المسيرة المعقدة للمفاوضات مع إسرائيل سعيد كمال عقب حرب أكتوبر المجيدة عام1973 عين الرئيس الراحل أنور السادات, إسماعيل فهمي وزيرا للخارجية, ليتولي مسئولية استثمار وتوظيف نتائج الحرب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي واضعا سياسة توازن العلاقات المصرية مع الغرب مثلما هو الحال مع الشرق.في ضوء ما تقدم, أطلق الرئيس السادات في مجلس الشعب الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط, يقوم علي قراري مجلس الأمن الدولي242 و338, وفي هذا السياق عين الرئيس الأمريكي نيكسون هنري كيسنجر وزيرا للخارجية, وتم تكليفه بالتحرك مع أطراف الصراع, ولم يكن في ذلك الوقت أي اعتبارات للتعامل الأمريكي مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها الشهيد الرئيس ياسر عرفات, ولكن مصر أصرت علي أن يقوم الوزير اسماعيل فهمي وكبار معاونيه بالاتصال مع القيادة الفلسطينية, في محاولة جادة لجذبها للتعامل مع مناخ وقواعد المؤتمر الدولي, من خلال التشاور والتنسيق معها, وعقد هذا المؤتمر عام1974 بغياب سوريا عنه والضغط علي منظمة التحرير بقيادة عرفات بعدم الاقتراب من هذا المؤتمر نهائيا, وتحركت مصر بقوة محاولة خلال عامي1975 و1976 التركيز علي جذب منظمة التحرير لكي تكون شريكا في عملية السلام دون انتظار من أحد بحكم مصالحها الوطنية ومسئولياتها القومية, فكان من نتيجة هذا الموقف وتلك السياسة أن قاطعت الدول العربية ومعها منظمة التحرير الفلسطينية مصر وتجمدت عملية السلام. إن الحقائق التي برزت من غزو اسرائيل للبنان عام1982 متعددة وأهمها صمود قوات المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي88 يوما, فكانت الحقيقة الناصعة من أن ارادة الفلسطينيين في الصمود والقتال أصبحت عاملا مهما دخل الي جسم السياسة الأمريكية, بل الغرب عموما, وعليه انطلقت أصوات إسرائيلية وأمريكية وأوروبية تطالب بضرورة التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات, ومن تأثير هذه الأصوات بدأ الإعداد الأمريكي المبرمج نحو كيفية التغلب علي الموقف الفلسطيني الرافض لقرار242, تمت إعادة العلاقات بين كل من منظمة التحرير ومصر بقيادة الرئيس مبارك, وكذلك الأردن بقيادة الملك حسين وتم وضع خطوات تنسيقية بين كل من فلسطين والأردن ومصر بهدف اقناع أمريكا في عهد الرئيس ريجان والقوي اليهودية المتمركزة في أمريكا بوجهة النظر الفلسطينية الداعية الي اعتراف أمريكي يحقق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وبقي الحال دون أي تقدم في عملية السلام الي أن تم انتخاب الرئيس بوش الأب رئيسا للولايات المتحدة, الذي تعامل مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ولديه استعداد شديد لكسر حالة الجمود في المسار الفلسطيني الإسرائيلي, ورغبة قوية في بلوغ هذا الهدف لولا المفاجأة التي وقعت عندما أقدم الرئيس صدام حسين علي احتلال الكويت, مما أثر سلبا علي منظمة التحرير وعلي جهودها وسياستها ازاء التعامل والاعتراف المتبادل والمتزامن مع اسرائيل, وعلي ضوء نجاح أمريكا والدول العربية المعنية بإخراج القوات العراقية من الأراضي الكويتية اندفع الرئيس بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر نحو التحرك مرة أخري لحل النزاع الإسرائيلي العربي. ما أشبه الليلة بالبارحة, انعقد مؤتمر دولي في جنيف عام1974 ولم يحصل شيء, وانعقد مؤتمر دولي للسلام آخر في مدريد عام1991 ولم يحصل شيء, وفي أيامنا الحالية سينعقد مؤتمر للسلام في نهاية نوفمبر2007. مع توقعات متذبذبة حول المؤتمر ونتائجه, لابد أن نسجل بكل صراحة من أن الاختراق المدوي الذي وقع وقلب الموازين, هو عندما أقدمت اسرائيل بقيادة حزب العمل الذي كان يرأسه اسحاق رابين كرئيس للوزراء علي فتح قناة سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية, كان من نتائج الحوار الذي تم في أوسلو بين الوفدين اعتراف متبادل متزامن وجدول أعمال أطلق عليه إعلان مبادئ للسلام دون أي قواعد ومبادئ سياسية تتحكم في مبادئ هذا الاعلان, والموضوع الأوسلوي كبير وشائك ويحتاج الي سرد موضوعي حقيقي. وأقدمت اسرائيل علي خطوة الاعتراف والتعامل مع منظمة التحرير لعلها تحتوي المنظمة, وأقول المنظمة وليس السلطة برغم انطلاقها كجزء مهم من نقاط البرنامج الفلسطيني عام1974, وهي لم تتمكن حتي يومنا هذا من احتواء المنظمة داخل الوطن وخارجه. وفي السياق نفسه, فإن منظمة التحرير أقدمت علي خطوة تتوافق مع برنامجها مع فارق كبير, وواضح هو اعترافها بحق اسرائيل في الوجود داخل حدود آمنة, ومعترف بها وتم تسجيل هاتين الخطوتين الكبيرتين في خطابات متبادلة وقعها كل من رابين وعرفات, فماذا كانت النتائج؟ إقدام المتطرف الصهيوني من داخل المؤسسة الصهيونية لاغتيال رابين والذي أعتبره بحق تراجعا اسرائيليا بالكامل عن سياسة اقامة السلام العادل والمتوازن مع فلسطين في اطار الحقوق والواجبات المتساوية. الرجاء كل الرجاء, أن أكون مخطئا للغاية كي أعود فأومن بأن هناك قوي حقيقية للسلام في أمريكا واسرائيل وأنهي المقال بالقول: إن الحكومة الإسرائيلية الحالية وأوضاعها المحيطة بها داخليا عاجزة عن تحقيق ما طالب به العالم من ضرورة سحب قواتها العسكرية من الضفة الغربية وقطاع غزة, بما فيها مدينة القدسالشرقية مستغلة الأوضاع الفلسطينية الداخلية السلبية المؤسفة نتيجة لما أقدمت عليه حركة حماس في قطاع غزة, لتضيف الي الحكومة الإسرائيلية سلاحا آخر للتهرب من كل التزاماتها الإقليمية والدولية نحو تنفيذ السلام العادل والملزم في الانسحاب من الأراضي المحتلة عام1967 واقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف والتوصل الي حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. عن صحيفة الاهرام المصرية 1/11/2007