت تعنت بالغ عندما أردت أن أعيد د. أحمد درويش إلى وزارة التنمية المحلية، وكانت الآراء الرافضة تتحجج بأنه تلميذ أحمد نظيف، دون النظر إلى ما أنجزه فى الجهاز الإدارى للدولة، أثناء تولية وزارة التنمية الإدارية. وأنا أرى أن الجهاز الإدارى المصرى فى حاجة إلى هزة عنيفة. وعن د. حازم الببلاوي، رئيس الوزراء الحالي، أوضح «الجمل» أنه اقتصادى جيد، ورجل ناجح، إلا أن مصر الآن تعانى مشكلات عاتية ومتشعبة وتواجه صراعًا حقيقيًا، ومصر فى هذه المرحلة فى حاجة ماسة إلى تكاتف كل قوى الشعب، حول مشروع وطنى يعبر بمصر للمستقبل، وأؤكد لكم أن مصر لن تنكسر، وما قامت به السعودية ودول الخليج من دعمها لمصر بعد ثورة 30 يونيو، هو ما شد من أزر مصر. وأتذكر فى هذا السياق ما سمعته من الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله فى عام 1974وأكده لى الأمير طلال من أن الملك عبدالعزيز آل سعود وهو يحتضر جمع أولاده جميعًا وأوصاهم بعدد من الوصايا وفى نهاية وصاياه قال لهم ديروا بالكم مصر لا تطيح إذا مصر طاحت طحنا جميعًا. وهذا ما علينا جميعًا أن ندركه أن عز مصر من عز العرب وهو أن مصر من هوان العرب. والترحيب الإسرائيلى والأمريكى، وما قامت به ولا زالت تقوم به إسرائيل من دعم للإخوان، هو دليل قاطع على أن الإخوان خانوا مصر وباعوها لصالح إسرائيل وأمريكا. وفى تعقيبه على كلمة الجمل قال الدكتور الخولى أحب أن أشير إلى أن الجمل، كما هو فقيه دستورى ومفكر سياسى كبير، إلا أنه يحمل فى جيناته كباقى أفراد الشعب المصرى حبه للفن، فهو مصرى وعربى صميم، إنه لا يستطيع أن ينام دون الاستماع إلى أحد أغانى أم كلثوم، وهذا هو جزء من ثقافتنا جميعًا هذه هى نقطة الحضارة التى دائمًا ما تخرج منا من وقت لآخر، إلى جانب ذلك فهو ضيف دائم على معظم حفلات دار الأوبرا المصرية. فهو حريص على متابعة كل ما يتعلق بالفن والفكر والإبداع، فهو من جيل هؤلاء الذين ترون صورهم الآن داخل القاعة ثروت عكاشة وخيرى شلبى وإبراهيم أصلان وغيرهم كثيرون أنجبتهم مصر وقدموا الكثير من أجل رقيها وتقدمها. وإلى جانب هذا ربما لا يعرف الكثيرون أن الجمل يعتبر من المقربين لصرح الكنيسة المصرية، وكانت تربطه بالبابا شنودة الثالث رحمه الله علاقة صداقة قوية جدًا، وكذلك تربطه علاقة قوية جدًا بالإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. ومع فتح باب الأسئلة تقدم الدكتور أحمد مجاهد بالشكر للدكتور يحيى الجمل والدكتور محمد الخولى، وجاء سؤاله: هل استطاع الدكتور يحيى الجمل وهو نائب لرئيس مجل الوزراء أن ينفذ أفكاره وما هى العوائق التى واجهته؟ فأجاب: عندما أنشأ المجلس العسكرى بعد أن تم تعينى فى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، مجلس الوفاق القومى، وتم اختيارى مقررًا للمجلس، قمت بمراسلة كل الأحزاب والقوى الوطنية، وكل النقابات وحتى الأندية مثل نادى الأهلى والزمالك والصيد وغيرها، من أجل الحضور لنتناقش من أجل وضع تصور للدستور الجديد لمصر. وقد حضر الجميع إلا حزب الحرية والعدالة، وليس هذا فحسب بل اتصل بى أحد قيادات الجماعة وهو د. عصام العريان الذى درست له وهو طالب بكلية الحقوق، وقال لى ما معناه أن ما تفعلونه لا فائدة منه فنحن من سنضع والدستور. وفى الحقيقة عكس ما يعتقد الكثير المجلس العسكرى لم يكن يرغب فى البقاء فى السلطة، ومشكلة المجلس العسكرى أن فكره السياسى لم يكن يتجاوز فكر مبارك، ولقد حاولت ولكن مع كل أسف لم أستطع أن أقدم أى شىء نتيجة للظروف والضغوط التى كانت موجودة وقتها. وعن كيفية النهوض بمصر فى ظل التحديات الراهنة، أشار الجمل فى ختام حديثه إلى أن المشاكل التى تعانى منها دولة مثل الهند أكثر مما تعانيه مصر عشرات المرات، ومع ذلك بنت الهند نهضتها وتقدمها على ركيزتين أساسيتين هما التعليم والديموقراطية، ومن خلال عملى كأستاذ جامعى أقول لكم أن نظامنا التعليمى الآن فى ظل عصر ثورة المعلومات فى غاية السوء ويجب أن نغير ونعيد رسم المنظومة التعليمية فى مصر منذ الحضانة وحتى التعليم الجامعى، وعلينا أن ندرك أن العلم ثم العلم ثم العلم هو أساس نهضة مصر.