صاحبة أول صالون أدبي بالتاريخ سكينة بنت الحسين بهرت عقول الشعراء
لهنّ – شيرين صبحي
مقام السيدة سكينة كانت السيدة سكينة بنت الحسين نموذج فريد للمرأة المسلمة، فهي أول من أقامت صالونا أدبيا في الإسلام ، وقد سبقت بذلك الأديبات الأوروبيات اللاتي ذكرهن التاريخ في مجال الصالونات الأدبية.
تذكر الأديبة منى رجب في كتابها " التاريخ امرأة " أن كوكبة من أعظم شعراء العرب كانوا يحضرون ندواتها يحتكمون إليها فيما ينشدون من أشعار، فتقدم لهم أحكامها الصائبة المبنية على علم غزير وثقافة واسعة، كما كانت تملك من قوة الحجة وسعة الأفق والاطلاع ما تبهر به العقول والقلوب.
ويروى أن الفرزدق بعد أن أدى فريضة الحج استأذن ودخل إلى السيدة سكينة فقالت له " يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال: أنا. فأجابت: أشعر منك جرير إذ يقول:
بنفسي من تجنبه عزيز *** عليّ ومن زيارته لمام ومن أمسى وأصبح لا أراه *** ويطرقني إذا هجع النيام
فقال لها: والله لو أذنت لأسمعك أحسن منه، فخرج ثم عاد إليها مرة أخرى.. فقالت له: يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال: أنا، فأجابته: صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:
لولا الحياء لعادني استعبار *** ولزرت قبرك والحبيب يزار لا يلبث القرناء أن يتفرقوا *** ليل يكر عليهمو ونهار
أما والدة السيدة سكينة فهي الرباب بنت امرئ القيس، وهي من خيار النساء جمالاً وأدباً وعقلاً ، والتي أسلم أبوها في خلافة عمر بن الخطاب، وكان نصرانياً من عرب الشام، فولاه عمر على قومه من قضاعة .
وقد أحبَّ الحسين رضي الله عنه زوجته حباً شديداً ، وكان معجباً بها، وكان يقول فيها الشعر، ومما قاله فيها وفي ابنته سكينة :
لَعَمرِكَ إنَّني لأُحِبُّ دَاراً *** تِحِلُّ بِها سُكينة والربَابُ أُحبُّهُمَا وأبذل جُلَّ مَالِي *** وَليس لِلائِمِي فيها عِتابُ وَلَستُ لَهُم وإن عَتَبُوا مُطِيعاً *** حَياتِي أو يُعَلِّينِي الترَابُ
ولما استُشهد الإمام الحسين في أرض كربلاء حزنت عليه زوجته، حتى أنها أقامت على قبره سنة كاملة ثم انصرفت، ويقال أنها أخذت الرأس الشريف ووضعته في حجرها ، وقبلته وقالت :
نعود إلى السيدة سكينة التي لم يقتصر نشاط صالونها على الشعر فقط، بل امتد ليشمل الموسيقى والغناء أيضا.. ورغم شغفها بالأدب إلا أنها كانت شديدة الاستغراق في التعبد لله تعالى إلى حد أن والدها الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، قال لأحد الخطاب الذين وفدوا إليه طالبا الزواج من إحدى بناته " اخترت لك فاطمة، فهي أكثر شبها بأمي فاطمة الزهراء ؛ أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله ؛ فلا تصلح لرجل ".
وخرجت مع أبيها الحسين إلى العراق، وعمرها آنذاك أربعة عشر عامًا، وعلى بُعد ثلاثة أميال من كربلاء ظهر جيش عدده ألف مقاتل أمر بتجهيزه عبيد اللَّه بن زياد بأمر من يزيد بن معاوية، وكان الحسين قد خرج متوجهًا إلى العراق فى ركب قليل كانت معه ابنته، فجمع أهله وقال لهم: يا أم كلثوم وأنت يا زينب وأنت يا سكينة وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب، إذا أنا قُتلتُ، فلا تشق إحداكن على جيبًا، ولا تخمش وجهًا، ولا تَقُلْ هجرًا. فلما سمعت سكينة هذا الكلام أخذها البكاء.
لما اشتد القتال بين قافلة الحسين التي تجاوزت السبعين بقليل، وبين ذلك الجيش الذي أرسله يزيد بن معاوية، سرعان ما طوق الجيش قافلة الحسين وفتك بها، وفى ذهولٍ وقفت سكينة تنظر إلى البقايا والأشلاء، ثم ألقت بنفسها على ما بقى من جسد أبيها، وفيه 33 طعنة و34 ضربة، وعانقته ولكنهم انتزعوها من فوق جسد أبيها بالقوة، وألحقوها بركب السبايا، فألقت نظرة أخيرة على ساحة القتال المملوءة بجثث الشهداء.
أزواجها
خُطبت سكينة إلى ابن عمها عبد الله بن الحسن فقتل بالطائف قبل أن يتزوجها، فكانت ترفض الزواج بعد هذه الأحداث، ولما جاء مصعب بن الزبير يريد الزواج منها تزوجته – وكان حينها متزوجا من عائشة بنت طلحة - وهو أقرب أزواجها إلى قلبها، والذي شهدت مصرعه حينما شارك في حرب عبد الملك بن مروان. وقد أحست قبل رحيله بدنو أجله، ففي ليلة ذهابه إلى القتال جاء ليودعها فإذا بها تصيح قائلة " واحزناه عليك يا مصعب".
وحين بلغها نبأ وفاته وجاء أهل الكوفة لمواساتها صاحت فيهم: "اللَّه يعلم أنى أبغضكم، قتلتم جدّى عليَّا، وقتلتم أبى الحسين، وزوجي مصعبًا فبأي وجه تلقونني؟ يتمتموني صغيرة، وأرملتُمُونى كبيرة".
وقررت الرحيل من أرض العراق بعد أن أحاطت بها الأحزان من كل جانب، فرحلت إلى المدينةالمنورة وهناك تزوجت عبد اللَّه بن عثمان بن حكيم بن حزام، وأنجبت منه عثمان وحكيم وربيعة. وهناك في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفيت سنة 117ه، بعد أن تجاوزتْ الثمانين من عمرها.