فشلت بشكل نهائي جهود التهدئة بين الكيان الصهيوني وحماس بوساطة مصرية، بعد أن أمر "أولمرت" بعودة وفد المفوضات الصهيوني من القاهرة على الفور، وأرجعت مصادر أسباب ذلك إلى الصراع السياسي القائم حاليًا بين أولمرت وباراك، وأمام هذا التعنت الصهيوني أصبحت القاهرة في موقف محرج يقتضي عليها ضرورة فتح معبر رفح مع غزة فورًا لكسر الحصار الصهيوني لغزة كخطوة أولى، خاصة بعد أن أكدت حماس أن كل الخيارات أصبحت مفتوحة أمامها لرفع الحصار، متوعدة جميع الأطراف المشاركة فيه بإجراءات عنيفة بعد أن بلغ السيل الزبى، وتجاوز عدد ضحايا الحصار 171 شهيدًا ثلثهم من الأطفال!! ففي الوقت الذي كانت تعمل فيه مصر علي التوصل لاتفاق بين الكيان الصهيوني وحماس حول التهدئة، لتلافي تفجر الأوضاع في قطاع غزة، أوقف رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت محادثات التهدئة التي يقودها رئيس الطاقم الأمني والسياسي في وزارة الأمن الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد. وكشف النقاب مساء الجمعة عن أن الخلافات بين أولمرت، ووزير الأمن إيهود باراك، تعدت الخلافات السياسية الداخلية، وباتت تتعلق أيضاً بالتهدئة بين الدولة العبرية وفصائل المقاومة الفلسطينية بوساطة مصرية. ووفق القناة الثانية في التلفزيون الصهيوني، فقد قام باراك، دون أن يبلغ رئيس الوزراء وأعضاء المجلس السياسي والأمني المصغر بإرسال جلعاد إلي مصر للتوصل إلي الاتفاق النهائي مع المصريين وإخراج التهدئة المنشودة إلي حيّز التنفيذ. ولكن أولمرت، كما أكدت المصادر السياسية للتلفزيون الصهيوني، الذي علم بالأمر أصدر فورا أوامره إلي جلعاد بالعودة فورا من مصر، كما اتهم باراك بأنه يحاول إدارة شؤون الكيان الصهيوني دون الرجوع إليه وإلي المجلس الوزاري الأمني والسياسي المصغر، وبناء علي أوامر أولمرت توقفت المحادثات بين الصهاينة والمصريين حول التهدئة، مما يفرض على مصر الرد الفوري على هذا التصرف الصهيوني "المحرج" للقاهرة. وكانت مصادر عسكرية صهيونية قالت إن أي اتفاق بين حركة حماس والكيان الصهيوني سيكون معقدا وسوف يخلق الكثير من المشاكل للصهاينة، ويقيد حركة القوات الصهيونية في المنطقة الجنوبية. وأكدت تلك المصادر أن القوات الصهيونية سوف تستغل فترة الهدوء التي قد تسود غزة من اجل ترتيب أوضاعها العسكرية والاستعداد لأي طارئ، واعترفت المصادر بأن الاستعدادات تتواصل وتأخذ في الحسبان امكانية فشل مساعي التهدئة وانهيار جهود القاهرة. وفي غزة، أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجمعة (30/5)، أنّ مسيرة صوفا وغيرها من الفعاليات المماثلة هي رسالة لكل الأطراف بأنّ "الشعب الفلسطيني لم ولن يسلِّم باستمرار هذا الحصار الظالم وسيلجأ إلى كل الوسائل الممكنة لكسر هذا الحصار مهما كلف ذلك من ثمن". وقالت الحركة على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري، في مؤتمر صحفي عقده في غزة، "إنّ هذه المسيرات هي عنوان مرحلة قادمة لمواجهة هذا الحصار، وهي غيض من فيض من الوسائل والخيارات والأوراق، وعلى الجميع انتظار الأعظم وسنواصل دورنا وجهدنا بكل ما نملك حتى كسر هذا الحصار بإذن الله". وأضاف أبو زهري أنّ حركة "حماس" أعطت ولا زالت تعطي الفرصة الكافية لإنجاح الجهد المصري بشأن التهدئة، ويبدو أنّ الاحتلال فهم صبر الحركة فهما خاطئاً، وأوضح "ولذا فإنه في ظلّ مماطلة الاحتلال ورفضه الالتزام برفع الحصار وفتح المعابر"؛ فإنّ "الحركة تؤكد بأنها لن ترهن شعبنا لهذه المماطلة وأنها لن توفر أي وسيلة لكسر هذا الحصار وأن شعبنا الفلسطيني لن يلام على أي شيء يفعله لمواجهة ذلك"، كما قال. ودعت "حماس" على لسان أبو زهري، النظام الرسمي العربي والقيادة المصرية إلى اتخاذ قرار سريع بفتح معبر رفح خاصة في ظل استمرار التعنت الصهيوني، مؤكدة أنّ الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقه في فتح جميع المعابر بما فيها معبر رفح، الذي يمثل البوابة الوحيدة لقطاع غزة إلى العالم الخارجي. ودعت حركة المقاومة الإسلامية أيضاً الشعوب العربية والإسلامية إلى "تأكيد تضامنها مع شعبنا الفلسطيني، وإرسال رسالة إلى كل الأطراف بأنها لن تترك الشعب الفلسطيني وحيداً للاستفراد الصهيوني والأمريكي"، كما دعت الحركة "أهلنا في القطاع إلى الاستعداد لخوض مرحلة كسر الحصار تحدياً لهذا الظلم والقتل والاستهداف"، حسب ما ذكر المتحدث. وقد أشار أبو زهري خلال المؤتمر الصحفي إلى أنّ "الصمت والعجز الدولي يستمرّان تجاه الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة، مما دفع الشعب الفلسطيني لتحدي هذا الحصار بصدوره العارية ودماء أبنائه الطاهرة"، وأضاف "في هذا السياق كانت مسيرات التحدي عند معبر بيت حانون ثم معبر المنطار الذي استشهد عنده الشهيد حسين أهل برصاص الاحتلال، ثم كانت مسيرة يوم (الجمعة) عند معبر صوفا التي أطلق عليها الاحتلال قذائف المدفعية والرصاص الحي فأصيب ستة من المشاركين بينهم اثنان في حال الخطر، وهذا رغم أنّ المسيرة هي مسيرة سلمية إلا أنها ووجهت بكل هذا البطش والإجرام". ضحايا الحصار.. في ازدياد وعلى جانب آخر، اتهمت "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة" السلطات الصهيونية بتنفيذ عملية "إبادة جماعية" بحق مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني في قطاع غزة، وذلك من خلال الاستمرار في فرض الحصار الخانق عليهم منذ نحو عامين، والذي يعتبر من أشد الإغلاقات في التاريخ البشري الحديث. وقال عرفات ماضي، المتحدث باسم الحملة في تصريح له من بروكسيل : "إن سياسة الحصار وإغلاق المعابر ألقت بآثارها السلبية على الفلسطينيين في غزة عموماً وعلى الأطفال بصورة خاصة، وتسببت في تردي الأوضاع الصحية للأصحاء منهم، أما حالة المرضى فقد ازدادت تدهوراً وسوءا بسبب نقص الدواء، وضعف إمكانيات المستشفيات عن استيعابهم". واعتبر ماضي أن ما يتعرّض له قطاع غزة هو "نكبة" قاسية بكل تفاصيلها، تهدّد ما تبقى للفلسطينيين فيه، من فرص الحياة الإنسانية اللائقة. وقال: "في الوقت الذي يحيي فيه الشعب الفلسطيني الذكرى الستين لنكبته، يعيش مليون ونصف المليون في قطاع غزة نكبة جديدة، بكل ما للكلمة من معنى، فهم يتعرّضون لحرب إبادة عسكرية، إلى جانب حرب إبادة تستهدف جميع مقومات الحياة البشرية من ماء ودواء وغذاء، حتى الوقود والكهرباء التي باتت عصب الحياة في هذا العصر". وناشد ماضي جمهورية مصر العربية العمل فوراً على فتح معبر رفح الحدودي لإنقاذ أهل غزة، كما طالب العالم ب "الضغط على السلطات الإسرائيلية لاتخاذ قرارات تسمح بفتح المعابر، بحُكم سيطرتها واحتلالها للأراضي الفلسطينية، ووقف الإبادة الجماعية التي تمارس في القطاع بشكل مخالف لكل القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية"، حسب تأكيده. وحذّرت الحملة من أن السلطات الصهيونية "تمارس حرباً ممنهجة بحق الأطفال في قطاع غزة"، واصفة ما يجري بأنه "جرائم حرب حقيقية، لا سيما في ضوء الاستهداف المتصاعد للأطفال من خلال القصف المباشر وتصاعد وتيرة سقوط الضحايا من الأطفال، وفي مقدمتهم الأطفال الرضّع نتيجة للحصار المفروض على قطاع غزة". وأشارت الحملة الأوروبية إلى ارتفاع عدد حالات الوفاة في صفوف الأطفال في القطاع المحاصر إلى أربعة وخمسين حالة، بينهم ثلاثة أشقاء رضّع توفوا قبل أيام بفارق ثمانية وأربعين ساعة، وهم من أصل مائة وواحد وسبعين مريضاً قضوا خلال أحد عشر شهراً، بسبب نفاد الدواء ومنعهم من السفر للعلاج.