الانتخابات الأمريكية وقضايا الشرق الأوسط فالح الطويل تجري الاستعدادات للانتخابات الأمريكية خريف هذا العام تحت شعار '' نستطيع التغيير'' الذي رفعه المرشح الرئاسي باراك أوباما واستطاع به، بين أشياء أخرى، مثل صدقيته وشخصيته الكارزمية الفوز بالانتخابات الديمقراطية الأولية. لقد هزم هيلاري كلنتون في تلك الانتخابات، لأنها كانت جزءا من ماض لا بد من تغييره: فقد أيدت الحرب على العراق. وهو، سيهزم جون ماكين المرشح الجمهوري، بحسب استطلاعات الرأي الأمريكية، لو أجريت الانتخابات اليوم. ليس التغيير المطلوب، كما يفهمه الناخب الأمريكي، هو التغيير في شروط حياة الأمريكيين الاقتصادية والاجتماعية وحسب، بل التغير في نهج السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وحروب أمريكا فيها التي رتبت على عجل من قبل المحافظين الجدد، كما جاء في كتاب ماكليلان الناطق الرسمي السابق في البيت الأبيض، وما تجره تلك الحروب من احتقان داخلي أمريكي. لقد كانت لسياسات بوش الإمبراطورية آثار سلبية على صورة وسمعة ومصالح أمريكا في الخارج ألحقت بها أضرارا كبيرة وعرضت فيها حياة أبنائها للخطر. ولعل أولى خطوات التغيير التي سيتخذها الرئيس الديمقراطي الجديد، وتفتح المجال أمام حركة التغيير لتأخذ مداها، هو إفراغ البيت الأبيض من المحافظين الجدد، بمن فيهم الإيفانجيليون و''المسيحيون الصهيونيون المولودون مجددا''- كما يسمون انفسهم- الذين يؤمنون بالخرافات الدينية فيما يخص شعب الله المختار وعودة المسيح وأرماجيدون، والذين تبنوا سياسات إسرائيل العنصرية التوسعية كإطار عام تلتزم واشنطن بها التزاما حاسما ودقيقا. والرؤساء الديمقراطيون في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم ثلاثة فقط وهم- جون كنيدي، وكارتر وكلنتون. وكانوا ثلاثتهم، لو وجدوا دعما على الأرض العربية بشكل خاص، أقرب إلى تبني سياسة أمريكية متوازنة وعادلة إزاء قضايا الشرق الأوسط بشكل خاص. تاريخهم في البيت الأبيض يبرهن على ذلك. وقد قتل جون كنيدي في وسط فترته الأولى، قبل أن يضع سياسته موضع التنفيذ؛ أما كارتر، فقد غدر به السادات سنة 1979 عندما كان منهمكا ومساعديه في الاستعداد لعقد مؤتمر جنيف في كانون الأول من ذلك العام حين كان يعمل على قيام سلام عادل في منطقة الشرق الأوسط تقبل به كل أطراف النزاع، بما فيها إسرائيل، وإن على مضض. يقول اسماعيل فهمي، وزير خارجية مصر (1974/1977) في مذكراته ''مفاوضات السلام'' أن الرئيس كارتر كان متحمسا للوصول إلى مثل هذا السلام. لذلك طلب كلا من مصر وإسرائيل تقديم تصورهما للسلام المنشود. فقدم كل بلد منهما مشروعا. ولكن المشروعين المصري والإسرائيلي كانا متعارضين في كل نقطة تقريبا. كانت إسرائيل تصر على ضرورة التزام أمريكا بضمانات قدمها لها كيسنجر في مفاوضات فك الاشتباك الأول سنة 1974، وهي أن تقبل أمريكا بل وتسند مطالب إسرائيل السياسية والأمنية في أية مفاوضات مع العرب، بالإضافة إلى ضرورة التزام واشنطن بموقف إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية. وقد رفضت مصر ذلك. كان واضحا لدى الدبلوماسية المصرية أن الرئيس كارتر يرفضها أيضا، وأنه يترك كل النتائج ليقررها مؤتمر جنيف، وقدمت واشنطن مشروعا متوازنا للسلام قبلته مصر على الفور. أما إسرائيل فقد بدأت لعبتها من خلال مفاوضات دايان-حسن التهامي في الرباط في أيلول 1977. ثم فجأة غزت السادات فكرة زيارة إسرائيل المنطلقة من فكرة رومانسية مفادها أن كسر الحاجز النفسي بين إسرائيل والعرب يكفي وحده ليصنع سلاما عادلا ويحل كافة القضايا. لم يصغ السادات لأي منطق مخالف، وهو أن الزيارة كانت ستلغي مشروع السلام الأمريكي ومؤتمر جنيف المقترح، ودور الرئيس جيمي كارتر، وتخسر مصر الدعم الأمريكي النشيط، وتضعها وجها لوجه أمام إسرائيل لتستفيد هذه من نتائج حرب أكتوبر 1973، وتفرض رؤيتها على مصر والعرب. لم يقبل السادات حتى باستشارة كارتر ولو على سبيل المجاملة. ويعتقد أنه استجاب لمشورة إسرائيلية كانت تخشى كارتر وسياساته. وتمت الزيارة وكان لإسرائيل ما أرادت. وعزلت مصر عن العالم العربي لعشر سنوات تقريبا. وتراجع كارتر عن حماسه وترك الأمور تسير وفق ما أرادت إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت بدأ صعود نجم المحافظين الجدد في السياسة الخارجية الأمريكية. يمكن القول أن سياسة كلنتون انتهجت النهج ذاته في عصر انعدام الوزن العربي. فهل سيتحرك أوباما، إذا نجح في انتخابات الخريف، في فراغ عربي مرة أخرى يحبط نزوعه لقيام سياسة أمريكية متوازنة وعادلة؟ مطلوب بحث هذا الموضوع الآن والتحرك لتنشيط جبهة عربية فاعلة، عل سياسات التغيير الأمريكية الممكنة تجد دعما على الأرض يعيطها زخما عمليا بالإضافة لزخمها الأخلاقي. عن صحيفة الرأي الاردنية 14/6/2008