هل العرب مستعدون لدخول أوباما البيت الأبيض؟ رغيد الصلح بعد الخطاب الذي ألقاه باراك أوباما في 12 حزيران (يونيو) الحالي امام اللجنة الاميركية - الاسرائيلية للشؤون العامة (ايباك)، بذل عاملون في حملته الانتخابية بعض الجهد - لا الكثير منه - للتخفيف من وقعه وآثاره. القليل من هذا الجهد ذهب الى تهدئة مخاوف وقلق العرب الاميركيين المتعاطفين مع اوباما، إذ ان الخطاب ذهب بنصيب وافر من الآمال التي علقوها على المرشح الرئاسي الشاب. ازاء هذه المخاوف والانتقادات، قال مدبرو حملة اوباما انه من الخطأ ان يقف المرء مطولا امام الوعود الانتخابية وان يدقق فيها اكثر من اللازم. وقال هؤلاء ايضاً انه من تقاليد السياسة الاميركية والانتخابية ان يدلي المرشحون الرئاسيون بمثل هذه الوعود ابان الحملة الانتخابية، ولكن ما من احد يتوقع ان يتقيدوا بها بصورة كاملة. ولعل في هذه التوضيحات بعض الصواب لولا انها تتعلق باللوبي الصهيوني وبباراك اوباما. فاللوبي برع في الزام المرشحين الاميركيين بتنفيذ كل ما تعهدوا به خلال الانتخابات بصورة كاملة. وأوباما يسعى الى ترسيخ مصداقيته وإلى اقناع الاميركيين بأنه بريء من خطايا السياسيين ومنها الاخلال بالالتزامات والوعود. الأمران يدعوان العرب الى احترام "صدق" باراك اوباما في كل او جل ما قاله امام "ايباك"، ومن ثم الى التساؤل عما اذا كانوا جاهزين وقادرين على التأقلم مع دخوله المتوقع الى البيت الابيض، وخروج جورج بوش منه. لبث عالم جورج بوش منذ ان ولج البيت الابيض عالماً "مواتياً" للعرب. صحيح ان بوش يستحق كأس البطولة في مباريات "الآرابوفوبيا" التي نشهدها بعض الدول الاطلسية. صحيح انه دمر العراق ومعه اكبر قوة عسكرية عربية واهم اقتصاد عربي. صحيح انه منحاز كليا الى اسرائيل بحيث يصح القول فيه انه اكثر اسرائيلية من الاسرائيليين (انظر موقفه تجاه حرب لبنان والمفاوضات السورية - الاسرائيلية). كل ذلك صحيح. ولكن مشكلة جورج بوش الكبرى لم تكن مع العرب بل هي مع الولاياتالمتحدة نفسها. هذه المشكلة يكتشفها الاميركيون كل يوم ويعبرون عنها من خلال استطلاعات الرأي التي تمنح بوش ادنى مستويات التأييد في تاريخ الرؤساء الاميركيين. في كتاب "القاسي وغير المألوف" الذي يحلل واقع ادارة بوش، يقول مارك كريسبن ميلر "ان عدد الجرائم التي ارتكبتها ادارة بوش هو كبير جدا الى درجة انه من الصعب على المرء ان يتتبعها، ومن الاصعب ان يدقق فيها والاكثر صعوبة ان يعاقبها على ما ارتكبته منها". ثم يضيف الكاتب: "... علينا اذن، عندما نعرض لواقع ادارة بوش الا نبدأ من رصد هذه السقطات او تلك، بل من الاقتناع بأننا بتنا محرومين من حقوقنا، وان تراثنا الوطني قد دنس، وان ديموقراطيتنا باتت في خطر". هذا النوع من الانتقاد لا يوجد في كتاب نقاد بوش فحسب، ولم يأت على ألسنة معارضيه من الديموقراطيين والليبراليين من دون غيرهم، بل تكرر تقريباً، بصورة او بأخرى، في اقوال كل واحد من المسؤولين الاميركيين السابقين الذين غادروا سفينة ادارته الغارقة. ففي مذكرات سكوت ماكليلان، يقول الناطق السابق باسم الرئيس الاميركي، ان البيت الابيض كان يعلم ان حرب العراق ستكون كارثة استراتيجية، ولكنه اعتبر ان الطريق الافضل للتعامل مع المسألة العراقية هو "الابتعاد عن الجرأة والامانة". تعليقاً على ما جاء في كتاب المسؤول الاميركي السابق، قالت صحيفة "الهيرالد تريبيون الدولية" (03/05/08) ان الاميركيين لا يعرفون حتى الآن الى أي مدى ذهبت ادارة بوش - تشيني في الاعتماد على ثقافة الخداع في سعيها الى جر الولاياتالمتحدة الى الحرب. عندما يقارن الاميركيون بين ما فعله ريتشارد نيكسون عندما حاول التستر على ارتكاباته في "ووترغيت"، وعندما يقارنون ما فعله بيل كلينتون عندما سعى الى التستر على خفايا "مونيكا غيت"، هذا من جهة، وبين ما فعله ويفعله جورج بوش من تضليل يومي وخداع مذهل من جهة اخرى، فسوف يكتشفون ان الرئيسين الاميركيين السابقين هما بالمقارنة مع بوش اقرب الى مثال "الأم تريزا". واذا اضيف الى ذلك ان العديد من الدروس والبحوث التي اجريت على شخصية بوش وعلى قدراته العقلية تدل على انه يستحق علامات عالية على الغفلة والجهل لتيقنا من ان مشكلته الرئيسية هي داخل الولاياتالمتحدة وليست خارجها. مع هكذا رئيس، لم يكن مستحيلاً اقناع قسم كبير من الاميركيين ولا اقناع العالم بأن سياسة ادارة بوش تجاه المنطقة العربية كانت سياسة خاطئة وخطرة على الامن الدولي. ومع رئيس تحيط به ثلة من صقور المحافظين الجدد لا تنفك تعد العالم "بامبريالية اميركية جديدة" كما يفعل روبرت كيغان وويليام كرستول، لم يكن من الصعب اقناع العالم بأن بوش وصحبه يمثلون خطراً على الانسانية وليس على العرب وحدهم. اقتنع العالم بذلك رغم اننا لم نبذل الا الجهد الاقل من اجل الوصول الى هذه الغاية. من هنا يمكن القول ان عالم جورج بوش كان "مواتياً للعرب". ولكن هل يمكن القول إن عالم باراك اوباما سوف يكون سهلاً على العرب كما كان العالم البوشي؟ معطيات عديدة، وليس خطابه امام "ايباك" وحده، ترجح ان يكون عالم باراك اوباما، اذا دخل البيت الابيض، اصعب على العرب من عالم جورج بوش. فبين اركان اوباما من يقف مواقف تهدد المصالح الاستراتيجية العربية مثل ريتشارد هولبروك وسوزان رايس، اما من يعتبر منصفا بحق العرب مثل روبرت مالي، فقد اضطر الى الابتعاد عن حملة اوباما. الأهم من ذلك هو المتغيرات البعيدة المدى التي يمثلها صعود اوباما في السياسة الاميركية. على هذا الصعيد يقول بول كروغمان (هيرالد تريبيون 10/06/08) ان اوباما ليس بطل التغيير بل ابنه. فالتغيير بدأ قبل ولوج اوباما الحلبة السياسية. ولقد شهد الاميركيون محطة مهمة من محطاته عندما رشح السناتور الافريقي - الاميركي جيسي جاكسون نفسه في مطلع الثمانينات لرئاسة الجمهورية الاميركية، ودعا في خطاب مهم عام 1984 الى بناء "تحالف قوس قزح"، يضم الليبراليين الاميركيين - ومنهم يهود كثر رمزهم الكبير نعوم تشومسكي- والفئات الاثنية الاميركية المهمشة مثل الافارقة الاميركيين، والاميركيين الوافدين من اميركا اللاتينية، والاميركيين الآسيويين، وأخيراً لا آخرا العرب. والغرض من ذلك التحالف كان ان يدخل جاكسون الى البيت الابيض فتدخل معه آمال المهمشين والمقصيين، ومنهم العرب، الى مواقع القرار والحكم في واشنطن فتتغير سياستها تجاه الصراع العربي - الاسرائيلي وتصبح اقرب الى مبادئ العدالة والحق. ظاهرة جيسي جاكسون القت ضوءاً في وقتها على التغيير الذي بدأ يطرأ على المجتمع الاميركي. وكان من أبرز وأهم معالم ذلك التغيير انتقال قسم كبير من الاميركيين الافارقة من ضواحي السياسة الاميركية واطرافها الى المركز والقلب منها، ومن الطبقات المسحوقة الى الطبقة المتوسطة. ومع هذا التغيير، بدأ بعض الاميركيين من اصول افريقية مثل كولن باول وكوندوليزا رايس يطرقون باب المناصب العليا في الادارة الاميركية. الفرق الاساسي بين ما يمثله هؤلاء وما يمثله اوباما هو انهم جاءوا الى هذه المناصب بقرار من "اصحابها" - أي اصحاب السلطة من الاميركيين الاوروبيي الاصل. اما اوباما فانه يصعد الى اعلى السلطة نتيجة خيار شخصي وليس لأن هذا الرئيس او ذاك استنسب اسناد منصب اليه. اكثر من ذلك ان صعود اوباما لا يمثل قراراً ذاتياً و "اوبامياً" فحسب، ولن يكون مجرد نجاح شخصي له، وانما سوف يكون، كما يلخصه فرانك ريتش في "هيرالد تريبيون" مساهمة كبرى في نقل المجتمع والنظام الاميركي من عهود الاقصاء والتهميش الى عهود الاندماج الديموقراطي. ولكن هل هذا صحيح؟ هل يحقق اوباما ما لم يحققه تحالف قوس القزح؟ في كلمة اوباما امام "ايباك"، دعا الى توطيد الشراكة بين الافارقة الاميركيين وبين اللوبي اليهودي الاميركي "للوقوف الى جانب اسرائيل بينما تكتب الفصل المقبل في رحلتها الاستثنائية". تتأسس على هذا الخيار سياسات تلحق اشد الاجحاف بالمصالح العربية، اذ ان رحلة الاسرائيليين "الاستثنائية" تسير باتجاه قضم البقية الباقية من فلسطين وتدمير المزيد من الدول والمجتمعات العربية. وسوف يرفع العرب، قطعاً، اصواتهم محتجين على هذه السياسات، وسوف يطالبون بتعديلها، وينتقدون من يقف وراءها. إلا ان من المؤكد انهم لن يجدوا قوس قزح يرفعون عليه ظلامتهم، ولن يجدوا في البيت الابيض رمزا للغفلة والسقوط يمكن تأليب الاميركيين والعالم ضده وضد "الآرابوفوبيا". عن صحيفة الحياة 26/6/2008