القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    شعبة السيارات تدعو لإعادة التفكير في تطبيق قرار إجبار نقل المعارض    واشنطن بوست: أوروبا تسعى جاهدة للبقاء على وفاق بينما تُقرر أمريكا وروسيا مصير أوكرانيا    تصاعد التوتر بين واشنطن وبيونغ يانغ وسط المناورات المشتركة    مواعيد مباريات الجولة الثانية من دوري أبطال إفريقيا 2025    ستيف بركات يقدم جولة "Néoréalité" العالمية على مسرح دار الأوبرا المصرية    أحمد العوضي يكشف اسم شخصية درة في مسلسل «علي كلاي»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    رئيس التصنيع بالصيادلة: استهلاك مصر من بنج الأسنان يصل إلى 600 ألف عبوة سنويًا    هاني أبو ريدة: لا توجد علاقة بين جهاز حسام حسن وطولان.. ولن أعيد تجربة هؤلاء المدربون    الدوري الأوروبي - أستون فيلا يقتحم منطقة الصدارة.. والمغربي يقود روما للفوز    لحظة مقتل شابين فلسطينيين على يد جنود الاحتلال في الضفة رغم استسلامهما (فيديو)    رئيس شعبة الدواجن: سعر الكيلو في المزرعة بلغ 57 جنيهاً    اليوم، ختام مسابقة كاريكاتونس بالفيوم وإعلان أسماء الفائزين    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    هل تتم الإطاحة بحسام حسن من تدريب المنتخب، هاني أبو ريدة يحسمها ويلمح إلى حالة واحدة    طولان: ثقتي كبيرة في اللاعبين خلال كأس العرب.. والجماهير سيكون لها دورا مع منتخبنا    مادورو: مناورات عسكرية شاملة في فنزويلا.. والتهديدات الموجهة لنا بلا أساس    رد المستشار الألماني على الخارجية الأمريكية بشأن الهجرة    مرشح لرئاسة برشلونة يوضح موقفه من صفقة ضم هاري كيم    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    غلق كلي لشارع الأهرام 3 أشهر لإنشاء محطة مترو المطبعة ضمن الخط الرابع    متحدث مجلس الوزراء: مدارس التكنولوجيا التطبيقية تركز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية    شعبة السيارات: نقل المعارض خارج الكتل السكنية يهدد الصناعة ويرفع الأسعار مجددًا    بين الإبهار الصيني والمشهد الساخر الإيراني... إلى أين تتجه صناعة الروبوتات مؤخرًا؟    رام الله.. إسرائيل تفرج عن طفل أمريكي بعد 9 أشهر من اعتقاله    باختصار..أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ذعر فى شوارع إسرائيل بعد بث شاشات محطات حافلات صوت أبو عبيدة.. بابا الفاتيكان يحذّر من حرب عالمية ثالثة.. وماكرون يفتح باب التجنيد الطوعى للشباب    وصول هالة صدقى للمشاركة فى مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    وزير الثقافة والمحافظ يشهدان ختام الدورة ال18 من ملتقى الأقصر الدولي للتصوير    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    أسباب البرود العاطفي عند الزوجة وكيفية علاجه بحلول واقعية    السنغال تؤكد استقبال الرئيس المنتهية ولايته لغينيا بيساو بعد أيام من الاضطرابات    فضائل يوم الجمعة.. أعمال بسيطة تفتح أبواب المغفرة والبركة    أبو ريدة: ما يتعرض له رمضان صبحي «حاجة تحزن»    أخبار 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لا انتشار لفيروس غامض والمتواجد حاليا تطور للأنفلونزا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. ضبط 10 آلاف لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء    مديرة مدرسة تتهم والدة طالب بالاعتداء عليها فى مدينة 6 أكتوبر    وزارة الصحة توجه تحذير من حقننة البرد السحرية    جامعة أسيوط تعزز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب عبر اجتماع وحدة الأبحاث    هل الصلاة في مساجد تضم أضرحة جائزة أم لا؟ أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الخشوع جوهر الصلاة وروحها ويُحذر من هذه الأمور(فيديو)    قومي حقوق الإنسان يستقبل الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لبحث آفاق التعاون المستقبلي    قفلوا عليها.. سقوط طفلة من الطابق الثاني في مدرسه بالمحلة    الجدول النهائي لبقية مراحل انتخابات مجلس النواب 2025    هيئة الرعاية الصحية تمنح الدكتور محمد نشأت جائزة التميز الإداري خلال ملتقاها السنوي    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    رئيس جامعة بنها : اعتماد 11 برنامجا أكاديميا من هيئة ضمان جودة التعليم    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    وزير الصحة يزور أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 4 عناصر جنائية لغسل 170 مليون جنيه من تجارة المخدرات    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    جولة إعادة مشتعلة بين كبار المرشحين واحتفالات تجتاح القرى والمراكز    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاري بوتر وموت القراءة
نشر في محيط يوم 01 - 08 - 2007


ترجمة: د. علي محمد سليمان
لقد اجتاحت حمى هاري بوتر العالم، بشكل جعل هذا الكتاب ومؤلفته ج ك رولينغ ظاهرتين غير مسبوقتين في عالم الأدب والكتب.
لم يعد مفاجئاً أو حتى مهماً الإشارة إلى عدد النسخ التي طبعت من هذا الكتاب في أجزائه المتتابعة كموجات تكتسح السوق وبيوت ومكتبات الأطفال والبالغين على السواء، فقد تجاوز عدد النسخ الحد الذي يمكن رصده وقراءة دلالاته بشكل واضح.
عشرات الملايين من النسخ بطبعات وبلغات مختلفة ولكن الجديد على صعيد الأرقام، أن الكاتبة وهي تتهيأ لإصدار الجزء السابع من هذا الكتاب، قد أحرزت رقماً قياسياً فيما حققته من مردود مادي من كتابها.
لقد تجاوز ريع مبيع كتابها المليار دولار، وهي بهذا أول من يصبح مليارديراً اعتماداً على الكتابة فقط.
لقد احتل كتاب هاري بوتر حياتي على مدى ثلاث سنوات، حيث كانت قراءته إحدى الواجبات الأبوية تجاه ابنتي ذات العشر أعوام، كنت أقرأ لها هذا الكتاب في تتابع صدور أجزائه، وكم منحتني راحة وشعور بالخلاص، عندما قاطعت قراءتي فجأة وسألتني: هل نحن مضطرون حقاً لقراءة هذا الكتاب؟ ومنذ ذلك السؤال توقفت عن واجب قراءة هاري بوتر وأنا سعيد لهذا.‏
لكني ما زلت أرى حولي حمى هاري بوتر تتفشى ليس بين الأطفال فقط، بل بين البالغين أيضاً، لقد أصبح الكثير من البالغين الناضجين فكرياً ينكبون بنهم على قراءة كتاب ج. ك رولينغ.
وتتوقع إدارة ووتر ستون أحد أكبر مسوقي الكتب في بريطانيا، أن الجزء السابع من هاري بوتر المتوقع صدوره قريباً سيكون مقروءاً من قبل البالغين أكثر من الأطفال، وتأكيداً لهذه التوقعات فقد أصدر الناشر البريطاني لكتاب رولينغ طبعة خاصة بالبالغين.
ما الذي فعله هاري بوتر بثقافتنا؟ هل حقاً أن حمى هذا الكتاب التي اجتاحت العالم هي مؤشر على عودة رومانسية إلى عالم الطفولة، أم أنها عارض خطير من أعراض المراهقة الثقافية، يبدو الأمر مثيراً للقلق أكثر من كونه نزعة رومانسية، إنه بلا ريب مراهقة ثقافية وصلت إلى حد مرضي، إن الناس في الولايات المتحدة الآن لا يقرؤون وكل ما يفعلونه هو التلصص على كتب أطفالهم.
وتشير إحصائيات المركز القومي للفنون إلى أن نصف البالغين لن يقرئوا أية رواية هذا العام، لا أحد سيقرأ ولقد تضاعف هذا التراجع ثلاث مرات خلال العقد الأخير ورغم أن إحصائيات واستطلاعات من هذا النوع أصبحت مألوفة في الفترة الأخيرة، إلا أن الأرقام تبقى مثيرة للصدمة،إنه موت القراءة في ثقافتنا، وليست حمى هاري بوتر إلا من أعراضه ومقدماته.‏
فكيف إذاً يحقق كتاب واحد مثل هاري بوتر ذلك الإنتشار غير المسبوق؟ وكيف يصل عدد قرائه إلى مئات الملايين في عصر تتراجع فيه ثقافة القراءة؟ ربما إغراق العالم بموجة عارمة من الهستيريا التسويقية، لا يساعد في إنجاز أي فعل تأملي مستقل وفردي من النوع الذي تتطلبه العلاقة الجدية بالكتاب وتؤدي إليه.
لقد أصبحت ثقافة القراءة محكومة بتلك الهستيريا الجمعية. فمع صدور كل جزء من كتاب هاري بوتر، يندفع القراء ليس فقط في حركة صاخبة من الحماس والترقب، بل أيضاً في حركة جمعية تتلاشى فيها الفوارق الفردية بين القراء، فيصبحون كائنات متشابهة.
وبفضل تقنيات النشر الحديثة ووسائل الإعلان والتسويق، يمكن لعدة ملايين من البشر شراء جزء من هاري بوتر في يوم واحد، هناك شيء مخيف حول هذا النمط من التزامن والوحدة الجمعية.
إنه شيء لا يمت بصلة إلى تلك المتعة الفريدة في تجربة قراءة رواية أو إلى تلك الفرصة النادرة التي تمنحها القراءة للخروج من علاقة التشابه مع العالم في تجربة حميمية، متفردة وخاصة.
إنه شيء لا يمت بصلة أيضاً إلى تلك العلاقة التي تنشأ بين فردية القارئ وبين صوت الكاتب على مدى ساعات والتي تبحث عن فضاء خاص دون صور أو رموز إعلامية متداولة ودون قصد من رولينغ، أصبحت قراءة هاري بوتر تجربة تشابه في كثير من النواحي العلاقة مع وسائل الإعلام السائدة.
إن تجربة القراءة هذه تتوقع من القارئ أن يتقبل دوره كمستهلك لمادة ثقافية تبث بكثافة، من دون أي تدخل للخصوصية الفردية في اختيارها أو تذوقها، وفي غياب أي معيار أو حساسية تحدد أين وكيف نبحث عن ما نقرأه.
ليس من المفاجئ أن يتجه معظم الناس الذين يريدون قراءة الأدب إلى العناوين القليلة المثبتة في قوائم الكتب الأكثر مبيعاً والتي ينكب الجميع على قراءتها والحديث عنها.
وفي سياق الحديث عن تأثير آليات السوق في عادات وثقافة القراءة، يشير الناقد كريس أندرسون إلى أن آليات التسويق والتوزيع الجديدة ستؤدي إلى كسر الاحتكارات الكبرى في عالم الكتاب، ربما كانت هذه رؤية متفائلة، لكن في الواقع ما زالت الرؤوس الكبرى هي التي تحكم عالم النشر والتوزيع.
ومثل الكائن الخرافي الذي يخيف الطلاب في الجزء الثاني من كتاب رولينغ، يستولي هاري بوتر وعدد قليل من الكتب الأخرى على كامل انتباه وطاقة القراء، حيث يتركهم مستنفذين غير قادرين على قراءة شيء آخر.
وفي سياق تأثير آليات السوق والتوزيع على ثقافة القراءة، نشير إلى دراسة هامة أجراها آلان سورنسون في جامعة ستانفورد. تشير هذه الدراسة إلى أن نسبة 70% من مبيعات الكتب الأدبية عام 1994، تعود إلى خمسة مؤلفين فقط، وفي الحقيقة ليس هناك ما يدعو إلى القول إن المشهد قد تغير.
وكما يقول ألبرت غريكو الباحث في معهد أبحاث النشر: «الناس الذين يقرؤون أدباً يتجهون دائماً إلى الأعمال المشهورة والتي تحتل غالباً قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، والتي تعود إلى مجموعة ثابتة ومتكررة من المؤلفين، وهكذا فإننا نعيش المعادل الأدبي لظاهرة فقدان التعددية الحيوية».
إن مشهد أولئك الناس الذين يتجولون، حاملين رواية من 800 صفحة، يوحي أن ثقافة القراءة بخير في الولايات المتحدة.
لكن المشهد يبدو في جوهره شبيهاً بغابة كثيفة لا تحتوي إلا نوعاً واحداً من الشجر، منذ أن اقتحم هاري بوتر حياتنا منذ عقد مضى، انخفضت عدد الصفحات الخاصة بنقد ومراجعة الكتب في الصحف الكبرى إلى النصف، ما أدى إلى تهميش أصوات نقدية هامة، كانت تساهم في لفت النظر إلى الكثير من الأدباء والأعمال الأدبية الجديدة الهامة.
إن معظم القراء البالغين، الذين أخبروني أنهم يحبون هاري بوتر، لم يحدث أن جربوا قراءة أعمال تضاهيه في الجمالية والحساسية مثل "جوناثان الغريب" لسوزانا كلارك أو "مواده السوداء" لفيليب بولمان.
وماذا عن العديد من الكتب الخيالية الأخرى التي تتمتع بقيمة أدبية تتفوق على كتاب رولينغ والتي تعد القارئ بعوالم لا يحلم هاري بوتر بها؟ ولماذا هاري بوتر وحده يجتاح عالمنا ليجعل من ثقافة القراءة تجربة هستيرية من الاستهلاك الجماعي التي تذوب فيها كل الخصائص الفردية والحميمية لتجربة القراءة الحقيقية المنزهة عن آليات السوق؟ إن ظاهرة هاري بوتر أزالت الفارق الضروري بين القراءة والاستهلاك الإعلامي.
فما الذي يتبقى من تجربة القراءة إذا فقدت فرديتها ومغايرتها للسائد، وتحولت إلى سلوك جمعي تحرضه آليات الدعاية والسوق والإعلام؟ وهل يوحي هذا المشهد بنبوءة قاتمة، هي موت القراءة في ثقافتنا؟ ربما أصبحت قوانين وآليات الاستهلاك الثقافي في عصرنا من التعقيد، بحيث لم يعد بالإمكان التحكم بها بواسطة أدوات الإبداع الفردي التقليدية.
لم تعد تلك الآليات معزولة عن حركة السوق، بل يبدو أنها قد أصبحت جزءاً منه، لا يبدو في كل هذا ما يدعو إلى التفاؤل، لكن من المؤكد أن الأدب الجيد يحمل قيمته في داخله، وليس في أي مكان آخر، إنها أخيراً مسؤولية القارئ في الاختيار وفي ممارسة الحرية في القراءة.
نشرت هذه المقالة في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية 31 - 7 -2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.