ماذا بعد التهدئة... وفن الممكن للجميع؟ ممدوح إسماعيل في وقت واحد أُعلن عما سُمي ب «اتفاق التهدئة» في كل من مصر وغزة وعبر إذاعة العدو الصهيوني، وبدأ تنفيذ سريانه من فجر الخميس 19 يونيو، وقد حمل الإعلان عن اتفاق للتهدئة بين «حماس» والفصائل الفلسطينية في غزة من جهة والعدو الصهيوني من جهة أخرى نوعاً من المفاجأة للمراقبين. ووجه المفاجأة أن الحديث عن التهدئة أو الهدنة له شهور يتردد عبر وسائل الإعلام، ولم تظهر له أي نتيجة ملموسة على الأرض، فقد استمرت آلة القتل والتدمير الصهيونية تمارس دورها الدموي بانتظام، حتى اليوم السابق على إعلان التهدئة والحصار الاقتصادي لا يزال مستمراً، غير أن جميع المؤشرات الإعلامية والسياسية كانت تتجه نحو ضربة عسكرية صهيونية لقطاع غزة. فما الجديد الذي دفع إعلان التهدئة للظهور للواقع؟ يُقال إن ما سُمي ب «اتفاق التهدئة» دفعت لإعلانه أسباب ونقاط جوهرية عدة لكلا الطرفين. 1 - بالنسبة إلى العدو اليهودي الصهيوني المحتل تتلخص مجمل أسباب الإعلان في: أ) حال الاحتقان السياسي التي تعاني منها حكومة أولمرت على جميع المستويات، خصوصاً بعد تدني شعبيتها بعد حرب لبنان الثانية و«تقرير فينوغراد» والفضائح المالية لأولمرت التي دفعت غرماءه باراك وليفني ونتنياهو إلى دفعه لإعلان استقالته. ب) تجميل وجه الحكومة الصهيونية الذي اجتمعت على إدانته معظم منظمات المجتمع المدني والحقوقية في العالم بسبب سياسة القتل والعدوان البربرية ضد الفلسطينيين، بخلاف انتقادات بعض السياسيين في العالم، وهو تكتيك تلجأ إليه حكومة العدوان الصهيونية، كلما أرادت أن تلعب بالحالة الشعورية في العالم تجاه ممارستها الدموية الإجرامية. ج) التغرير بالحكومات العربية التي تتعامل مع العدو الصهيوني سواء في العلن بإيجاد شكل مبرر لاستمرار الحفاظ على العلاقة مع العدو الصهيوني. أما التي تتعامل في السر فيعمل «اتفاق التهدئة» إما إلى دفعها إلى الإعلان عن علاقتها وإما الثبات على العلاقة وتطويرها سراً. د) يبقى أهم تكتيك في الاتفاق هو سحب «حماس» إلى فخ التسويات السياسية بإغرائها بنتائج المساومات السياسية في ظل ما تعانية حكومة «حماس» وشعب غزة من قتل وتدمير وحصار، مع وجود الخطط الجاهزة لتدمير غزة و«حماس» معاً. 2 - في ما يتعلق ب «حماس»، فالواقع الصعب لا يخفى على كل إنسان عربي ومسلم قبل السياسيين المختصين الآتي: أ) حركة «حماس» تعاني من حرب وحصار متنوع يندر وجوده في العالم، فهي تحكم منطقة محتلة. ب) تحارب من طائفة السلطة في حركة «فتح» علناً وسراً. ج) آلة القتل الصهيونية لا تتوقف كل يوم من توجيه الضربات العسكرية إلى سكان غزة والكوادر في المنظمات الفلسطينية المقاومة. د) الحصار الخانق يضيق على «حماس» وسكان غزة كل يوم من العدو الصهيوني ومن ورائه الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الغربية، وللأسف بعض الدول العربية. ه) بخلاف الحصار السياسي الذي أجمعت عليه الكثير من النظم السياسية في العالم سواء رغبة أو رهبة. ومع مسؤولياتها السياسية كحكومة مطالبة من الشعب بتوفير احتياجاته الضرورية كان لا بد من تكتيك سياسي يضمن أولاً حلحلة الوضع الاقتصادي لضمان عدم استغلال الضائقة الاقتصادية في تدبير انقلاب على حكومة «حماس». ولا يفوتنا أن الحركة ومنظمات المقاومة تحتاج إلى هدنة استراحة المحارب، لتنظيم صفوفها وتضميد جراحها، وهذا حال دائم لا يفارق أي مقاومة في العالم، ولا تعرف العسكرية في العالم في صراع قتالاً متلاحماً ليلاً ونهاراً من دون هدنة موقتة بين الطرفين أياً كانت نتائجهم العسكرية على الأرض. 3 - الطرف الثالث مصر، المكبلة باتفاقيتها مع العدو الصهيوني، لكنها مع ذلك من مصلحتها الاستراتيجية كطرف أصيل في الصراع العربي - الإسرائيلي تهدئة المنطقة الملتهبة فلسطين، والقيام بواجبها القومي تجاه الفلسطينيين وتنبيه الجميع في المنطقة العربية والعالم والعدو الصهيوني إلى أن مصر هي القادرة وحدها على حسم التوتر في المنطقة، خصوصاً بعد ظهور الدور القطري في مشكلة لبنان، ومحاولة دول أخرى الدخول في الملف الفلسطيني الشائك جداً. ويبقى أن هناك تخوفات حقيقية من انهيار الاتفاق في أي لحظة، فهي عادة لليهود تعرفها البشرية منذ القدم لأنه لا عهد لهم، والكل يعلم ذلك وأولهم «حماس» التي تدرك عدوها أفضل من غيرها، ولذلك هي تتحسب لذلك جيداً. ولكن ماذا تفعل «حماس» غير المناورة السياسية بعد أن تركها الأخ والصديق والجار الشقيق غير أن تواجه أقدارها لوحدها بما تستطيع؟ وأخيراً إذا كان «اتفاق الدوحة» وتواصل مسار المفاوضات السورية - الصهيونية و«اتفاق التهدئة» هو مخطط مدروس أميركياً وصهيونياً للمنطقة فإنه ينبغي توجيه رسالة للصهاينة والأميركيين، وبناء على معرفتنا لهم بحبهم للسلام الغارق في دمائنا الطاهرة، بأننا نحن لم نعد مغفلين. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 25/6/2008