رئيس الوزراء يشارك بالقمة السابعة بين الاتحادين الأفريقى والأوروبى فى أنجولا.. صور    ارتفاع سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 24 نوفمبر 2025    هل تعتبر الزوجة محرمة على زوجها إذا لم يحافظ على الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي تصدر بيانًا لسلسلة جديدة بعنوان "توعية وتواصل"    رئيس الوزراء يؤكد حرص مصر على دعم أنجولا في رئاستها للاتحاد الإفريقي خلال لقائه رئيس جمهورية أنجولا بالقمة السابعة    اتصال هاتفي بين شي وترامب يؤكّد استقرار العلاقات واتجاهها نحو التهدئة    محمد صلاح فى قلب العاصفة.. روني يطالب سلوت بإبعاده عن التشكيل الأساسي    رئيس روسيا ونظيره التركي يبحثان هاتفيًا قضايا التعاون الثنائي والأوضاع الإقليمية    ارتفاع حصيلة القتلى جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في جنوب شرق آسيا إلى 91 شخصا    منتخب الطائرة يفوز على السويحلي الليبي وديا قبل المشاركة في بطولة التحدي بالأردن    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة الأهلي × الشارقة Twitter بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | دوري أبطال آسيا 2025    مدحت شلبي يحضر لنقابة الإعلاميين بشأن شكوى النادي الأهلي ضده    الداخلية تكشف حقيقة فيديو إلقاء زجاجة مشتعلة داخل لجنة انتخابية بالدقهلية    حازم العبيدى: رسائل الرئيس السيسى أحدثت طمأنينة للناخبين    مفتي الجمهورية: الإسلام دين عدل ورحمة وأفعال المتطرفين لا تمت له بِصلة    حنان مطاوع تشارك محمد إمام بطولة الكينج في أول تعاون بينهما    اليوم.. افتتاح الدورة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    بعد أزمته الصحية الأخيرة.. أول ظهور ل تامر حسني رفقة أسماء جلال في عمل فني جديد    محافظ جنوب سيناء يتابع إقبال المواطنين على اللجان الانتخابية بشرم الشيخ    غرفة العمليات المركزية لحزب الإصلاح والنهضة تتابع التصويت بانتخابات مجلس النواب    الحبس 6 أشهر وغرامة 20 ألف جنيه لفادي خفاجة بتهمة سب وقذف مجدي كامل    أحمد المسلماني يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    «بعد ضجة البلوجر سلمى».. نصائح مهمة تحميكي من التشتت وتثبتك على الحجاب    الهلال الأحمر المصري يشارك في تقديم الدعم للناخبين خلال المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    قرار جديد في الزمالك بشأن عقد حسام عبد المجيد    مسلم يفجر مفاجأة ويعلن عودته لطليقته يارا تامر    يسرا ودرة يرقصان على "اللي حبيته ازاني" لحنان أحمد ب "الست لما"    محمد مسعود إدريس من قرطاج المسرحى: المسرح فى صلب كل الأحداث فى تونس    الرئيس التنفيذي لهونج كونج يشكك في جدوى العلاقات مع اليابان بعد النزاع بشأن تايوان    وزير التعليم: التحضير لتوقيع بروتوكولات تعاون مع إيطاليا لإطلاق 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية جديدة    خلال زيارته لوحدة بني عدي.. محافظ بني سويف يوجه بمتابعة رضيعة مصابة بنقص هرمون الغدة الدرقية    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص فى ترعة على طريق دمياط الشرقى بالمنصورة    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فاجتهد ان تكون باب سرور 000!؟    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن:حين يختلط التاريخ بالخطابة الانتخابية.    ضبط 1038 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    إصابة 8 عمال زراعة بتصادم سيارة وتوكوتك ببني سويف    122 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلى    كأس العرب - متى يتحدد منافس مصر الأخير في دور المجموعات    رغم بدء المرحلة الثانية…انتخابات مجلس نواب السيسي تخبط وعشوائية غير مسبوقة والإلغاء هو الحل    المرأة الدمياطية تقود مشهد التغيير في انتخابات مجلس النواب 2025    الداخلية تواصل عقد لقاءات مع طلبة المدارس والجامعات للتوعية بمخاطر تعاطى المواد المخدرة    استقبال 64 طلبًا من المواطنين بالعجوزة عقب الإعلان عن منظومة إحلال واستبدال التوك توك بالمركبات الجديدة    اليوم.. إياب نهائي دوري المرتبط لكرة السلة بين الأهلي والاتحاد    انفجار بركاني هائل في إثيوبيا يثير الذعر، وتحذير من خطر شديد على الدول المجاورة (فيديو)    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بمنتصف التعاملات بضغوط تراجع أسهم قيادية    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل 26 ألف مواطن خلال شهر نوفمبر الجاري    الصحة: لا توصية دولية بإغلاق المدارس بسبب الفيروسات التنفسية لعدم جدواها    كيفو: محبط من الأداء والنتيجة أمام ميلان.. وعلينا التركيز أمام هجمات أتلتيكو مدريد المرتدة    جامعة حلوان تطلق منافسات الألعاب الإلكترونية وسط مشاركة طلابية واسعة وحماس كبير    وزارة الدفاع الروسية: مسيرات روسية تدمر 3 هوائيات اتصالات أوكرانية    د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: الانفصام المؤسسي في المنظمات الأهلية: أزمة حقيقية تعطل الديمقراطية    الوزراء: مصر في المركز 65 عالميًا من بين أفضل 100 دولة والأولى على مستوى دول شمال إفريقيا في بيئة الشركات الناشئة لعام 2025    بيلد: ليفربول قد يفضل بيع كوناتي خلال يناير في هذه الحالة    وزير الصحة يستعرض المنصة الرقمية الموحدة لإدارة المبادرات الرئاسية ودمجها مع «التأمين الشامل»    الرعاية الصحية بجنوب سيناء تتابع خطة التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب    انطلاقة قوية للانتخابات.. الخصوص تحتشد أمام اللجان منذ فتح الأبواب    أدعية المظلوم على الظالم وفضل الدعاء بنصرة المستضعفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالسلام العجيلي.. قنديل آخر انطفأ في ليل العرب
نشر في محيط يوم 30 - 07 - 2007


قنديل آخر انطفأ في ليل العرب
العلم، الأدب، السياسة، والحرب مرافىء للذاكرة ترسو عندها مراكب بحار حفر اسمه في الحياة الأدبية والعامة، هو الأديب والطبيب والوزير، هو المتواضع ولكنه الغني في نفسه وروحه ، جمع بين الأدب والعلم، عمل أيضاً في الطب والسياسة، يعد أحد أهم أعلام القصة والرواية المعاصرين في العالم العربي، هو الأديب الإنسان والقاص والروائي، الذي ينهل في كتابته من عبق التراث، ليجعله ركيزة تعيد الحياة إلى روح تحتضر .

محيط : سميرة سليمان
عبد السلام العجيلي... أديب من نوع متميز، نذر نفسه لخدمة المجتمع والأدب، فجعل من الطب مهنة لرعاية المرضى والحفاظ على أبناء وطنه، ومجالاً للتعبير عن الحسّ الإنساني العارم الذي يملأ قلبه وعقله، وامتلك رهافة الشعور والإحساس التي وجدت في الأدب متنفساً لها، فتعانق الطب والأدب ليصوغا أنشودة الوطن والأمة، وليعبرا عن هموم الأمة وآمالها، ويسهما في النهضة الثقافية والمعرفية، فكان أديب الأطباء وطبيب الأدباء، وعلماً شامخاً من أعلام الفكر والأدب، غيبه الموت عن عالمنا منذ أيام قليلة عن عمر يناهز 88 عاما أنجز خلالها ما يزيد على أربعين مؤلفا في حقول الشعر والقصة القصيرة والرواية والمقالة.
ولد الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي في مدينة الرقة على ضفاف الفرات شمال شرق سوريا عام 1918م. تعلم القراءة في الرقة ودرس في حلب ودمشق حتى تخرج طبيباً من جامعة دمشق عام 1945م .
مثل مدينته في البرلمان السوري عام 1947م ليصبح أصغر نائب في البرلمان. وشارك مع جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948م، وشغل عدداً من المناصب الوزارية (الخارجية الثقافة والإعلام) عام 1962م .
في بداية حياته السياسية التي سارت بموازاة ممارسته للطب وفوزه بالبرلمان مرشحا عن مدينة الرقة استقال من عضوية البرلمان ليلتحق بجيش الإنقاذ طبيبا وذلك في عام 1948 دفاعا عن الحق العربي في فلسطين .. فيمضي إلى حرب فلسطين طبيباً ومقاتلاً، فهو لا يعرف الفصل بينهما، ولا يقوى على التفريق بين واجبه الوطني وواجبه الإنساني. فنداء فلسطين كان يدوّم في دخيلة عبد السلام العجيلي منذ تعالت أصداء ثورة 1936، حينها سافر لأول مرة إلى دمشق دون علم أهله، وهو الطالب الذي نال لتوّه الشهادة الثانوية (البكالوريا) معتقداً أنه استوفى العلم، أما غاية السفر فقد كانت التطوع في صفوف الثوار ومنذ ذلك الحين لم يغادر نداء فلسطين عبد السلام العجيلي. وتحت عنوان (مجاهدون) كتب العجيلي شعرا يخاطب بها أمه لدى التحاقه بالمجاهدين في فلسطين :

ودعتُ أمي حين جُزتُ المنحنى
إن قدَّر الله ولم أرجع هنا
أماهُ لا تبكي عليَّ فها أنا
قد صُنت أميّ الأرض من كيد العدا
لبيك يا داعي الفدا

وقد تحدث عن تجربته في فلسطين قائلا " لقد أتاح لي تطوعي في هذه الحملة تجربة فذة، ومعرفة غنية سواء من الناحية الشخصية، أو من الناحية العامة، لقد اكتشفت من خلال هذه الفترة التي قضيتها في فلسطين في ميدان المعارك إذا صح لي أن أسميها هكذا، أشياء كثيرة عن سير أمورنا وعن خصائص شعبنا وعن أقدار رجالنا.."
يذكر العجيلي أن أول ما احتفظت به ذاكرته من صور في طفولته كانت صورة جسم لامع، فضي اللون ، يرتسم على صفحة سماء خفيفة الزرقة ويسير على تلك الصفحة بخط مستقيم وبحركة تبدو ثم منظر قطع صغيرة، مستطيلة، تتساقط من ذلك الجسم اللامع عرف فيما بعد أنها طائرة حربية وأن تلك القطع المتساقطة قنابل مهلكة كانت الطائرة تلقيها على مواقع متفرقة من البلدة، موضحا أنها " احدي طائرات جيش فرنسا الذي غزا بلادنا واحتلها باسم الانتداب بعدما غدر الحلفاء بالعرب وتقاسموا بلادهم ".
ثم كبر الطفل وانتقل إلي المدرسة التي كانت بالنسبة له كما يصفها "عالمي المفضل والجميل"، ليروي بعد ذلك العجيلي كيف أقعده مرضا ألم به عن المدرسة مدة ثلاثة أعوام، ليصارحه والده بعد ذلك برغبته في ترك المدرسة ليساعده في إدارة أملاكه.
"كان ذلك مصيرا قاسيا" هذا عبر العجيلي عن إحساسه آنذاك ولكنه استدرك ليوضح أن " هذه الأعوام الثلاثة المتتابعة كانت ضرورية لنضج تفكيري كما أنها ألحقتني بمدرسة من نوع آخر، رحت أتلقى المعرفة فيها لا من أفواه المعلمين أو من صفحات الكتب، بل من مخالطة الناس وممارسة الحياة والتعامل المباشر مع أمورها".
وكانت قصيدة نظمها العجيلي لافتتاح عرض مسرحي مدرسي لأصدقائه هي بداية الطريق لظهور موهبته، والتي جعلت المحيطين بوالده يطالبونه بإعادته إلي المدرسة مرة أخري . داوم العجيلي في مدرسته الثانوية علي نظم الشعر الذي كان في البداية أداته للسخرية والمزاح كما يذكر قائلا : " كنت أسخر فيه من رفاقي وأرسم به صوراً ضاحكة لأساتذتي، وأحيانا أنظم به نظريات الهندسة ودروس الكيمياء في أراجيز ساخرة على طريقة ألفية ابن مالك" موضحا أن تعلقه الحقيقي كان بالفيزياء والرياضيات.
"العلم ، والأدب، والعمل العام " مهام رئيسية ثلاث حملها العجيلي معه من مرحلة الدراسة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، ثم إلى جميع مراحل حياته التالية بعد ذلك .
مؤلفاته الأولى توقع بأسماء مستعارة
بدأ العجيلي الكتابة بأسماء مستعارة منذ ثلاثينات القرن الماضي ويرجع ذلك لانطوائه علي نفسه وحياءه المفرط الذي جعله يتهيب من كل إشارة تميزه عن الآخرين، ونشر له كتابات أدبية كثيرة في عدد من الدوريات المشهورة في ذلك الزمن ، مثل مجلة "الحديث" في حلب و "المكشوف" في بيروت
وهي دوريات كانت تحفل بما يكتبه أساطين الفكر والثقافة ويطمح الكثيرون إلى أن تظهر أسماؤهم فيها، أما العجيلي فكان قانعا أن يجاور إنتاجه الأدبي في تلك الدوريات إنتاج المشاهير، وبأن يلقى الإعجاب من القراء دون أن يعرف أحد، إلا الندرة من أصحابه، بأنه كاتب تلك القصص أو المسرحيات أو ناظم تلك القصائد ، واستمر ذلك حتي 1948حيث أصدر أولى مجموعاته القصصية بعنوان ( بنت الساحرة )، وفي هذا العام نظم مع عدد من الظرفاء والكتاب «عصبة الساخرين» من بينهم سعيد الجزائري وعبد الغني العطري، وكان العجيلي من اقترح للعصبة اسمها. كما كتب الشعر والقصة والرواية والمقالة، ومن مؤلفاته الشعرية ديوان الليالي والنجوم، وكتب المقامات.
هذا وقد كتب أيضا في القصة القصيرة: ساعة الملازم، الحب والنفس، الخائن، قناديل أشبيلية، بنت الساحرة، رصيف العذراء السوداء، فارس مدينة القنيطرة، الخيل والنساء، مجهولة على الطريق، موت الحبيبة، الحب الحزين، عيادة في الريف، وفي مجال الرواية كتب: باسمة بين الدموع، قلوب على الأسلاك، أزاهير تشرين المدماة، ألوان الحب الثلاثة (بالاشتراك مع أنور قصيباتي)، حب أول حب أخير سعاد وسعيد، أرض السياد، أجملهن، حمى الطبيب، قطرات دم، جيش الإنقاذ .

كما كانت له إسهامات في أدب الرحلات نذكر منها: حكايات من الرحلات، دعوة إلى السفر، خواطر مسافر، وفي المقالات كتب: في كل واد عصا، فصول أبي البهاء، ادفع بالتي هي أحسن، جيل الدربكة، أشياء شخصية، وغيرها من المؤلفات الأخرى التي شملت نواحي سياسية، ومحاضرات، وغيرها من الكتب الأخرى التي جمع فيها حصيلة ما عاشه وما رآه حيث جاءت هذه الكتب لتلخص تجربته في الحياة والسياسة والطب.
ويعد أدب العجيلي سجلاً حافلاً لتحولات البيئة والمجتمع ، وتغيرات الأفكار والمفاهيم في زمنه من رؤى الماضي إلى استشراف المستقبل .‏رصد العجيلي في كتاباته نثريات الحياة اليومية والمعاشية والسلوكية، ومن ثم سبر أغوار عوالمها في الزمان والمكان، وهو في الوقت نفسه منخرطا في الشأن العام كنائب في البرلمان في عام1947، ومقاتل في حرب فلسطين 1948 ووزير للإعلام 1962م .
ومنذ الهزيمة القومية الوحدوية 1958 التي انهزم معها المجتمعان المدنيان السوري والمصري ومرارة الخيبة والإحباط تسكن أدبه كما في روايته (قلوب على الأسلاك)، ولذا ظلت أسئلة العجيلي هي أسئلة الزمن الليبرالي الذي استشعر غربته وغرابته خلال حقبة أربعين سنة.
هذا وقد حظي إنتاجه بالثناء والتقدير، وترجمت معظم أعماله إلى بعض اللغات الأجنبية مثل: الإنجليزية ، والفرنسية ، والإيطالية ، والأسبانية ، والروسية .. .. وتقديراً لعطائه الثر وتاريخه الطويل، قُلّد مؤخراً في حفل كبير وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة ..
رغم خمسة وأربعبن كتاب..الأدب هواية
"علاقتي بالأدب علاقة هواية" هذه الجملة كانت الشعار الذي يرفعه العجيلي دائما فما من حوار أو ملتقي فكري أو أدبي إلا ويؤكد الأديب السوري علي هذه الجملة ذاكرا "أن إنتاجي كأديب، قد ترجم إلى لغات متعددة، لا ينفي صفة
الهواية عني، ذلك لأني لست أنا الذي سعى إلى جعل اسمي وإنتاجي معروفين في الأوساط الأدبية، العربية منها والأجنبية، لأكون مسئولا عن حشر نفسي في عداد محترفي الأدب، بل إني طالما كتبت بأسماء مستعارة، وطالما تهربت من الانضمام إلى التجمعات الأدبية، وطالما أنكرت على نفسي الصفة الأدبية، بغرض الاحتفاظ بصفتي كهاو"
حيث دأب العجيلي علي أن يتعامل مع الأدب كهواية ممتعة وسامية في آن واحد يمارسها في غير عناء وفي قليل من الجد، ولكنه كان يستشهد في ذلك بقول الشاعر القديم :" صار جدا ما لهونا به رب جد جره اللعب! "

وتتلخص فلسفته كأديب كما عبر عنها في: (أنا كإنسان مؤمن حائر بين أمرين ، أو على الأصح مدرك لأمرين : ضآلة شأني كمخلوق بشري في الوجود ليس إلا ذرة على كوكب هو تابع لشمس تابعة لمجموعة سديمية نعلم بعقلنا القاصر أن الكون المدرَك من قبلنا يحتوي ملايين مثلها ، والأمر الثاني هو كبريائي كإنسان والذي يدفعني إلى الكفاح وبذل كل جهد في سبيل غايات سامية،إن إدراكي لهذين الأمرين يعد الفكرة الشاملة التي ينبعث منها موقفي كأديب في هذه الحياة).
كاتب لا تعنيه التابوهات
كان دائما ما يوجه له النقد بشأن ابتعاده في كتاباته عن تجاوز التابوهات الثلاثة المحرمة وأن عليه أن يكون سياسيا مشاكسا وحسب ولكنه كان يرد قائلا " السياسة في الأدب مسئولية وموقف وليست معارضة للنظام السياسي في كل الظروف والأحوال" كما أنه كان لا يعنيه التعرض الدقيق لعلاقة المرأة بالرجل فكل ما كان يعنيه في هذه العلاقة كما يقول " هو إطارها الاجتماعي والإنساني أما التفاصيل فأنا أتركها لخيال القارئ".
وفي قصيدة أنا في انتظارك يخاطب العجيلي حبيبته قائلا :

أنا في انتظارك يا حبيبي والوردُ
ولهى تسائلني حبيبكِ هل يعودُ
هذا شبابي منك أذوته الوعود
فارحم شباب الورد من حرقات نارك
أنا في انتظارك قد ملأتُ بك الدنُى
وفرشتُ دربك بالزهور وبالجنا
فرغت كؤوسُ القوم إلا كأسنا
وغفا الندامى كلّهم إلا أنا

أما عن الدين فكان العجيلي دائما ما يحلم بكتابة عمل يتناول حقيقة إيمان الفرد بحرية دون قيود تصادره أو تعترض مساره. وكان أهم ما يميز العجيلي كتاباته التاريخية التي كانت مقولة جمال عبد الناصر "أن الشعوب والأمم أشد حاجة في أزماتها إلي التاريخ" منطلقا لها موضحا أننا بحاجة دائما إلي من يذكرنا بأيام القيم والنضال والعشق الرومانسي الراقي، أو كما يقول " إننا نبحث عن الأصالة في تاريخنا لمواجهة موجة الابتذال"
ويعد الدكتور العجيلي قامة من القامات العالية في ثقافتنا العربية المعاصرة، ولم يكن نيله وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة من لدن السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية عام 2004 إلا تقديراً منه لهذه الشخصية المتميزة صدقاً وعطاءً، والتزاما ووفاءً.
كان العجيلي كثيرا ما يعزف علي أوجاع الأمة العربية أنغامه الحزينة، وكان لا يلبث أن يردد كفانا شعارات ديموقراطية لا تسمن ولا تغني من جوع، كما كانت كتاباته تعكس حزنه الشديد علي ما آل إليه مصير بغداد... ولكنه مع ذلك كان رافضا أن يصب العرب كل غضبهم على العدوان وحده، لأن ذلك سيكون قصور نظر، ونقص إدراك وجهل.
وهي الأمور التي من الممكن أن نستعيض عنها بالعودة قليلا إلى الوراء لنتبين العوامل التي أدت بنا بأن نكون ضحايا هذا العدوان وفريسته، واستطاع العجيلي أن يكسب احترام الكثيرين, ليس في سوريا فحسب بل وفي البلاد العربية والأجنبية أيضاً؛ وبقي طموحه, تأدية واجبه بقدر الإمكان, فقدم الكثير قولاً وعملاً، وعلى عكس الكثيرين, لم تشكل المظاهر والمناصب والجوائز سوى أشياء لا لزوم لها, كانت بالنسبة إليه .

قبض الريح وباطل الأباطيل
لِمن القبابُ تروعُ والأسوارُ
وزخارفٌ حارتْ بها الأبصارُ
لا حَيَّ في حبّ المنيّةِ والردى
إلاّ الصخورُ تئِنُّ، والأحجارُ
قفراء والأشباح ملء دروبها
ومن الفجيعةِ جحفلٌ جرّارُ
تحبو الحياةُ مروعةً في جنبها
وتدِبُّ في عرصاتها الأفكارُ
لما مشينا والحياةُ بظلِّها
نفضت مراقد بومها الأوكارُ
وتململ الأمواتُ في أجداثهم
لما علا من صخبنا إعصارُ
يا موتُ لا تُغْضِبْكَ منّا خَلَّةٌ
ركضت بأيدي خيلنا الأقدارُ
نبكي، ونضحكُ، والحياة وأهلها
كلٌّ إليكِ مردُّهُ والدارُ

هكذا كان العجيلي العمل لديه شيء مقدس يعلو ولا يعلى عليه، واستطاع بفضل ما أوتي من همة ونشاط، وما أوتي من رغبة في إعطاء الأشياء حقها أن يوفق بين مهنتين اثنتين، تتطلب كل واحدة منهما وقتاً تضيق به ساعات اليوم الواحد، فهو في عيادته طبيب وخارج الطب، في الحقل الأدبي، في سوريا وفي الوطن العربي، وفي العالم أديبٌ له حضوره المميز واللافت، كذلك فإنه لا يدع واجباً دون تأديته على أكمل وجه في مدينته الرقة التي أحبته رجلاً متواضعاً أصيلاً من منبت طيب، من دون أن يؤثر أداؤه لواجبَه على اهتماماته الأخرى .
قالوا في حب عبد السلام العجيلي
البروفسور جاك بيرك مستشرق فرنسي : "وقد كانت القدرة على تكثيف العقدة الدرامية هي ما أثّر في نفسي، منذ أول نصوص نشرها هذا الإنسان الذي أسهم في معارك جيله بدون أوهام ولكن ليس بدون التزام".
نزار قباني : "أروع بدوي عرفته المدينة، وأروع حضري عرفته الصحراء".
يوسف إدريس : " رائد القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث".
البروفيسور جان جولميه مستشرق فرنسي : " غوته وستاندال وفلوبير، أسماء أعلام في الأدب مشهورة وعبد السلام العجيلي يستحق أن يشبه بأساتذة فن الرواية الكلاسيكي هؤلاء، وأنا قادر بسهولة على إقامة البرهان على صحة ذلك، لو كنت أملك الزمان والمكان اللازمين."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.