وتعاني المرأة البنغالية من واقع شديد التردي، من قبل باقي شرائح المجتمع الذي يتصف بنسب جهل وأمية مرتفعة، إلى جانب تنامي التشدد الإسلامي بشكل متزايد، وتشير الإحصائيات التي أجرتها المنظمات الحقوقية الدولية إلى ارتكاب جرائم صارخة بحق النساء.
فقد أصبحت الشوارع أكثر خطورة بالنسبة للفتيات بسبب تعرضهن للتحرش الجنسي الذي يدفعهن إلى ترك المدرسة وربما الانتحار. وبدأ التحرش الجنسي بالفتيات والنساء في بنجلاديش يتحول إلى ممارسة قاتلة، فقد انتحرت 28 امرأة هذا العام، وحاولت سبع آخريات الانتحار هرباً من التحرش المتكرر، بينما انتحر أب خوفاً من الإهانات الاجتماعية بعد تعرض ابنته للتحرش الجنسي، وفقاً لمنظمة حقوق إنسان مقرها دكا تدعى "عين أو ساليش كندرا".
إغاظة حواء
ويتعرض ما يقرب من 90 بالمائة من الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 10 و18 عاماً لما يعرف محلياً باسم "إغاظة حواء"، حيث يعترض الأولاد الفتيات في الشوارع، ويطلقون صرخات الشتائم ويضحكون عليهن أو يشدون ملابسهن.
وقد تصاعدت "إغاظة حواء" منذ أن بدأت الفتيات والنساء دخول التعليم النظامي بأعداد كبيرة في ثمانينيات القرن الماضي، كما قال بول سوبراتا مالاكار، المسؤول بمنظمة بلان انترناشونال غير الحكومية في دكا.
وفي 16 نوفمبر الماضي، كانت شارمين، وهي طالبة تبلغ من العمر 20 عاماً من دينانجبور عائدة من الكلية عندما أمسك مطارد يدها قسراً وحاول معانقتها، ومنذ ذلك الحين توقفت عن الذهاب إلى الكلية، وفقاً لوالديها. "ولأن وقائع العنف الجنسي تحدث خلال الرحلة إلى المدرسة، فإن الآباء يشعرون بالذعر ويثنون بناتهم عن الذهاب إلى المدرسة".
وفي بلد يضم 1.5 مليون فتاة غير مسجلة في المدارس (من أصل 10.4 مليون فتاة سن المدرسة)، يتجنب عدد غير معروف من البنات المدرسة خوفاً من المضايقات والإذلال اليومي.
وفي بلد تتزوج فيه أكثر من 64 بالمائة من الفتيات قبل سن 18 عاماً، دفعت هذه المشكلة بعض آباء ضحايا إغاظة حواء بناتهن إلى الزواج المبكر "لحماية" شرفهن وسلامتهن. وتدعو عشرت شميم، أستاذة علم الاجتماع في جامعة دكا، إلى مزيد من التحقيق في أسباب زيادة العنف ضد المرأة.
يقول مالاكار من بلان انترناشونال: "في مجتمع يهيمن عليه الذكور، يمكن اعتبار إغاظة حواء كطقس لمرور البنين إلى مرحلة الرجولة".
وتتردد الفتيات في الإبلاغ عن العنف. وكما أفادت إحدى الطالبات والتي تبلغ من العمر 14 عاماً تسكن في العاصمة دكا: "تعتقد الكثير من الفتيات أنهن إذا اشتكين، سيوجه آباؤهن وقادة المجتمع المحلي اللوم إليهن".
فيما كانت آخر كلماتها وهي تلفظ أنفاسها، التأكيد على براءتها، لكنها لم تكن كافية لإنقاذ الصبية ذات ال14 ربيعاً، بعدما انهارت تحت قسوة سياط الجلاد، تنفيذاً لحدٍ نجح "الجاني" في الإفلات منه.
لم تملك أسرة الطفلة، حنة أختر، سوى تنفيذ عقوبة الحد ب101 جلدة، وتنفذ في مكان عام، بموجب فتوى أصدرها إمام مسجد بلدة "شرياتبور"، جريرة إقامتها علاقة آثمة مع رجل متزوج، هو ابن عمها، محبوب خان، بعد أن قام باغتصابها.
وسقطت حنة مضرجة بدمائها وقد تورم جسدها بعد الجلدة السبعين، لتنقل إلى المستشفى لتلفظ أنفاسها بعد أسبوع، وكان الأدهى أن تقرير المستشفى نفى وجود أي جروح في جسد المتوفية، واعتبر الوفاة كانتحار. وأصرت عائلة الضحية على نبش قبرها لإجراء تشريح آخر يشرح للعالم حقيقة ما حدث لحنة.
وتعود وقائع القصة إلى قبل عام، بعدما تغيرت حياة حنة، أصغر إخوتها الخمسة، حيث كانت تعيش في كنف عائلتها الفقيرة، بعد عودة ابن عمها محبوب خان من ماليزيا.
وبدأ خان التحرش بالصبية التي تذهب برفقة ابنه للمدرسة حيث يدرسان معاً في ذات الصف السابع، ورغم شكوى الوالد لكبار رجال القرية، وتغريم خان ألف دولار تدفع كغرامة لعائلة حنة، إلا أن ذلك لم يردعه.
وقالت علياء، شقيقة حنة، إن خان تربص لحنة أثناء خروجها من غرفتها ذات ليلة لقضاء حاجة، وقام بتكميم فمها وضربها واغتصابها، وعندما سمعت زوجته أنات الصغيرة تحت ثقل جسد الزوج، قامت بسحبها إلى داخل بيتها لتكمل ما بدأه الزوج وتوسعها ضرباً..!
وفي اليوم التالي، اجتمع كبار رجال القرية لمناقشة الواقعة، التي وجد إمام المسجد أن كلاً من حنة وخان مذنبان بإقامة علاقة محرمة، والعقوبة هي الجلد حداً، فكان نصيبها 101 جلدة، و201 لل"الجاني."
وتمكن محبوب من الإفلات من العقوبة بعد عدة جلدات، فيما راقبت عائلة حنة السياط تنهش جسدها الصغير لتنهار فاقدة للوعي بعد الجلدة السبعين.
ضحايا العنف المنزلي
وتقدر الأممالمتحدة أن قرابة نصف النساء في بنغلاديش تسقطن ضحايا للعنف المنزلي، وتتعرض العديد منهن للاغتصاب والضرب والإعتداءات بالأحماض وحتى الموت، بسبب نظام الأبوية المترسخ في هذا البلد الآسيوي.
ويواجه الأطباء الذين أصدروا شهادة وفاة حنة المحاكمة بتهمة "تزوير" أسباب الوفاة الحقيقية، علماً بأن إعادة تشريح جثة الصبية كشف أن وفاتها كانت بسبب نزيف داخلي وحمل جسدها علامات جروح بليغة.
وقال والدها، وهو يقود فريق الصحفيين إلى المكان الذي اختطفت فيه ابنته واغتصبت: "لا أرغب بشيء سوى بالعدالة"، أما والدتها فكانت تحملق في الفراغ، وهي تردد بصوت خافت، بينما تستحضر آخر كلمات ابنتها: "كانت بريئة".