عاجل- مدبولي يتابع جهود تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي ويوجه بحوافز جديدة لجذب المواطنين    الخارجية الأوكرانية: روسيا تتجاهل تمامًا مقترح الهدنة لمدة 30 يوما    تأكد غياب عمر خضر أمام غانا    ولي العهد السعودي يستقبل فريق أهلي جدة بعد التتويج بدوري أبطال آسيا للنخبة    تجارة عين شمس: زيادة وقت الامتحان لطلاب ذوي الإعاقة    الشيباني: الغارات الإسرائيلية على سوريا تصعيد مدروس يجر المنطقة إلى صراع    كرة يد - قبل قمة السوبر الإفريقي.. النهائي لن يكون مصريا خالصا لأول مرة من 2016    تعرف علي ملامح تشكيل الجهاز الفنى الجديد للأهلي بعد اقتراب ريفيرو من القلعة الحمراء    المدارس اليابانية تصل إلى قلب القاهرة في توسع غير مسبوق    مصر تدين الهجوم على وحدة تابعة للجيش الإكوادوري    ضبط المتهمين بالشروع في قتل شخص بكفر الشيخ    6 سلوكيات خاطئة تمنع نزول الوزن، احذريها    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    أكبر انخفاض يومي .. سعر الذهب فى مصر يهبط لأدنى مستوى فى شهر    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    ما موقف من تضرر من أزمة البنزين المغشوش ولا يمتلك فاتورة؟.. البترول توضح    ميشيل يانكون يقترب من الرحيل عن الأهلي بسبب مدرب فالنسيا الإسباني    أشرف حكيمي أفضل لاعب أفريقي في الدوري الفرنسي    موعد مباراة النصر ضد الأخدود في دوري روشن السعودي والقناة الناقلة    الحركة الوطنية: «تكافل وكرامة» نجح في توفير مظلة الحماية الاجتماعية    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    موعد امتحان الأنشطة والمواد غير المضافة للمجموع لطلاب «تانية ثانوي» في القليوبية 2025    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    تأجيل محاكمة عامل وعمه قتلا شابا فى شبرا الخيمة ليونيو المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    تكريم غادة جبارة ومنال سلامة في افتتاح مهرجان المسرح العالمي    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    البحث عن السعادة.. «الطائر الأزرق» يختتم عروضه على مسرح 23 يوليو    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    طب القاهرة تحصد اعتمادًا أوروبيًا كأحد أفضل مراكز رعاية مرضى قصور عضلة القلب    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    التعليم: فتح باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية (المرحلة الثانية) لعام 2025- 2026    «الوزير»: جذب مستثمرين لشراكات مع مصانع بقطاع الأعمال    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    رسميًا.. أورلاندو بايرتس يعلن رحيل خوسيه ريفيرو من تدريب الفريق    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    النواب يحيل 33 تقريرا إلى الحكومة لتنفيذ توصياتها    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    طالب بهندسة قناة السويس يواصل تألقه العالمي بتحكيمه في أكبر مسابقة روبوتات دولية بأمريكا    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    رئيس جامعة حلوان يشهد افتتاح فعاليات المهرجان الأول لتحالف جامعات إقليم القاهرة الكبري    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تراجع موقع الثقافة فى سلم إهتمامات فلسطين؟
نشر في محيط يوم 26 - 11 - 2007

ينشغل أصحاب القرار فى السلطة الفلسطينية فى ظل الاحتلال والتحديات الاقتصادية والسياسية بالأمور الأمنية والسياسية، أما الثقافة فقد تراجعت إلى درجة متدنية من الاهتمام حتى اصبحت خارج سلم الاهتمامات. إلا أن سببا آخر كان وراء تراجع موقع الثقافة فى سلم اهتمامات السلطة وهو غياب الرؤية وعدم وضوح أهمية الثقافة فى المشروع الوطنى بشكل عام وفى مؤسسة السلطة بشكل خاص. ذلك أن اعتقادا ساد وما زال بان النشاط الثقافى ما هو إلا شعارات وخطابات ترفعها وتقول بها أحزاب وقوى سياسية أو مثقفون بقاعات مغلقة، وبالتالى يتداخل مفهوم الثقافة الوطنية مع الايديولوجيا والدعاية الحزبية والتنظير الفكري، أو أن الثقافة هى مجرد فرق فنية من رقص وغناء وموسيقى.
أنبنى على هذا التصور اعتقاد بأن وجود وزارة ثقافة هو نوع من الترف الوظيفى الذى يمكن الاستغناء عنه وإن وجدت فلتكن مفرغة المضمون. هذا التصور للشأن الثقافى عكس نفسه فى الموازنة المخصصة لوزارة الثقافة حيث لا تتعدى 2 بالألف من الموازنة العامة.
وترتب عن هذا الضعف فى الاهتمام الرسمى بالمجال الثقافى أن ضعفت العلاقة بين المثقفين، سواء داخل الوطن أو فى الشتات، وبين المؤسسة الرسمية وخصوصا وزارة الثقافة أو أصبحت علاقة شخصية تأخذ طابع التبعية لهذا المسئول أو ذاك، أيضا تزايد عدد المراكز والمؤسسات الثقافية التى تعمل تحت العنوان الثقافى ولكن دون استراتيجية وطنية ثقافية، ونظرا لعدم قدرة الوزارة على دعم هذه المؤسسات أو توفير المتطلبات الضرورية لعملها، لجأت هذه المؤسسات للجهات الدولية المانحة، والتى تجاوبت معها ولكن ضمن شروط ليست دائما تنسجم مع متطلبات الثقافة الوطنية، وقد بانت خطورة الارتباط بالجهات المانحة عندما تم تسييس كثير من المؤسسات والمراكز الثقافية لصالح أيديولوجيات وأجندة خارجية لا تخفى معارضتها للمشروع الوطنى وسياساته.
مع كامل تقديرنا وتفهمنا للتحديات الكبيرة التى تتصدى لها القيادة الفلسطينية، ومع تفهمنا لشح الإمكانيات، إلا انه من الخطورة ترك المجال الثقافى ليُقاد بعقلية القطاع الخاص أو أجندة الجهات المانحة، مع احترامنا وتقديرنا للنوايا الحسنة عند الكثيرين من العاملين بهذا القطاع. ومع ذلك فنحن نؤمن أن الفعل الثقافى لا يمكن ولا يجوز أن يُحصر فى إطار العمل الرسمى فالثقافة هى عالم الحرية اللامتناهي، وخصوصا فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسى التى نعانى منها، وفى ظل الأفكار المسبقة السلبية حول السلطة ومؤسساتها ووزارة الثقافة جزء من السلطة، ولكن،... فى حالتنا الوطنية وعندما تصبح الثقافة والهوية محل تهديد وجودي، فإن الأمر يحتاج لتأطير المجال الثقافى وهو تأطير لا يحد من الحرية بل ينظمها ويعقلنها ويحدد أولويات العمل الثقافي، وهى عملية لا تعود للوزارة وحدها بل بالتعاون مع كل مكونات الجسم الثقافى الوطني.
لقد بات واضحا بعد كل الممارسات الإسرائيلية لسرقة وتشويه رموز ثقافتنا وهويتنا الوطنية، وبعد الانقلاب العسكرى لحماس فى غزة وتداعياته فى الضفة وعلى مجمل المشروع الوطني، أن حاجتنا لاستراتيجية ثقافية لا تقل عن الحاجة لاستراتيجية أمنية أو سياسية، لأن ما جرى ويجرى فى قطاع غزة ليس نتاج خلل أمنى أو سياسى بل هو اختراق لثقافتنا الوطنية، وبالتالى فالحلول الأمنية لوحدها لن تقضى على التطرف وحالة الانقسام، بينما الفعل الثقافى بكل أشكاله يمكنه أن يساعد بشكل كبير على ذلك من باب الوقاية خير من العلاج. لو كانت ثقافتنا وهويتنا الوطنية محصنة جيدا لما جرى ما جرى أو على أقل تقدير لجرى بشكل أقل حدة ومأساوية. ولكن وحتى يكون دفاعنا عن الثقافة والهوية الوطنية أكثر إقناعا دعونا نُعرف الثقافة بشكل عام وعلاقتها بالهُوية.
الإجابة عن السؤال ما هى الثقافة الوطنية أو الهوية الوطنية – أحيانا يتداخل المفهومان- هى مجمل الإجابة عن التساؤلات التالية: كيف تحافظ الأمم والمجتمعات على وجودها عبر التاريخ بالرغم مما تتعرض له من محن وهزائم عسكرية؟ لماذا استعادت أمم حضورها على الساحة الدولية وأصبحت قضيتها مطروحة دوليا بعد عقود بل قرون من الغياب؟ لماذا حافظ اليهود على حضورهم عبر التاريخ ثم أقاموا دولة إسرائيل تحت مزاعم تاريخية؟ كيف حافظ الصرب والبوسنيين والأكراد وشعب دار فور والتشيك والسلوفاك والأرمن الخ، على وجودهم عبر التاريخ بالرغم من غيابهم السياسى وغياب دولهم؟ لماذا يوجد أمريكيون وأسبان وهنود ومغاربة وفلسطينيون ال ؟وما الذى يميز كل منهم عن الآخرين؟ وأخيرا لماذا أنا فلسطينى ولست مصريا أو هنديا أو أمريكيا أو إسرائيليا؟
إنها الثقافة أو الهوية الوطنية ذالك الثابت/المتغير فى حياة الشعوب.
الفعل النضالي
لا توجد أمة إلا ولها ثقافة خاصة بها وإلا ما كان مبرر لوجودها كحالة متمايزة عن الجماعات الأخرى ،لأن الثقافة هى العادات والتقاليد وانماط المعيشة وطرق التفكير والفنون التى تكتسبها الجماعة وتتعلمها وتتشارك فيها، وتعطى للجماعة شخصيتها أو هويتها التى تميزها عن غيرها من الجماعات. وانطلاقا من ذلك فللثقافة كما يقول غى روشيه عدة خصائص:
أولا: طرق فى التفكير والشعور والسلوك أى أنها تتصل بكل النشاط الإنسانى الحسى وغير الحسي.
وثانيا: أن هذه الطرق من التفكير والشعور والسلوك مصاغة ومحددة فى النظم القانونية والشعائر والطقوس الخاصة بالجماعة، وكذا بقواعد السلوك والمعارف والعلوم والدين الخ.
ثالثا: إن هذه الطرق فى التفكير والشعور والسلوك مشتركة بين مجموعة من الأشخاص أو بشكل أخر أن مجموعة من الأشخاص يُحددون بالانتماء إلى مجموعة واحدة من خلال اشتراكهم فى هذه الطرق. ولكن يمكن أن يكون هناك داخل جماعة كبرى تشترك بهذه الخصائص، جماعات فرعية لها خصائص أكثر تمايزا عن الخصائص العامة، وهذه تشكل ثقافات فرعية. رابعا: إن الثقافة لا تنتقل بالوارثة ولكنها تكتسب اكتسابا عن طرق التعليم والتلقين والمعايشة.
داخل الثقافة بمفهومها العام يمكن الحديث عن انماط ثقافية كالثقافة السياسية، الثقافة الاقتصادية، ثقافة الديمقراطية، ثقافة الخوف، ثقافة المقاومة وثقافة العلم...ألخ.
إنها أجزاء من الثقافة بمفهومها العام، أو هى نوع من الثقافات الفرعية، تتأثر بالثقافة الأشمل، فالشخص العادى أو رجل السياسة لا يمكنه أن يحمل قيما سياسية أو يمارس سلوكا سياسيا متناقضا مع ثقافة المجتمع وألا سيعتبر شاذا عن المجتمع ومغتربا عنه إن لم يُتهم بأنه يمثل رأس حربه لغزو ثقافى ولأفكار دخيلة، وفى حالات كثيرة وخصوصا فى مراحل التحول الاجتماعى والسياسى يمر المجتمع بما يشبه صراع الثقافات الفرعية إلى أن يستقر الحال لهيمنة إحداها على الأخريات دون إلغائها كليا.وحيث أن كل ثقافة تسعى لأن تكون مقبولة من جميع أفراد المجتمع، فإنها مطالبة بالاهتمام بالتنشئة التى تسمح للأفراد باستبطان واكتساب معاييرها وقيمها والقبول بلعب دور فى مؤسساتها، ومن هنا فالعلاقة وثيقة ما بين الثقافة والتنشئة الاجتماعية والسياسية، وفى حالة وجود اتفاق على الثوابت الوطنية فإن عملية التنشئة تتم بطريقة سلسة ومنسجمة، أما عندما تعيش الأمة حالة تنازع ما بين الثقافة الوطنية والثقافات الفرعية أو يكون لكل حزب سياسى ثقافته الخاصة، فإن قنوات التنشئة السياسية تصبح أيضا محل صراع وتنازع، الأمر الذى يجعل الفضاء الثقافئ مشوها وموبوءا ومجالا للتحريض المتبادل.
الهوية والثقافة الوطنية الفلسطينية هما ذاكرة الشعب الفلسطينى وضمان مستقبله، هما تقاليده ولهجته ولباسه ومعاناته ومشاعره وأحاسيسه المشتركة، ورموز أخرى يجب استحضارها إن كانت مغيبة وخلقها إن كانت غير موجودة. إن تكن فلسطينيا معناه أن تكون مختلفا عن الآخر ليس اختلاف النقيض بل اختلاف التميز، أى كان هذا الأخر.
وعليه فإن الفعل الثقافى هو فعل نضالى لا يقل أهمية عن اشكال النضال الأخرى. الفعل الثقافى هو الذى يحفظ لنا هويتنا وخصوصيتنا ويرسخ روح الأنتماء للوطن، وهو الذى يضمن أن يُولد أطفالنا فلسطينيين وهو الذى يضمن أن يستمر أولادونا واولاد أولادنا منتمين لفلسطين ويفتخرون بهذا الانتماء حتى دون أن يعيشوا فى فلسطين. التمسك بالثقافة الوطنية يعنى التمسك بكل ما يرمز لوجودنا كشعب متجذر بهذه الأرض بما تحفل به من قيم وعادات وتقاليد وانماط معيشة ولباس شعبى وفلكلور وتراث وأثار.
التمسك بالثقافة الوطنية وتعزيزها هو ما يعطى مبررا لنقول بان هناك اكثر من عشرة ملايين فلسطينى فى العالم، وإلا فما الذى يربط فلسطينيى الداخل مع فلسطينيى غزة والضفة مع فلسطينيى الشتات، إلا الإحساس بالهوية المشتركة والإنتماء وهما العمود الفقرى للثقافة الوطنية.
هذا ناهيك أن العمل الثقافى المبدع يمكنه ان يخفف بعض الشئ من تشوش صورة الفلسطينى فى عقل ووجدان من يحبون فلسطين فى الخارج بعد الاحداث الاخيرة ،فالثقافة يمكنها إصلاح أخطاء السياسية ،ويمكنها ان تكون خير رسول للخارج يعبر عن/ ويحمل عدالة القضية وحقيقة مشروعنا الوطني. ومن هنا يجب أن لا تتملكنا عقدة ذنب أو تقصير، إن طرحنا مسالة الهوية وتطرفنا بالتمسك بثقافتنا الوطنية، و طالبنا بفك الاشتباك أو إعادة صياغة الأولويات ما بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهويات الأخرى المتقاطعة معها.
لسنوات والشعب الفلسطينى يَقبل بانضواء هويته وتبعيتها لهذه الإيديولوجية أو تلك و لهذا النظام أو ذاك باسم العروبة تارة وباسم الإسلام أخرى وباسم الأممية تارة ثالثة، لسنوات ونحن نجد عذرا لتعدد التنظيمات الفلسطينية وللتداخل القومى والإسلامى والأممي، حين كانت الآمال واعدة بانتصار هذه الإيديولوجية أو تلك، ولكن بعد انهيار الأيديولوجيات التى كانت تزعم أنها تحتضن قضيتهم وبعد سقوط معسكر أو معسكرات الحلفاء يحتاج الأمر إلى وقفة مع الذات ومن اجل الذات.
ليس هذا كفرا لا بالقومية ولا بالقوميين الصادقين، وليس كفرا بالإسلام والإسلاميين، ولكننا أيضا كفلسطينيين لن نكفر بفلسطين ولن نتخلى عنها إذا تخلى عنها الآخرون، لأن لا كرامة للفلسطينى ولا معنى لوجوده دون هوية وثقافة وطنية خاصة ومتميزة. إن المتابع للسياسة الإسرائيلية فى حربها ضد الشعب الفلسطيني، يلمس أن هذه السياسة تعمل على جبهتين:جبهة عسكرية لاحتلال الأرض وجبهة سياسية ثقافية لهزم ذاكرة الإنسان الفلسطينى وتشويه تاريخ القضية، ليصبح الشعب الفلسطينى شعبا بلا تاريخ وبالتالى بلا هوية، وعندما تنتفى الهوية الوطنية عن شعب يسقط حقه فى دولة مستقلة بل يفقد حقه بالحياة.
هوية التعددية
الحديث عن هوية أو ثقافة فلسطينية لا يعنى القطيعة مع الهويات الأخرى ولا تطابق أفراد الجماعة – الشعب الفلسطينى – فى الدين والفكر والعرق، فالتعددية جزء من ثقافتنا الوطنية التى فيها متسع للجميع، ولكنها تعددية فى إطار الوحدة، ثقافة وطنية لا تقوم على الإقصاء بل على الاستيعاب والتعايش. وعلى هذا الأساس فالدين جزء من الثقافة الوطنية ولكن يجب أن تُغيب هذه الأخيرة لمصلحة إيديولوجية دينية، ويمكن للعروبة أن تكون جزءا من ثقافتنا الوطنية، لا أن تغيب الثقافة الوطنية لمصلحة أيديولوجية قوموية مأزومة، وخصوصا أن العروبة والإسلام هما اليوم أدوات بيد أحزاب أو أنظمة توظف الدين ومفاهيم القومية والعروبة لمصالحهم الضيقة.
لا غرو أن المجال الثقافى هو رديف الحرية لان الثقافة لا تنمو إلا حيث تكون الحرية. ولا شك أيضا أن كل سلطة وخصوصا فى عالمنا العربى تنحو لتحويل المثقفين لأدوات أو أبواق تبرر وتُجَمّل سياساتها، إلا أنه عندما تكون الثقافة الوطنية محل تهديد وتكون السلطة جزءا من المشروع الوطنى المقاوم للاحتلال، يجب إعادة صياغة العلاقة ما بين السلطة الوطنية والمشتغلين بالمجال الثقافي.
وبالتالى فى الوقت الذى نتمنى من السلطة أن تعيد النظر فى رؤيتها لأهمية الثقافة والفعل الثقافي، نتمنى أيضا من المثقفين أن يعيدوا النظر فى تصوراتهم للعمل الثقافي، فلا شك أن كثيرا منهم أثبت حضوره فى المشهد الثقافى محليا ودوليا، كمثقف مبدع، تُفتح أمام إنجازاته كل الصحف ودور النشر ويُستقبل بترحا، أينما حل، إلا أن كل مثقف لوحده لا يشكل حالة ثقافية تخدم الثقافة الوطنية باعتبارها جزءا من المشروع الوطني.
ولو دققنا النظر فيما يجرى لوجدنا علاقة بين انكفاء المثقفين على ذواتهم أو الاكتفاء بالإنجاز الفردى باعتباره أسمى ما يمكن تحقيقه فى نظرهم، أو التقوقع داخل شرنقة شعارات الطهرية والمُثل العليا، وبين بؤس المجال الثقافى فى فلسطين.هذا الخلل تجلى فى تغلغل الخلافات السياسية للمجال الثقافى وحدوث حالة استقطاب بين المثقفين ليس على أساس مدارس ومذاهب ثقافية تتنافس وتتصارع على كيفية تطوير وتنمية الثقافية الوطنية أو الإبداع الثقافي، بل تتصارع لجر الثقافة الوطنية وتطويعها لخدمة هذا الحزب أو ذاك، أيضا هناك علاقة بين كل ذلك من جهة والتصدع الخطير الذى أصاب المشروع الوطنى منذ انقلاب حركة حماس يوم 14 يونيو-حزيران.
هناك وجه آخر من أوجه التراجع فى المجال الثقافي، وهو إغلاق أو تقليص نشاط كثير من دور النشر الفلسطينية فى الداخل وفى الخارج، وضآلة المنتوج الثقافى الفلسطينى المبدع، فباستثناء محمود درويش الذى يملك مشروعا ثقافيا شعريا بل أدبيا متكاملا، لا يوجد لدينا مثقفون يحملون مشاريع ثقافية سواء فى القصة والرواية أو فى المسرح و السينما أو فى الآداب عامة، فهناك فرق بين وجود مثقفين يكتبون أو ينتجون أعمالا تنتمى للمجال الثقافي، وبين وجود من يحمل ويملك مشروعا ثقافيا متكاملا.
إن كنا لا نضمن أن نعيد أرضنا ونؤسس دولتنا اليوم أو غدا، فلنعمل على أن نضمن أن يبقى أولادنا فلسطينيين متمسكين بهويتهم ويفتخرون بكل رموز ثقافتهم الوطنية، إن لم نستطع أن نورث أولادنا وطنا حرا مستقلا فلنورثهم ما يضمن أن يؤسسوا هذا الوطنى فى زمانهم، وهى الثقافة والهوية الوطنية المتماسكة، فضياع الثقافة والهوية الوطنية اخطر من احتلال الأرض.
المصدر: جريدة العرب أون لاين
بتاريخ: 26 نوفمبر 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.