لا أكره السياسة لكنني أخاف رجال السياسة. الكتابة الإبداعية والصحافية ليست فعلاً حيادياً علي الإطلاق. وليس هناك كاتب(ة) لايحمل رأياً حول ما يجري في البلاد العربية والعالم، اجتماعيا وسياسياً. فالسياسة تتحكم بالهواء والخبز والسيارة والكمبيوتر والصحيفة والكتاب والعلاقات العامة الثقافية والشخصية. الهواء النظيف لا يمكن للمواطن الحصول عليه إلا إذا وضع السياسيون برامج لحماية البيئة. الكمبيوتر لا يمكن الاستفادة منه إلا اذا قامت الحكومات بوضعه في خدمة الفرد دون كلفة باهظة ودون رقابة وحجب وتوصيات علي الدروب والنوافذ والمواقع. الكتاب لا فائدة منه إن لم نتعلم كيف نقرأ وكيف نجعل محبة الكتاب واردة في برامجنا التعليمية الابتدائية والأكاديمية. بعض القائمين علي الدوائر الثقافية جعلوا بعض الكتاب يكسرون أقلامهم ويذهبون في قتل الموهبة بصمت. بعض السياسيين جعلوا المواطن يكره نفسه وحياته، وما موضة الانتحاريون التي تهدد العالم اليوم إلا بذور سياسات مريبة تعمل تحت ذرائع دينية أو وطنية قومية. ہ ہ ہ يبدو أن العلاقة بين السياسي والمثقف تتقاطع في عدة مسارات اذا نظرنا إلي واقع الثقافة العربية وليس إلي النظريات حول الثقافة والمثقف. السياسي منفّذ لبيانات الحكومة أو مقرّ لها. لديه ايديولوجيا ومنبر سلطوي ورعايا، وهناك أيضاً الخارجون عن وصايته. الحيز الثقافي موزع إلي زعامات لها أتباعها وحواشيها، وعلي الجانب الآخر يقف المثقف الهامشي الخارج عن التبعية والأمين للفعل الثقافي المحض. لن اقول إنّه يكون في حالات كثيرة علي تضاد مع وجهاء ومثقفي السلطة، بل هو طرف اختار أن يحمل الصليب ويذهب صعواداً ونزولاً، بلا زوادة له ولامعيل إلا حبره وقلمه. كلا السلطتان تمارسان الاستلاب والتكريم والتبجيل وفقاً لمصالح وأجندة. الأصوات التابعة يصبح لها وزن إذا لاقت استحسانا من قبل جهة ثقافية ما، ولا تكون دائماً مقدرتها الفنية والإبداعية حكماً. الهامشيون محكومون بإنجاز عمل مضاعف كي يحظوا بشهادة الاعتراف بموهبتهم وصلاحيتهم لثقافة المرحلة وربما يداعبهم الأمل في أن التاريخ غربال وسيحفظ أصواتهم في الأرشيف بعد أن تنتفي المصالح والاعتبارات الخارجة عن الإبداع. ثقافتنا اليوم هرم من السلطات المتوارثة. ہ ہ ہ الاشتباكات بين السلطتين متباينة. هناك حالة المثقف الموالي للسلطة، والمثقف المعارض ليس من حيث الانتماء والتنظيم المؤدلج، وإنما من حيث تبني المثقف فكرة حرية التعبير والرأي كانسان فاعل وغير تابع. السلطة السياسية تخاف من أصوات الأحرار ولا تتواني عن اختراع أساليب لترهيبهم وقمعهم سواء بالسجون أو بالفتاوي أو بالمنع أو بالمصادرة. صوت المثقف الحقيقي لا يطرب حاشية السلطة لهذا يصبح وجوده مضاداً لمصالحها ورغبتها في أن تسود، لذلك يجد المثقف نفسه في خاتمة المطاف صامتاً علي مضض أو ناطقاً ب نصف الكلام أو ربع المأساة. ہ ہ ہ لن أدخل في الحيز التنظيري بل سأنحاز إلي رؤيتي للواقع. باعتقادي أن السلطة السياسة في أغلب البلاد العربية لم تضع قاموس الحريات في النطاق التطبيقي العملي بل بقي كلمة هوائية يتغنون بها في نشرات الأخبار وعلي المنابر. إنها تعيش وتمارس ازدواجية علنية ما بين الخطاب والممارسة. وما زالت بعض الدول تشجب كلياً أو جزئيا بنوداً من لائحة حقوق الإنسان الدولي لأنها تتيح هامشاً للحرية والاختلاف والتباين في الرأي والتحليل. وهذه الازدواجية تفاقمت وامتدت بنسبة كبيرة إلي عمق النفوس والبيوت والشارع الثقافي والشارع العام. فهل نأمل بعد أن يأتي الخلاص علي سواعد الكتّاب! ہ ہ ہ تلتقي السلطتان الثقافية والسياسية حين تجتمع المصالح. أما إذا كان صوت المثقف يعكر صفو السياسي، فتقوم حينها السلطة باستخدام أدواتها لإعادة إحكام القبضة علي الخارجين عن الركب وذلك بممارسة سلطتها القانونية التشريعية فتصدر أحكاما وتشريعات جديدة بما يخدم ديمومتها، إلي جانب تأثيرها الفاعل علي الحالة الاقتصادية والمعيشية للفرد، كأن تحرمه من وظيفة يعتاش منها وتبقيه في ماراثون الركض وراء حاجاته اليومية، أو تمنحه ما يكفي للعيش الرغد، بينما تسدّ في وجهه سبل التواصل المعرفي والثقافي مع العالم الخارجي. ہ ہ ہ المثقف الأمين لحلم الإنسان بغد أفضل ولديه بعض آمال في تحقيق مجتمع يحترم الفرد وملكاته سيدفع ضريبة ما. ولكن هل بامكان المثقف أن يظلم السياسي؟ لا أعتقد ذلك. حين يكون للمثقف رأي ويمارس حريته غي التعبير ويمارس حريته الانتخابية والمدنية كل ما عليه هو أن يدلي بصوته الحر وينتظر النتائج غير المزورة. فالمثقف لا يحمل سلاحاً ولا يقيم سجوناً، بل تسخره السياسة أحياناً في مشاريعها الكبيرة ومعاركها وتجعله في سن ما وتحت ظرف ما أداة طيعة وفردا مغسول الدماغ ينفذ ولا يعترض، إلي أن تأتيه الصحوة يوماً، فيذهب ليقشر سيرة حياته كمن يقشر البصل. ہ ہ ہ ما هو موقع المرأة في هذه الحالات؟ يقودني هذا للقول: وهل حقاً نالت المرأة استقلالها في الرأي وأصبح لها موقفها السياسي الصريح؟ ما نلاحظه في مجتماتنا أن زوجة البعثي يجب أن تكون أو تصبح بعثية، زوجة الشيوعي، شيوعية علي الغالب، ولا أدري إذا كانت زوجة الإرهابي، إرهابية. الاختلاف والتناقض يكون أقل حدة إذا وقع بين الأخوة والأخوات والوالدين، منه بين الزوج والزوجة. فالعيش المشترك وفي إطار تحكمه سلطات هرمية بطريركية لا يستقيم إذا كان أحد الشريكين غير متقبل لفكر الآخر وأعماله. اختلاف وجهات النظر حول الثقافة والسياسة يعمق الشرخ بين الزوجين وقد يؤدي إلي الانفصال أحياناً لأن ذلك ينسحب إلي أبعاد عميقة من شخصية الفرد. وتخفت هذه الإشكالات حين تكتفي المرأة بعملها كربة بيت ومربية أطفال تبتسم لانتصارات زوجها وأفكاره علي الدوام. أتذكر زوجة وزوجاً كانا يتخانقان دوماً حول مسائل من قبيل: هل كان ستالين محقاً في سياسته وقمعه بحجة الدفاع عن الوطن والحزب؟!. وكانا يتجادلان بلا مودة ومرونة، حول قصيدة النثر والتفعيلة والموزون وأيها هو الشعر الخالص والحق والأبدي! الخرائط ناقصة والشمس شحيحة و الغربال ليس مصنوعاً لفصل الحنطة عن البحص. الصمت ليس من ذهب. ہ شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا ** منشور بجريدة "القدس العربي" بتاريخ 4 سبتمبر 2007م