أزمات الولاياتالمتحدة وتحدياتها الراهنة عبد الله علي العليان تواجه الولاياتالمتحدة تحديات عديدة بعد حربها على أفغانستان والعراق، وأصبحت الإدارة الحالية تواجه انتقادات شديدة في داخل أمريكا وخارجها بسبب الاندفاع العسكري غير المدروس بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول 2001. وعلى الرغم من أن العراق لم يثبت ارتباطه ب “القاعدة" التي تبنت التفجيرات، فقد شنت أمريكا حربها على العراق واحتلته وأسقطت نظام صدام . ولم تثبت التهمة الأخرى أيضاً بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، كما تواجه الولاياتالمتحدة مآزق أخرى في الجانب الاقتصادي وقضايا عديدة في بنية النظام الدولي والتحولات الهائلة في القطبية العالمية وبروز الصين واليابان وألمانيا والهند وغيرها من الدول الصاعدة كقوى مؤثرة في الجانب الصناعي والتكنولوجي . ويرى الكاتب فنسان الغرّيب في كتابه الصادر حديثا (مأزق الإمبراطورية الأمريكية): لقد فرضت سلسلة من الأحداث التي تلاحقت منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بدءا بانهيار المعسكر الشيوعي وحرب الخليج الثانية، وانتهاء بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 والحرب على أفغانستان والعراق، إعادة طرح العديد من التحاليل ذات الصلة بالتحولات التي تطبع عالمنا المعاصر، ويأتي في مقدمة هذه التحاليل تحليل الهيمنة في النظام الدولي وإسقاطاته على “الحالة الأمريكية" باعتبار أن الولاياتالمتحدة هي القوة الاقتصادية والعسكرية “الأولى" في العالم التي تسعى ل “فرض" سيطرتها ب “القوة" وبشكل “أحادي" متجاوزة قواعد القانون الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف التي كانت الولاياتالمتحدة من أهم مؤسسيها . وفي ما خص هذه الحالة التي تتميز بمحاولة النخب الحاكمة الأمريكية إدامة وتقوية وضعها المهيمن على الصعيد العالمي، تثار جملة من التساؤلات حول مدى وحدود الهيمنة التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة، فحديث السبعينات من القرن الماضي عن تراجع الولاياتالمتحدة وأفول هيمنتها تلاه حديث الثمانينات والتسعينات عن عودتها الكبيرة إثر “الفورة" التي شهدها الاقتصاد الأمريكي خلال هذه الفترة الأخيرة. لذلك كان لا بد من أن نستوضح الأمر حتى يتبين لنا أي من هذين الاتجاهين يعبّر عن واقع الحال في ضوء المتغيرات الاقتصادية والعسكرية المستجدة عالميا. إن الولاياتالمتحدة كما يقول الكاتب،تعاني منذ سنوات مشكلة اقتصادية وعجزاً في ميزانها التجاري في مبادلاتها مع الخارج، جراء نسبة الاستهلاك العالية من مواد أولية وسلع مستوردة من الخارج . والقادة الأمريكيون أصبحوا مدركين لهذا الواقع، أي ل “تبعية" اقتصادهم للاقتصاد والأسواق العالمية (خاصة لناحية ضخ الرساميل الأجنبية بشكل هائل في الأسواق الأمريكية) . والحلم الأمريكي في إنشاء إمبراطورية أمريكية تمتد مساحتها وسلطتها إلى أرجاء العالم كافة يصطدم بدوره بهذا التحدي الناتج من عجز الاقتصاد الأمريكي عن مجابهة التحديات العالمية والأزمات الداخلية التي تواجهه . إن الإشكالية الأساسية في هذا الشأن تقوم على محاولة رصد العلاقة القائمة ما بين هذا المعطى الاقتصادي الأساسي (المأزق الاقتصادي) ودخول الاقتصاد العالمي ومركزه الاقتصاد الأمريكي ومرحلة الأزمة والركود وما بين اعتماد سياسة خارجية توسعية تهدف إلى تجاوز هذا المأزق بما يتعارض مع المسار الموضوعي للتاريخ لناحية استحالة تجاوز القواعد والقوانين الاقتصادية من خلال استخدام الأداة العسكرية في محاولة لحل معضلة اقتصادية، مع الزيادة في الإنفاق العسكري والدفاع والأمن واعتماد الإدارة الأمريكية على ذراعها العسكرية من خلال الوجود العسكري المباشر والتقليدي في المناطق الغنية بالمواد الأولية، وأهمها النفط، وحيث توجد الأسواق، وأيضا في المواقع الجيوستراتيجية، وخاصة منطقة (الشرق الأوسط الموسع) بحيث تحافظ على مناطق نفوذها، محاصرة بذلك القوى التقليدية الأخرى أوروبا، روسيا، الصين، واليابان التي قد تشكل تهديدا لمصالحها ول (موقعها الأحادي)، ولتفردها بقيادة العالم . إن السؤال المطروح بقوة هو: كيف يستطيع الرئيس الجديد القادم إلى البيت الأبيض إخراج الولاياتالمتحدة من هذا المأزق الكبير الواقعة فيه، والناشئ أساساً عن مشكلات اقتصادية بنيوية، وعن تراجع بدأ منذ عقود، وليس منذ سنوات قليلة، والذي لم تكن سياسات بوش الابن ومحافظيه الجدد سوى ردة فعل عليه، والذي فشل المحافظون الجدد في إخراج بلادهم منه. لذلك، فإن هوية الرئيس الجديد لن تغير من واقع الأمر شيئاً اللهم إلا تغيير طريقة التعاطي مع المشكلات المطروحة، مع يقيننا أنه من الصعب جداً، لا بل من المستبعد الخروج منها. كما أن تورط الولاياتالمتحدة في حروب خارجية قد زاد من حدة هذا المأزق الكبير، وأن الخروج التدريجي للولايات المتحدة من العالم نحو عزلة متنامية لن يأتي بنتائج إيجابية كبيرة، بل سيزيد من جنوح النظام الدولي نحو نظام بعيد عن “الأحادية القطبية" باتجاه نظام جديد ينحو باتجاه “التعددية القطبية"، وهو ما ينزع صفة “القوة الأحادية المهيمنة" على الولاياتالمتحدةالأمريكية. الولاياتالمتحدة الآن في ظل المنافسة الانتخابية تتنازع التوجهات المقبلة التي سيطرحها الرئيس المقبل، سواء في الانكفاء على الوضع الداخلي وقضاياه الكثيرة، أو الاستمرار في سياسة التحرك السياسي والعسكري خارج الولاياتالمتحدة، لكن التوقع أن يكون هناك سياسة جديدة محورها التعاطي بايجابية مع التحديات والتوترات والنزاعات الإقليمية والدولية، والنظر إلى القضايا بصورة أكثر هدوءا لتفادي ما نتج عن الحرب على أفغانستان والعراق. عن صحيفة الخليج الاماراتية 26/6/2008