العرب بين ماكين وأوباما عبدالعظيم حماد لابد أن نتوقع تغييرات رئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية في منطقتنا العربية سواء كان الساكن الجديد في البيت الأبيض هو السيناتور الديمقراطي باراك أوباما, أو كان هذا الساكن الجديد هو السيناتور الجمهوري جون ماكين, وبطبيعة الحال فمن المنتظر أن يكون التغيير أوضح, وأسرع في حالة أوباما, لكن المؤكد أن مسار التغيير المتوقع سوف يختلف بين الرجلين. السيناتور أوباما هو الأوضح التزاما بالتغيير في ثلاثة اتجاهات: أولا أنه تعهد بسحب القوات الأمريكية من العراق, وثانيا دعا إلي الحوار مع إيران. وثالثا: كان قاطعا ومباشرا في تأكيد أن تسوية القضية الفلسطينية تحقق مصلحة قومية أمريكية, وتشكل أفضل ضمان لأمن إسرائيل. موقف أوباما من الغزو الأمريكي للعراق لا يحتاج إلي كثير من التفصيل, فهو قد أدان الغزو بوصفه خطأ منذ البداية, بل إنه كثيرا ما اتخذ من تصويت منافسته علي ترشيح الحزب الديمقراطي السيناتور هيلاري كلينتون لمصلحة قرار الغزو حجة قوية علي أن الخبرة السياسية التي تدعيها لنفسها, وتعيب عليه افتقاره إليها, لم تمنعها من ارتكاب ذلك الخطأ المميت. وهو وإن كان يرفض تسلح إيران نوويا, ولا يغفل ما يسميه الأمريكيون والإسرائيليون تهديدا إيرانيا لوجود إسرائيل في إطار الحرب الكلامية المشتعلة بين طهران, وبين كل من واشنطن وتل أبيب, إلا أنه لا يبالغ في تصوير ذلك التهديد, وكأنه حقيقة واقعة, أو كأنه تهديد قابل للتنفيذ الفوري, وبالقطع فإن الحوار مع طهران ضروري لأي رئيس أمريكي يريد الخروج بأقل خسارة من المستنقع العراقي, وهنا فإن الرجل يبدو متسقا مع نفسه, لأنه التزم صراحة, ومنذ اليوم الأول في حملته الانتخابية, بسحب قواته من العراق في أسرع وقت ممكن. في القضية الفلسطينية, ودون إخلال بأمن إسرائيل, وبقائها كدولة يهودية, يبدو أوباما منتميا أكثر من أي سياسي أمريكي للتيار المتنامي بين النخبة الأمريكية بما في ذلك اليهود الأمريكيون المؤمنون بضرورة إنقاذ إسرائيل من نفسها, أي إنقاذها من تحكم الأجنحة المتطرفة الرافضة لتقديم ما يسمي ب التنازلات المؤلمة من أجل السلام الشامل مع جيرانها, وأولهم الفلسطينيون, وحتي وقت قريب كان مستشاره للشئون الفلسطينية الإسرائيلية هو روبرت مالي مساعد الرئيس السابق كلينتون في الاختصاص نفسه, وهو الرجل الذي شهد بالحق مدافعا عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في قمة كامب ديفيد الثلاثية بين عرفات وكلينتون وإيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل آنذاك. وكان مالي قد استقال من حملة أوباما بسبب تكشف اتصالات سرية له مع حركة حماس, مفضلا عدم الإضرار بمرشحه, ولكن دون أن تخفي دلالة ما فعله علي أن السيناتور أوباما مهتم بالجانب الفلسطيني, ومهتم ببذل أقصي الجهد فور انتخابه لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, وسائر جوانب الصراع العربي الإسرائيلي, وهو علي أي حال تعهد بذلك بصراحة في خطابه أمام إيباك, لذا فمن المتوقع أيضا أن يدخل في حوار مع سوريا, ويوفر الرعاية المطلوبة لمحادثات السلام السورية الإسرائيلية الجارية الآن بوساطة تركية. ستكون توقعاتنا للتغيرات في سياسة واشنطن في الشرق الأوسط تحت قيادة الرئيس باراك أوباما أكثر مصداقية إذا نظرنا إليها في السياق الأشمل لرؤيته لما يجب أن تكون عليه سياسة بلاده في العالم ككل, فالرجل ينتمي إلي ما يعرف في التقاليد الأمريكية بتيار الليبرالية الدولية, كما يقول البروفيسور مايكل مان, أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا, الذي ينتمي هو نفسه إلي ذلك التيار, وهو تيار يرفض تماما أية أوهام إمبراطورية, ويدرك أن حدود القوة الأمريكية, ومعطيات العصر الذي نعيش فيه, تتيح للولايات المتحدة دور القائد الأكثر تأثيرا للنظام العالمي, وليس دور الإملاء الإمبراطوري, ومن ثم, فإن أفضل سياسة تحقق المصالح الأمريكية, وفي مقدمتها الأمن القومي, وتحقق في الوقت نفسه الاستقرار والسلم الدوليين هي العمل الجماعي في إطار الشرعية الدولية, وليس الانفراد, والإملاء اعتمادا علي القوة العسكرية, وإشعال صراع الحضارات. وبالطبع فإن الوصول إلي هذه الحالة العالمية يتطلب تسوية النزاعات الإقليمية, وإقامة ترتيبات للأمن الجماعي علي مستوي كل إقليم, وعلي مستوي العالم, وكذلك التعاون في مواجهة المشكلات ذات الطبيعة الكونية مثل تغير المناخ, وأزمة الطاقة, وأزمة الغذاء, ومكافحة الإرهاب.. إلخ. القصة ستكون مختلفة كثيرا في حالة فوز السيناتور الجمهوري جون ماكين برئاسة الولاياتالمتحدة في الانتخابات المقبلة. الرجل ينتمي من كل النواحي إلي جيل الحرب الباردة, ومن هنا يبدو منطقيا استعداده للبقاء في ميدان الحرب بالعراق لمدة مائة سنة أخري, إذا كان ذلك ما يتطلبه كسب الحرب ضد الإرهاب, علي حد قوله, وقد يؤدي هذا التشدد إلي تصعيد لا حدود له للصراع في العراق, وحوله امتدادا إلي إيران. في سياق آخر, ولكنه متصل, سيحاول ماكين إذا انتخب رئيسا للولايات المتحدة أن يستأنف ما فشلت فيه إدارة بوش من احداث التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط الكبير علي الطريقة الأمريكية, ويتذكر كاتب هذه السطور خطابا لماكين في مؤتمر ميونيخ لسياسات الأمن الدولي بحضور عدد من الوزراء العرب عام2005 وجه فيه انتقادات حادة لجميع النظم العربية, واتهمها بالفساد والديكتاتورية, وطالب بممارسة أقسي الضغوط عليها لتغييرها, أو لإجبارها علي تنفيذ الاصلاح. ومثلما قلنا في حالة السيناتور أوباما, فإن التغيرات المتوقعة في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تحت رئاسة ماكين إذا كان هو الذي سيسكن البيت الأبيض تعد جزءا لا يتجزأ من رؤيته ورؤية معسكره لما يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية في العالم, وهي رؤية صراعية تقسم العالم إلي دول ديمقراطية, ودول غير ديمقراطية, وكان أقصي تنازل قدمه ماكين في حملته للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للمطالبين بالتخلي عن النزعة الانفرادية العسكرية في السياسة الخارجية الأمريكية هو الدعوة إلي إنشاء منظمة دولية جديدة للدول الديمقراطية تحت قيادة الولاياتالمتحدة بالطبع لتتخذ القرارات, وتنفذ السياسات المطلوبة فرضها علي الدول غير الديمقراطية, وهي في رأيه الصين وروسيا, والدول العربية. الولاياتالمتحدة, والعالم, ومنه الشرق الأوسط إذن أمام بديلين متناقضين.. إما عالم أوباما الوفاقي, وإما عالم ماكين الصراعي. عن صحيفة الاهرام المصرية 16/6/2008